[ أدوار التراجيديا كشفت عن مواهب عادل إمام التمثيلية التي اختفت في الكوميديا (مواقع التواصل) ]
أن يُقدم نجم كوميدي على أخذ جمهوره في انعطافة مفاجئة بستة أفلام تراجيدية وفيلم رعب، فهذا غير مستغرب من ممثل بثقل وتاريخ عادل إمام، ومع ذلك لم يشفع أداؤه المتميز في التراجيديا للإفلات من أسر الكوميديا الذي وضعه فيه الجمهور، لتظل الأخيرة كلمة السر بين النجم الكبير وجمهوره الذي يعمل له "الزعيم" ألف حساب، وقال "منذ اللحظة التي صرتُ فيها سيد أعمالي، صار أول ما يهمني هو إيراد شباك التذاكر، فأول شيء أحب أن أطمئن إليه هو إقبال الجمهور".
على مدى 46 عاما قدم فيها عادل إمام قرابة 125 فيلما، لم يغير جلده الكوميدي إلا ثمانية أفلام بدأها عام 1979 في أوج شراسة المنافسة بين نجوم تلك الفترة، بفيلم "إحنا بتوع الأوتوبيس"، حيث "ذهب البعض للبحث عن أفكار جديدة لتغيير نوعية أدوارهم حتى يصمدوا أمام مخرجي سينما الثمانينيات الذين كان لديهم أسلوب جديد وأفكار مختلفة عما كان سائدا من قبل، وهنا حاول عادل إمام أن يصنع معادلته الخاصة من خلال تقديم القيمة دون أن يفقد شباك التذاكر، فلجأ إلى التنويع في أدواره بذكاء شديد". وكانت أولى تجاربه الدرامية في الأفلام التالية:
"إحنا بتوع الأتوبيس"
تجربة تراجيدية فريدة خاضها عادل إمام مع النجم عبد المنعم مدبولي عام 1979، ولم يكن متوقعا أن يشارك نجم الكوميديا الصاعد في فيلم يناقش الحقبة الناصرية، لرجلين اتهما ظلما في قضية سياسية، ومن ثم يتعرضان للتعذيب في المعتقل. الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية من كتاب "حوار خلف الأسوار" للكاتب جمال الدين الحمامصي، وأثار ضجة في الأوساط السياسية والفنية باحتوائه على 20 مشهد تعذيب حدثت في المعتقلات.
أمهات في المنفى
سيناريو هذا الفيلم كتبه يوسف جوهر لمخرج الواقعية الجديدة محمد راضي عام 1981، واعتمد لغة الرمز في مواجهة اشتداد موجة المادية وتوحش الفساد، "وكان بمثابة بالون اختبار للجماهير التي انتظرت المتعة والإضحاك بشغف"، لتجد نفسها أمام موظف الجمرك (حسونة) الذي يقاوم إغراءات الرشوة، ويفشل في الهروب من ضغوط "شاهين" وغواية "مايسة" وينزلق في الوحل حتى يستيقظ ضميره إثر انتحار زميله البريء "كمال"، فيهدم المعبد على رؤوس الجميع.
لذا بدا عادل إمام وكأنه يريد أن يمنع الضحك لفترة، ليقول كلمته في قضايا تؤرقه ولم تعد الكوميديا الساخرة وحدها كافية لإيضاح موقفه منها.
المشبوه
في السنة نفسها، قدم عادل إمام فيلم "المشبوه"، في نقلة رآها الكثيرون موفقة للغاية وكشفت عن مواهبه التمثيلية التي اختفت في الكوميديا.
كتب سيناريو الفيلم إبراهيم الموجي وأخرجه سمير سيف، وقدم فيه عادل شخصية اللص التائب (ماهر) الذي يواجه مصيره هو وزوجته (بطة) بين ضابط المباحث (طارق) ورفقاء سنوات النشل، وهي تيمة ليست بعيدة عن تيمة "أمهات في المنفى" مع فارق الشكل: صحوة ضمير تواجه ألف فخ نصبت في كل ركن من المجتمع. وقوبل "المشبوه" من الجمهور بتفهم أكبر لمفرداته البسيطة ومشاهد الأكشن التي تخللته.
