[ تحمل القصيدة المكتشفة توقيع الكاتب والشاعر والمؤرخ الإيطالي جيان ماريو فيليلفو" عام 1475 (الأناضول) ]
اكتشف الأكاديميان فيليز بارين آقمان وبيازيد آقمان قصيدة ملحمية كتبت باللاتينية ترجع لعصر النهضة، تضم ما يقرب من 5 آلاف شطر، كتبها شاعر إيطالي على شرف السلطان العثماني محمد الفاتح (1429-1481).
القصيدة المكتشفة تحمل عنوان "الأمير: حياة وفتوحات الإمبراطور التركي محمد الثاني" (Amyris, de vita et gestis Mahometi Turcorum imperatoris)، وتحمل توقيع الكاتب والشاعر والمؤرخ الإيطالي جيان ماريو فيليلفو عام 1475.
وأكّد آقمان لمراسل الأناضول على أهمية هذا الاكتشاف والقصيدة الملحمية وميزاتها، خاصة وأنها لم تترجم بعد، ولم تخضع لأي مراجعة أكاديمية.
مصادر جديدة
وقال الكاتب الأكاديمي آقمان إنه يعمل، مع زوجته، فيليز، على دراسة التصور الذي كان موجودًا في الغرب تجاه الأتراك والإسلام خلال عصر النهضة الذي استمر تقريبا من القرن 14-17 الميلادي.
وأضاف: كنا نحاول باستمرار العثور على مصادر جديدة تناولت هذا التصور. لقد رأينا في بحثنا عدة إشارات عن وجود هذه القصيدة الملحمية من خلال وجود اقتباسات من هذا العمل، لكننا لم نتمكن من العثور على القصيدة وقتئذ، ولم نصادف دراسات شارحة لتلك القصيدة بشكل كامل.
وأشار أنه تمكن وزوجته فيما بعد من العثور على نسخة من القصيدة مترجمة إلى اللغة الإيطالية، قبل الوصول إلى القصيدة الأصلية المكتوبة باللاتينية في مكتبة جنيف بسويسرا.
وتابع: لفت انتباهنا جودة ترجمة هذه القصيدة إلى الإيطالية. كان ينبغي ترجمتها إلى العديد من اللغات، من بينها التركية، وإجراء دراسات أكاديمية على هذا العمل المهم.
وقال: هل يمكنكم أن تتخيلوا أن إيطاليًا كتبت عملاً مكونًا من 5 آلاف شطر عن السلطان محمد الفاتح في القرن 15، ولم يتم ترجمة هذا العمل إلى أي لغة. لقد بقي هذا العمل كما لو أنه سر مخبأ في بطون المكتبات.
وتابع "لو أن هذا العمل كتب عن إمبراطور مسيحي، وليس عن حاكم مسلم، لكان قد تصدر الملاحم الكلاسيكية مثل إلياذة هوميروس وقصيدة إينيد للشاعر الروماني القديم فيرجيل. لقد اكتفوا بحبس هذا العمل المهم في محفوظات المكتبات الوطنية".
ونوه آقمان إلى أن التأريخ الاستشراقي كان له تأثير كبير في غض الطرف عن هذا العمل وتحويله إلى كتاب يقبع في غياهب النسيان.
حوار الثقافات
وقال: نريد أولاً ترجمة هذا العمل إلى التركية والإنجليزية، وتحليله أكاديميًا. هذا العمل لا يقل أهمية البتة عن لوحة السلطان محمد الفاتح للرسام الإيطالي "جينتيلي بيليني" (1429-1507).
من جهتها، قالت الأكاديمية في جامعة أنقرة، الدكتورة فيليز إن القصيدة الملحمية للشاعر الإيطالي تتكون من 4 فصول.
وحول الدافع من وراء كتابة الشاعر الإيطالي للقصيدة، قالت آقمان: كان ليلو فردوتشي، صهر أحد تجار البندقية المقيمين بمدينة "جناق قلعة" من الذين تم أسرهم عند فتح القسطنطينية (إسطنبول).
