اعتبر المؤرخ التونسي عبد اللطيف الحناشي أن عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها الفصائل الفلسطينية داخل المستوطنات الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أعطى وهجا جديدا للقضية الفلسطينية.
وقال الحناشي في مقابلة مع الأناضول، إن "عملية طوفان الأقصى من حيث نوعيتها والإنجازات التي حققتها برغم عدد الشهداء والجرحى والتدمير الشاسع الذي استهدف كل غزة تقريبا تركت الشعوب أولا وكذلك بعض الدول الغربية أو العربية تتخذ مواقف يمكن أن نقول إنها مشرفة".
وأضاف: "نقول ذلك لأن الحدث في حد ذاته هو الذي أعطى للقضية الفلسطينية وهجا جديدا بعد نحو عقد من وضع القضية في الثلاجة".
وتابع: "هذه العملية (طوفان الأقصى) لم تكتف بإعادة القضية الفلسطينية للواجهة وإنما ربما ستساهم في تغيير كثير من القضايا ذات الطابع السياسي بل حتى الجغراسياسي".
وأردف: "وربما تؤدي كذلك إلى تجذّر المواقف من الفكر الصهيوني وكذلك الكيان الصهيوني ليس لدى الأجيال العربية الشابة فحسب، بل أيضا لدى الشعوب والشباب في أوروبا الذي يتابع الأمر بدقة وأسف وألم".
ورأى الحناشي أن "قطاعا واسعا من الشباب الأوروبي وكذلك جزء من النخب استفاقت على ويلات ما يجري في غزة من إبادة جماعية لم يعرف التاريخ مثيلا لها".
ضعف الموقف العربي الرسمي
وعن ضعف الموقف العربي تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قال الحناشي إن "المتابع الدقيق للشأن السياسي في المنطقة - وخاصة بالنسبة للإقليم والعالم العربي - لا يمكن أن يستغرب مواقف أغلب أو كل الأنظمة العربية سواء تلك التي على حدود فلسطين أو حتى البعيدة عنها".
ويرى المؤرخ التونسي أن ذلك الضعف تحكمه عوامل عدة، منها تورّط الأنظمة العربية وخاصة المطبعة باتفاقيات مع إسرائيل، موضحا بالقول: "نفهم أن هذه الدول لها ارتباطات سياسية ودبلوماسية ليس مع الكيان (إسرائيل) فقط بل مع حلفاء الكيان".
التعاطي العربي مع معبر رفح "إيجابي"
إلا أن الحناشي يعتبر تعامل مصر مع قضية فتح معبر رفح إيجابيا، بالقول: "مسألة فتح معبر رفح مرتبطة بقضية جوهرية ليس فقط خوفا من ردود فعل الصهيونية بل ذلك الخوف من زحف أجزاء من سكان غزة رغم صمودهم ونضالهم في نوع من الهجرة، فالهدف الصهيوني هو حدوث نكبة في 2023 كما حدث عام 1948 ترحيل سكان غزة الى مصر والى الأردن".
الغرب ملتزم "بحماية" إسرائيل
وحول المواقف الغربية مما يحدث في غزّة قال: "يجب الإشارة إلى أنّ هبة الجماهير في بلدان أوروبا الغربية هي التي ساعدت على تغيير مواقف أغلب الدول مما يجري وخاصة لدى فرنسا وألمانيا وحتى إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا مهم جدا".
واستدرك قائلا: "لكن عندما نرجع إلى مواقف الدول الغربية الرسمية نرى أنها ملتزمة، أولا بوجود هذا الكيان وهو الدولة الثانية في العالم التي تمّ الاعتراف بها من الأمم المتحدة".
وثانيا يتابع الحناشي: "الدول الغربية لا تعتبر المقاومة في فلسطين وخاصة بقطاع غزة وحتى بالضفة الغربية مقاومة للاحتلال، بل نوعا من الإرهاب ضد سلطة شرعية".
وأشار إلى أنه "في العمق التاريخي تعتبر الدول الغربية أن اليهود ومنذ القرن الثامن عشر يمثلون عبئا على المجتمعات الغربية اجتماعيا واقتصادية يجب التخلص منه".
