بعد فشل إسرائيل في إقناع العالم بروايتها بشأن اقتحام مستشفى الشفاء في شمال قطاع غزة وعدم العثور على الأسرى أو أي من قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس، يفكر قادة الجيش في مغامرة جديدة وهي دخول محافظات جنوب قطاع غزة؛ من أجل نفس الهدف، في ظل تراجع الدعم العالمي لهم والمطالبة بوقف إطلاق النار.
ومنذ عدة أيام تحاصر الدبابات الإسرائيلية مجمع الشفاء الطبي وتزعم بأن غرفة عمليات تابعة للقسام أسفل المستشفى، لكن حتى الآن لم يتم العثور على ما يؤكد المزاعم الإسرائيلية بل بالعكس تحول الأمر إلى انتقادات كبيرة لقادة جيش الاحتلال من الداخل الإسرائيلي.
وبالعودة للمغامرة الجديدة التي يريد قادة جيش الاحتلال القيام بها في جنوب القطاع فإن العديد من التحديات التي تلوح في الأفق أمامهم من أجل تحقيقها بحسب تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
إذ إن الصبر الدولي على الغزو المُطوّل قد بدأ يتآكل. فضلاً عن وجود نحو مليوني نازح من مدنيي غزة في الملاجئ المكتظة بالجنوب، مما يعني أن أي عملية عسكرية مُوسّعة قد تُطلق العنان لكارثة إنسانية جديدة خلال فصل الشتاء المطير البارد.
وإليكم نظرةً أقرب على ما يُمكن أن تحمله الأسابيع المقبلة:
مرحلتان
ومنذ عملية طوفان الأقصى فقد حددت إسرائيل هدفين لنفسها: إعادة جميع الرهائن، وتدمير قدرات حركة حماس على المستويين السياسي والعسكري، لكن حتى الآن لم تستطِع القوة العسكرية الإسرائيلية تحقيق أي من هذه الأهداف.
ففي المرحلة الأولى، شنّت إسرائيل سلسلةً من الغارات العنيفة بطول غزة، مُستهدفةً ما قالت إنها منشآت حماس العسكرية التي تقع العديد منها في أحياء سكنية. ثم أطلقت المرحلة الثانية قبل نحو ثلاثة أسابيع، وذلك من خلال عملية برية استهدفت تدمير قدرات حماس العسكرية في شمالي غزة، وهذا يشمل شبكة أنفاق تحت الأرض تستخدمها حماس لنقل الإمدادات والمقاتلين.
وانصب التركيز الرئيسي على مدينة غزة المزدحمة بالسكان، حيث تقول إسرائيل إن أهم الأصول العسكرية لحماس تقع هناك. وبعد السيطرة على مواقع مثل مبنى البرلمان السابق ومقر الشرطة ومخيم الشاطئ للاجئين بالقرب من مدينة غزة، اقتحم الجنود مستشفى الشفاء في وقتٍ مبكر من صباح الأربعاء.
ويُعَدُّ مستشفى الشفاء أكبر مستشفيات غزة وأكثرها أهمية، وكان يُعالج مئات المرضى المصابين بحالات خطيرة في وقت الاقتحام، وبينهم نحو ثلاثين طفلاً من المبتسرين. ورفضت إسرائيل التحذيرات الفلسطينية بأن الاقتحام يهدد حياة المرضى. إذ زعمت إسرائيل أن حماس تُخفي مراكز القيادة المهمة داخل المستشفى. وفي يوم الأربعاء، 15 نوفمبر/تشرين الثاني، كشفت إسرائيل الغطاء عما تقول إنها مجموعة أسلحة ومعدات عسكرية عثرت عليها، لكنها لم تقدم أي أدلة على وجود مخابئ تحت الأرض أو مراكز قيادة متطورة، الأمر الذي وصف بمهزلة الأدلة.
