لم يستبعد محللون ماليون أن تؤثر حملة الاعتقالات التي تشهدها السعودية، وطالت أمراء ووزراء ورجال أعمال كبارا، سلبا على الاقتصاد السعودي، وتُحدث حالة من الخوف بصفوف القطاع الخاص، وعدم اليقين بالأسواق، لكن بعضهم ربط مستوى التأثر بما ستحمله الأيام المقبلة من معلومات عن حجم الاتهامات الموجهة لهؤلاء؛ مما يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات قد تتراوح بين التسوية المالية والملاحقة القانونية.
وقامت لجنة لمكافحة الفساد شُكلت مؤخرا برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باحتجاز 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين ورجال الأعمال.
ومن أبرز المعتقلين وسط رجال الأعمال الملياردير الوليد بن طلال، ووليد بن إبراهيم الوليد الذي يملك شركة "إم بي سي"، وناصر بن عقيل الطيار. وسط حديث أيضا عن اعتقال رجل الأعمال المعروف صالح كامل وأبنائه، بالإضافة إلى وزير الاقتصاد والتخطيط عادل فقيه، ووزير المالية الأسبق إبراهيم العساف.
ويعتبر المحلل المالي نضال خولي أن ما حدث للسوق السعودي وأسواق عربية أخرى غداة الإعلان عن حملة الاعتقالات بصفوف المسؤولين والمستثمرين "ردة فعل طبيعية تحدث عند ورود أية أخبار وازنة، خاصة السياسية منها".
ويقول للجزيرة نت عبر الهاتف إن مقياس تأثر السوق بهذه الحملة سيظهر بعد بضعة أسابيع عندما تتكشف المعلومات بشأن الأسباب وراء تنفيذها.
ويضيف أن السوق بحاجة دائما إلى الشفافية وتدفق المعلومات الصحيحة حتى تغادر دائرة الضبابية.
شركات مؤثرة
ويشير خولي إلى أن الوليد بن طلال ليس رجل أعمال عاديا لأن استثماراته تخترق العديد من الأسواق العالمية التي تعيش هي الأخرى حالة ترقب في انتظار ما قد تسفر عنه التحقيقات من تصريحات أو اعترافات، وربما تسويات مالية لخزينة الدولة دون ملاحقات قانونية.
ويلفت إلى أن المعطيات التي تتوفر حتى الآن تؤكد أن رجال الأعمال الذين تم اعتقالهم يملكون شركات مؤثرة، لذلك فإن أية ملاحقات قانونية لهؤلاء قد تؤثر سلبا على الاقتصاد.
وتملك شركة المملكة القابضة التي يستحوذ الوليد بن طلال على نحو 95% من أسهمها فندق جورج الخامس الباريسي الشهير في جادة شانزليزيه.
كما يملك الوليد أسهما في شبكة تويتر، وفي شركة الإنتاج الأميركية للأفلام "توينتي فيرست سانتيوري فوكس"، وفق ما تذكره وكالة الصحافة الفرنسية، وتقدر مجلة فوربس ثورة الوليد بـ18.7 مليار دولار.
وتراجعت أسهم شركة المملكة القابضة بنسبة 9.9% عند بدء التداولات أمس الأحد، وواصلت نزيفها اليوم بنسبة تراجع بلغت 5%، في حين أكدت الشركة أنها مستمرة في نشاطها التجاري كما هو معتاد خدمة لمصالح مساهميها.
كما تراجعت شركة الطيار بالنسبة القصوى، في وقت حققت فيه السوق السعودية ارتفاعا طفيفا بواقع 0.1% عند 6985 نقطة، بعد خسائر سجلتها في بداية جلسة اليوم، وفق بيانات أوردها موقع أرقام.
ويعتقد الاقتصادي فوزي عبد الله أن حملة الاعتقالات التي شهدتها السعودية سيكون لها تأثير لحظي على أداء عدد من الشركات السعودية خاصة في سوق الأسهم التي تتمتع بحساسية قوية تجاه أي أخبار سياسية على وجه التحديد.
ويرى في حديث للجزيرة نت عبر الهاتف أن هذه الحملة قد تثير بعض المخاوف لدى المستثمرين الأجانب في ظل حالة عدم اليقين، لكنه لا يستبعد أن يعود هؤلاء من جديد للتطلع نحو الاستثمار في السعودية مع استقرار السوق وارتفاع منسوب جاذبيته.
ويلفت إلى أن منطقة الخليج كلها تعيش حالة عدم الاستقرار، خاصة في ظل الأزمة الخليجية؛ مما دفع عددا من المستثمرين الأجانب إلى اختيار أسواق بديلة.
حالة ترقب
ويعتبر فوزي عبد الله أن حملة مكافحة الفساد التي دشنت بالسعودية تؤشر إلى إمكانية حدوث حركة تصحيحية في أسعار الأسهم والأصول في السوق السعودية في المستقبل بشكل يقلل الضغوط التضخمية ويحفظ مصالح المستثمرين والمستهلكين في آن واحد.
ويلفت إلى أن السوق تعيش حالة ترقب لما قد تؤول إليه نتائج حملة الاعتقالات، خاصة أن أسبابها الحقيقية لا تزال غير معروفة.
من جهتها، تنقل وكالة رويترز عن حسنين مالك الرئيس العالمي لبحوث الأسهم في الأسواق الناشئة لدى بنك الاستثمار إكسوتكس قوله "هذا آخر تحرك لمركزية السلطة في السعودية".
ويضيف "ربما تكون هذه المركزية أيضا شرطا ضروريا للمضي قدما في خطة التقشف وأجندة التحول، وهي مزايا يأخذها قليل جدا من المستثمرين في الاعتبار".
ويقول أستاذ دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون برنارد هيكل "سيرعب احتجاز رجال أعمال بارزين في البلاد القطاع الخاص، وربما يكون هناك نزوح للأموال أكثر من ذي قبل، ومعظم البيروقراطيين مذعورون الآن، وهو أمر له ما يبرره"، وفق ما أوردته رويترز.
أما رضا آغا كبير الخبراء الاقتصاديين لدى "في تي بي كابيتال" فيقول "ربما يخلق استبعاد أكثر الأجنحة قوة في العائلة المالكة السعودية ومواطنين أقوياء، لهم جميعا أنشطة أعمال كبيرة، ومزيدا من العقبات أمام النمو من خلال الاقتصاد غير النفطي"، حسب رويترز.
وأعلنت السلطات السعودية أنها ستقوم بتجميد الحسابات المصرفية للشخصيات التي أوقفت في المملكة على خلفية قضايا فساد، مؤكدة رفضها أي معاملة تفضيلية.
وقال مركز التواصل الدولي التابع لوزارة الإعلام في بيان أمس إن المبالغ التي يتضح أنها مرتبطة بقضايا فساد ستتم إعادتها إلى الخزينة العامة للدولة السعود