تابعت: أرسل التاجر المقيم في جناق قلعة رسالة إلى السلطان يطلب فيها إطلاق قريبه. فوافق دون فدية أو مقابل. وتأثر التاجر الإيطالي ليلو فردوتشي بهذا الموقف المهذب للفاتح، مما دفعه لإضافة اسم عثمان، مؤسس الدولة العثمانية على اسمه، ليتحول اسمه إلى عثمان ليلو فردوتشي.
وأضافت: لقد تم اعتبار هذا الحدث وقتها مؤشرًا على التقارب بين الثقافتين التركية والأوروبية.
وقالت آقمان: طلب فردوتشي من صديقه "جيان ماريو فيليلفو"، أحد أبرز شعراء عصر النهضة بأوروبا والمولود في منطقة "بيرا" (بي أوغلو) في إسطنبول عام 1426، كتابة قصيدة ملحمية عن السلطان محمد الفاتح، واصفًا إنجازاته وفتوحاته وحسن معاملته ودماثة خلقه، كعربون شكر للسلطان لمواقفه الإنسانية.
وختمت فيليز بالإشارة إلى أن الترجمات التركية والإنجليزية للعمل عن الأصل اللاتيني سوف تكون جاهزة في غضون أشهر قليلة، وستعرض بعد إنجازها وتنقيحها على القراء، مصحوبة بشروحات وقراءات أدبية مفصلة وتفسيرات للسياق التاريخي.
السلطان الفاتح
منذ اللحظة الأولى لفتح القسطنطينية "إسطنبول" عام 1453م/ 857هـ، شرع السلطان الشاب محمد الثاني "الفاتح" في تطبيق رؤيته لعاصمته العثمانية الجديدة، ولم يردها مدينة تركية أو إسلامية فحسب، بل حرص على أن تعكس التنوع العرقي والثقافي الهائل لإمبراطوريته الآخذة في التوسع، بحسب تقرير سابق للجزيرة نت.
كان السلطان الفاتح نفسه من عرق مختلط، وكان قريبا لزوجة أبيه الأميرة الصربية مارا ديسبينا برانكوفيتش خاتون التي حكمت بلادها فيما بعد وتحالفت معه، ويذهب بعض المؤرخين إلى أن والدة السلطان الفاتح "خديجة هُما خاتون" صربية الأصل أيضا، ويوحي ذكرها باسم "خاتون بنت عبد الله" لكونها اعتنقت الإسلام إذ كان اسم عبد الله يطلق على المسلمين الجدد.
ومع معرفته باللغات اللاتينية واليونانية، والثقافة الأرثوذكسية، والديانة المسيحية، أحب السلطان أن يرى التنوع في مملكته، ولم يشجع اليونانيين والأرمن على الاستقرار في القسطنطينية بعد فتحها فحسب، وإنما أجبرهم في بعض الأحيان على ذلك، بحسب كتاب المؤرخ البريطاني فيليب مانسل "القسطنطينية.. المدينة التي اشتهاها العالم، 1453-1924".
ويقول مانسل، الذي عمل أستاذا في جامعات بريطانية عديدة وألف كتبا عن تاريخ العثمانيين وفرنسا، إن خليفة السلطان الفاتح بايزيد الثاني سار على درب والده في مراعاة التنوع الديني حتى أنه أرسل السفن لنقل اليهود إلى عاصمته من الأندلس التي طردوا منها نهاية القرن 15 وأسبغ عليهم حمايته من الهجمات المسيحية التي تستهدفهم، وهكذا لم تكن كلمات من قبيل مذبحة، وغيتو "منطقة معزولة" ومحاكم التفتيش، لها أي معنى في القسطنطينية العثمانية بحسب المؤرخ البريطاني.
وبدلاً من فرض التوحيد على الجميع، كان العثمانيون يفخرون بحقيقة أن إمبراطوريتهم وفرت المأوى لعشرات الشعوب والأعراق والأجناس، واستفادوا من مواهبهم المتنوعة.
ويستشهد المؤرخ البريطاني بحالة معمار سنان، المهندس المعماري المسيحي الأصل الذي بنى أعظم روائع العثمانيين المعمارية.