المشروع الصهيوني: مشروع استعماري إحلالي
ولفت المؤرخ التونسي إلى أن "الرؤية الغربية العميقة للعبء اليهودي عليها وتحالف الحركة الصهيونية في البداية مع بريطانيا ثم مع الولايات المتحدة ثم مع بقية الدول الغربية هو الذي ساعد على إقامة هذه الدولة".
ويخلص إلى أن "عمق هذا المشروع ليس صهيونيا بل صهيونيا إمبرياليا استعماريا، وما يفرق بين المشروعين هو أن الصهيوني مشروع استعماري إحلالي وليس استيطاني كما كان الأمر مع تونس والمغرب أو غيرها وحتى في جنوب إفريقيا كان نظاما عنصريا الأبارتهايد".
وأضاف موضحا: "بمعنى أن الذين هاجروا لجنوب إفريقيا لم يطردوا السكان الأصليين كما حدث في أمريكا عندما تم قتل وذبح الهنود الحمر".
المفكرون الغرب وعقدة "الهولوكوست"
وحول علاقة موقف المفكرين الغرب مثل يورغن هابرماس (ألماني) وإدغار موران (فرنسي) في مساندة الحرب على غزة، بعقدة الهولوكوست والمركزية الغربية قال الحناشي: "هذه العقدة ليست جديدة ولا ترجع فقط لحادثة ما يعرف المحرقة، بل قبل ذلك بكثير أي منذ بداية الثورة الفرنسية (1789) ودور اليهود في ذلك ومعروفة حكاية الضابط اليهودي درايفوس (1894) وكيف انتفضت النخبة الفكرية للتضامن معه على أساس اللاسامية".
وأضاف: "هذا يعكس استغلالا أو عدم فهم لمسالة السامية، ودائما أشك في مواقف هؤلاء المفكرين الذين استفدنا منهم في مجالات متعددة كثيرة، ولكن عندما يصلون لمسألة الكيان الصهيوني يتغير موقفهم وأفضل ما يمكن أن يعبروا عنه هو إيجاد حل سلمي ولكن لا يمكن الضرر بالكيان الصهيوني".
الموقف الشعبي الغربي .. تحولات جنينية
وحول هل أن الرأي العام الغربي يشهد تحولات تجاه إنصاف القضية الفلسطينية قال: "ما يحدث الآن عرّى طبيعة الصهيونية ونظامها العنصري الإحلالي الاستعماري، وهي نقطة أساسية بينت بربرية هذا الكيان، واستحضر كثير من الناس المجازر التي ارتكبت منذ 1948 والناس في أوروبا بدأت تحاول أن تفهم ما حدث في التاريخ وكيف حدث".
وأضاف الحناشي: "ما حصل هو أن الناس في الغرب بدؤوا يتلمسون إرهابية هذه الدولة (إسرائيل) وعدم مصداقيتها، وهذا مدخل مهم جدا لأن وسائل الإعلام الغربية أغلبيتها مسيطر عليها من قبل الصهاينة، وهناك دور مهم جدا لعبته عديد وسائل الإعلام العربية سواء باللغة العربية أو بالإنجليزية أو غيرها".
وتابع: "الآن في الذاكرة يرى الناس بالصورة والصوت ماذا فعل هؤلاء الذين يدعون الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان".
"أما أن تتحول الفكرة لديهم على أساس أنها (المقاومة) حركة وطنية، فهذا أمر يتطلب وقتا ولكن الفكرة بدأت تتغلغل أن هناك شعب فلسطيني يتعرض للتجاوزات يوميا في الضفة وغيرها"، يقول المؤرخ عبد اللطيف الحناشي.
العرب لا يرفضون السلام
وقال الحناشي "يجب الإقرار أن العرب بشكل عام لا يرفضون السلام ووافقوا على قرار 242 و833 الأممييْن، ووافقوا في بيروت سنة 2002 على مسألة حل الدولتين".
وتابع: "وملك السعودية (الراحل عبد الله الثاني) طرح مشروعا كاملا ينصّ على أن العرب ملتزمون بالقرارات الأممية وتقسيم الدولتين على أساس حدود 1967 والقدس عاصمة للدول الفلسطينية".