اعتادت السعودية مع قدوم موسم الشتاء على سيول المياه التي تجرف العديد من المناطق وتؤدي إلى خسائر بالمنازل والشوارع والمؤسسات، لكن هذه المرة أصابت الرياض سيول التوترات والقلق والرعب بعد مقتل الصحافي المعروف جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، إذ تهدّد المقاطعة الموسعة بجرف مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" أو ما يطلق عليه "دافوس الصحراء" المقرر رسميا أن يبدأ أعماله يوم الثلاثاء ويستمر 3 أيام، وكانت تراهن الرياض عليه في أن يحدث لها نقلة استثمارية واقتصادية كبيرة.
ويتزامن انطلاق المؤتمر السعودي مع مؤتمر أخر سيعقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة ليعلن تفاصيل التحقيقات التي أجرتها بلاده حول جريمة خاشقجي لتفاقم مخاوف المستثمرين الأجانب من أجواء الرعب التي يعيش فيها الاقتصاد السعودي، خاصة في حال إعلان أردوغان رواية مغايرة للرواية السعودية.
وفي الوقت الذي أكدت فيه الرياض إصرارها على عقد المؤتمر واعتمادها على جذب دول وشركات عبر إغرائها بالمال والمكاسب التي ستحصدها من خلال المشاركة كما يحدث مع باكستان التي تمر بأزمة مالية خانقة، أعلنت مئات الشركات العالمية والمسؤولين والشخصيات البارزة من مختلف الدول مقاطعتها للمؤتمر بسبب جريمة القتل البشعة التي ارتكبت ضد مواطن آمن داخل قنصليته لأول مرة في التاريخ.
ومن بين المقاطعين وزراء المالية والخزانة والاقتصاد بالدول الكبرى، وكبار رؤساء البنوك والمؤسسات المالية ومنها مصارف أميركية وأوروبية، وقيادات البورصات العالمية ومنها بورصتا لندن ونيويورك، وقادة الأعمال العالميون.
وكان صندوق الاستثمارات العامة السعودي قال منتصف الأسبوع الماضي، إن مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" سينعقد في الفترة من 23-25 أكتوبر/تشرين الأول، بمشاركة "الآلاف" من مختلف دول العالم. وبحسب بيان للصندوق على موقعه الإلكتروني، فقد "تأكد حضور أكثر من 150 متحدّثاً يمثّلون أكثر من 140 مؤسسة مختلفة، إضافة إلى شراكات مع 17 مؤسسة عالمية.
أبرز المقاطعين
ويأتي انطلاق المؤتمر، وسط مقاطعة كبار المسؤولين له ومنهم رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم، مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منشن، وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، وزير التجارة البريطاني ليام فوكس، وزير المالية الهولندي فوبكه هوكسترا.
كما انضم إلى المقاطعين مؤسسات مالية عملاقة وممثلوها ومنهم، رئيس بنك "جي بي مورغان" جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لـ"دويتشه بنك" الألماني، كريستيان سوينغ، مدير عام "إتش.إس.بي.سي" جون فلينت، مدير عام "كريدي سويس" تيجاني ثيام، مدير عام "ماستر كارد" أجاي بانغا، مدير عام "بلاك روك" لاري فينك، مدير عام "بلاكستون" ستيفن شوارتزمان، مدير عام "ستاندرد تشارترد" بيل وينترز، رئيس مصرف "بي.إن.بي باريبا" جان لومير، الرئيس التنفيذي لمصرف "سوسييته جنرال" فريدريك أوديا، إضافةً إلى الرئيس التنفيذي لبورصة لندن ديفيد شويمر، ونائب رئيس شركة "آي.إتش.إس ماركت" دانيال يورغن، و"بنك باركليز".