وأعرب قادة إسرائيل عن رضاهم عن وتيرة تقدم العملية حتى الآن، لكن ذلك التقدم يأتي بتكلفة باهظة؛ إذ لا يمر يوم إلا وتعترف إسرائيل بوقع قتلى في صفوف جيش الاحتلال، في الوقت الذي تنشر فيه فصائل المقاومة معلومات وبيانات أكثر تفصيلاً عن الخسائر المادية أيضاً والتي وصلت إلى أكثر من 160 آلية عسكرية إسرائيلية منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
لماذا الجنوب؟
رفض قادة الاحتلال المخاوف والتحذيرات الدولية بشأن ارتفاع حصيلة الشهداء وتدهور الوضع الإنساني في غزة. وقد تعهّدوا بالمضي قُدُماً حتى تحقيق أهدافهم ومنها القضاء على المقاومة في غزة.
وهذا يعني أن إسرائيل ستتوغل نحو جنوب غزة، حيث يُعتقد أن البنية التحتية العسكرية لحماس لا تزال سليمة، بما في ذلك آلاف المقاتلين الموجودين في شبكة الأنفاق تحت الأرض. ويشتبه المسؤولون في أن كبار قادة حماس متواجدون في تلك المنطقة أيضاً.
إذ قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للقوات الإسرائيلية على حدود غزة يوم الأربعاء: "ليس هناك مكان لن نصل إليه في غزة. ولن يكون هناك مخبأ أو مأوى أو ملاذ لقتلة حماس".
في ما قال أمير أفيفي، الجنرال المتقاعد ونائب قائد فرقة غزة في الجيش سابقاً، إن إلغاء العملية الآن ليس خياراً مطروحاً.
وأوضح أفيفي: "لا يمكنك تدمير حماس فعلياً دون السيطرة على كامل قطاع غزة. ليس هذا ممكناً".
تحديات أمام إسرائيل
يُمثل التقدم نحو جنوب غزة العديد من التحديات بالنسبة لإسرائيل.
حيث يتكدّس غالبية سكان غزة الآن داخل الملاجئ العامة أو المنازل الخاصة، بينما تتمركز حماس في الأحياء السكنية، مما يعني أن قتال الشوارع العنيف في الجنوب سيؤدي لسقوط الكثير من الضحايا المدنيين على الأرجح.
وأيضاً سيتسبب في مقتل العديد من الجنود الإسرائيلين نظراً لوجد هذا التكدس في الوقت الذي كانت تريد إسرائيل ترحيل سكان القطاع إلى شبه جزيرة سيناء، لكن الموقف المصري كان حازماً ورفض هذه الفكرة على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي.
أيضاً المجتمع الدولي أعرب عن مخاوفه المتزايدة حيال حصيلة وفيات المدنيين. ولم تطلب الولايات المتحدة من إسرائيل إنهاء الحرب سريعاً، لكنها حذرت الإسرائيليين من أن الانتقادات الدولية ستتزايد مع استطالة أمد الحرب.
في ما قال أفيفي إنه بإمكان العديد من النازحين الفلسطينيين الانتقال إلى "المنطقة الإنسانية" التي تحاول إسرائيل تشييدها في جنوب غرب غزة، في الوقت الذي ترفض الأمم المتحدة أيضاً هذا المقترح.
علاوةً على أن المنطقة الإنسانية المُقترحة، التي تُدعى "المواصي"، هي منطقة صغيرة وغير مُطوَّرة ولا تحتوي على البنية التحتية اللازمة لدعم مئات الآلاف من الناس.
وسيؤدي بناء مخيم إلى إحياء ذكريات أكبر صدمات الفلسطينيين. ونتحدث هنا عن النكبة التي شهدت فرار مئات الآلاف من الفلسطينيين أو طردهم من منازلهم، وذلك خلال الحرب التي شهدت إنشاء دولة إسرائيل عام 1948.
بينما قال جيورا إيلاند، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد ورئيس مجلس الأمن القومي السابق، إن الضغط الدولي لن يكون له تأثير كبير رغم تصريحات منافية قالها رئيس الأركان والذي حدد أن أمام إسرائيل فقط أسبوعين من أجل إنهاء الحرب.