أما عام 1983 فأخذنا عادل إمام في جولة بين الإنسانية والغضب، والرومانسية والعنف، فقدم "الحريف" و"الغول" و"حب في الزنزانة".
الحريف
كتبه وأخرجه محمد خان ضمن موجة الواقعية الجديدة، ويكفي مشهد واحد يجمع بين عادل إمام (فارس) وجاره نجاح الموجي (عبد الله)، ليضعك في قلب القصة، حيث يتسمر عبد الله في مكانه وعلى وجهه تعبيرات جمع فيها حزن العالم حتى يعود إليه فارس ويربت على كتفه بأسى. كل ما كان يحلم به عبد الله هو دفعة من أي أحد، كتلك التي دفع بها هو وصديقه السيارة فأعادت إليها الروح، لكنه تذكر أن أحدا لن يفعل فانسابت دموعه في صمت. أما فارس فهو مثل الملايين ممن يجوبون الشوارع دون أن يصلوا إلى شيء.
لم يحقق الفيلم نجاحا إبان عرضه، وكان سببا في خلاف نشب بين إمام وخان، لتمر الأيام ويأتي جيل جديد بذائقة جديدة ووعي مختلف فيضع "الحريف" في مرتبة الأيقونات السينمائية.
الغول
يدهشنا عادل إمام عام 1983 بأدائه في فيلم "الغول" من سيناريو وحيد حامد وإخراج سمير سيف، عبر شخصية الصحفي عادل عيسى الذي يخوض محاولة يائسة للخلاص من غول الجشع والفساد والاستهتار بأرواح الناس، الذي يجسده فريد شوقي (الكاشف)، وبعد انسداد كل السبل أمامه يقرر أن ينهي المسألة التي تؤرق ضميره بضربة ساطور على رأس الفساد.
ثم ينقلنا نقلة أخرى في نفس العام، دون أن يبتعد عن تيمة الصراع بين الطبقة المسحوقة وغول الفساد والإثراء الفاحش، ولكن بمسحة رومانسية هذه المرة عبر قصة حب بين السجين (صلاح) والسجينة (فايزة) في فيلم "حب في الزنزانة"، من بطولة سعاد حسني وعادل إمام ويحيى الفخراني ومن تأليف وإخراج محمد فاضل.
أما في فيلم "حتى لا يطير الدخان" فيسلط الضوء على أمراض تفشت في المجتمع وصراع طبقات يسحق أحلام أبناء الطبقة الفقيرة، وذلك من خلال شخصية "فهمي" الذي يجد في الحقد والانتقام ملاذا لتنفيس غضبه ولو بسلوك سبل إجرامية تودي به في النهاية. الفيلم من بطولة سهير رمزي وأحمد راتب وسناء شافع، وأخرجه أحمد يحيى عن قصة إحسان عبد القدوس عام 1984.
وختم عادل إمام هذه التجربة الدرامية بواحد من أشهر أفلام الرعب في السينما المصرية وهو فيلم "الإنس والجن" الذي تناول الصراع بين العلم والخرافة، وهو من بطولة يسرا وعزت العلايلي، وسيناريو محمد عثمان، وأخرجه محمد راضي عام 1985.
لكن هذه الأعمال الدرامية شهدت تراجعا ولم تلق الهوس الشعبي المعتاد، لأن جمهور عادل إمام لم يكن يريد إجابات على أسئلة فلسفية أو وجودية، أو يبحث عن مفهوم واضح لتناقض الإنسان حول ذاتيته وحريته، بل كان يسعى للضحك والمتعة والتسلية للخروج من أزمات الحياة ولو مؤقتا، فكان لا بد من العودة بالفن كأداة لتبسيط الحياة دون الدخول في مصطلحات وتفسيرات معقدة.