وفي قطاعات الصناعة والتجارة والتكنولوجيا، يضم المقاطعون: رئيس وحدة الدفاع في "إيرباص" ديرك هوك، الرئيس التنفيذي لشركة "فورد" بيل فورد، مدير عام "أوبر" دارا خسروشاهي، الملياردير البريطاني مؤسس مجموعة "فيرجن" ريتشارد برانسون، مديرة "ثرايف غلوبال" أريانا هافينغتون، مديرة فرع "كلاود" في "غوغل" ديان غرين، رئيس مجلس إدارة شركة "غلينكور" توني هايوارد، رئيس مجلس إدارة مجموعة "تاليس" الفرنسية، باتريس كاين، المؤسس المشارك لشركة "أيه.أو.إل" ستيف كيس، شركة "بي.إس.بي.إس كونسالتانتس" الهولندية، والرئيس التنفيذي لمجموعة "أيه.بي.بي".
إغراء المال
رغم المقاطعة الواسعة لعدد كبير من الفاعلين الدوليين لمؤتمر السعودية، إلا أن هناك دولاً ما زالت ترغب في الحضور في ظل حاجة الكثير منها للمال وليس المشاركة في استثمارات بالسعودية.
وتأتي باكستان كنموذج في هذا الإطار، إذ أعلن رئيس الحكومة الباكستانية، عمران خان، مشاركته في مؤتمر "مستقبل الاستثمار" الذي يعقد اليوم في الرياض.
و"خان ليس في وضع يسمح له بالاستنكار"، كما يقول تقرير نشرته "ذا إندبندنت" البريطانية. إذ إن بلده في أزمة اقتصادية عميقة، وهناك حاجة ملحة إلى المال السعودي. الفشل في الحصول على الأموال من السعودية والصين، حليف إسلام آباد، سيعني التحول إلى صندوق النقد الدولي من أجل إنقاذ البلاد، مع ظروف هي الأقسى منذ 70 عامًا، وفق التقرير.
وفي حديثه إلى "ذا إندبندنت" في أول مقابلة له مع وسائل الإعلام الأجنبية منذ وصوله إلى السلطة قبل شهرين، سعى خان إلى شرح سبب استمراره في زيارة الرياض: "ما حدث في تركيا صادم، ماذا يمكنني أن أقول؟ لقد صدمنا جميعاً".
وتابع: "لكن السبب الذي يجعلني أغتنم هذه الفرصة (المشاركة في المؤتمر) هو أننا بلد يبلغ عدد سكانه 210 ملايين نسمة ولدينا أسوأ أزمة ديون في تاريخنا". وأضاف خان: "نحن في حاجة ماسة إلى المال.
استثمارات مهدّدة
ولم تقف الخسائر عند سيل مقاطعة الكبار للمؤتمر الذي كان يؤمل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أن يدعم مشروعه الاقتصادي نيوم وغيره من المشروعات التي تشمل رؤية 2030، بل امتدت المخاوف إلى أموال السعودية واستثماراتها بالخارج.
وقال رئيس عمليات مجموعة سوفت بنك مارسيلو كلور الذي اعتذر عن عدم المشاركة في المؤتمر، أمس، إن "العمل يجري كالمعتاد" في الشركات المدعومة من صندوق رؤية التابع للمجموعة، والبالغ حجمه نحو 100 مليار دولار، على الرغم من الموقف المتوتر مع السعودية التي قدمت نحو نصف رأسمال الصندوق.
وفي تصريحات له خلال مؤتمر تكنولوجي اليوم، في شركة آرم هولدنغز التي استحوذت عليها مجموعة سوفت بنك في 2016 من خلال صفقة قيمتها 32 مليار دولار، قال كلور إن سوفت بنك "تتابع بقلق ما يحدث" بشأن مصير خاشقجي الذي اختفى بعد دخول القنصلية السعودية في إسطنبول.
كما أبلغ مصدر مطلع رويترز يوم الإثنين، بأن سيمون سيغارس، الرئيس التنفيذي لشركة تصميم الرقائق البريطانية "آرم هولدنغز" انسحب من مؤتمر الاستثمار السعودي.
وقدمت السعودية 45 مليار دولار لصندوق سوفت بنك، وتسبب القلق بشأن علاقات الشركة بالمملكة في انخفاض أسهم المجموعة في وقت سابق من الأسبوع. وارتفع سهم سوفت بنك 2.13 % إلى 9790 ينا عند الإغلاق أمس، لكنه مازال منخفضا نحو ثمانية بالمئة عن مستواه قبل شهر.