"قرنقعوة قرقاعوة، أعطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم (يرسلكم إليه)، يا مكة يالمعمورة.. يا أم السلاسل والذهب يا نورة".. بهذه الأهازيج الشعبية، يحيي أطفال قطر، بشكل خاص والخليج عامة ليلة النصف من رمضان أو كما يسمونها ليلة "القرنقعوة" أو "القرقاعون"، أو "القرنقشوه".
ولا يقتصر الأمر على الأهازيج الشعبية في هذه الليلة، ولكن الأطفال يرتدون أيضاً ملابس تراثية، ويتجولون في الأحياء القريبة منهم، حاملين أكياس من القماش، يجمعون فيها الحلوى والألعاب الصغيرة، ليس لحاجتهم إليها، وإنما لإحياء تراث شعبي خليجي، مر عليه عشرات السنين وما زال صامداً حتى اليوم.
وبحسب المهتمين بالتراث الخليجي، فإن فلسفة هذه الاحتفالية تقوم على حرص العائلات على تكريم أطفالهم في تلك الليلة عبر احتفالية بسيطة، كنوع من المكافأة على صيامهم نصف رمضان، ولتشجيعهم على الاستمرار في صيام النصف المتبقي من الشهر.
ورغم أن "القرنقعوة" عادة قديمة إلا أن القطريين بشكل خاص، والخليجيين بشكل عام، بدأوا يطورون في طريقة إحيائها، فلم يعد الأمر يقتصر على المجهودات الفردية لبعض الأطفال أو العائلات في إحيائها، ولكن بدأت الكثير من المؤسسات الحكومية في تنظيم احتفالات بتلك المناسبة.
وفي قطر تحديداً، ذهب بعض المهتمين بالتراث الخليجي، إلى أن سبب تسمية تلك الاحتفالية في هذه الليلة بـ"القرنقعوة"، هو نسبها إلى "قرة العين (الأطفال) في هذا الشهر"، فيما ذهب آخرون إلى أنه بمرور الزمان تحورت الكلمة وأصبحت "القرنقعوة"، ويقال إنها كناية عن قرع الأطفال للأبواب.
ويرى عدد من القطريين الذين تحدث معهم مراسل الأناضول، أن هذه العادة تتجلى فيها استعادة أبرز ملامح التراث الشعبي القطري، الذي يعمل على توثيق العلاقات الاجتماعية وتوطيد التكافل بين الأهل والجيران، ويبث روح المودة والمحبة بينهم، ويدخل الفرح والسرور على قلوبهم.
ويرتدي الأطفال في هذه الليلة الملابس التقليدية ذات الطابع القطري، يرتدي الأطفال الذكور الثياب البيضاء الجديدة، ويلبسون "القحفية"، وهي طاقية مطرزة عادة بخيوط فضية، كما يرتدي بعض الأولاد "الصديري" (يغطي منطقة الصدر والبطن والظهر) الخليجي.
أما الفتيات فيرتدين فوق ملابسهن العادية "الثوب الزري"، وهو ثوب يشع بالألوان، مطرز بالخيوط الذهبية، ويضعن أيضاً "البخنق" لتغطية رؤوسهن، وهو قماش أسود تزينه أيضاً خيوط ذهبية في الأطراف، إلى جانب وضع بعض الحلي التقليدي.
ويطلق القطريون على الأكياس التي يحملها الأطفال عادة في هذه الليلة "الخريطة" وهي تصنع عادة من القماش أو الجلد في بعض المناطق.
وتستعد الأسر قبيل ليلة النصف من رمضان بتحضير سلال كبيرة تسمى باللهجة القطرية "الجفران"، وتكون ممتلئة بالمكسرات، وهي البيذان، والفستق، والكاجو، والزبيب، واللوز، والجوز، وعين الجمل، وأصابع الحلوى.
الحكومة والمؤسسات المجتمعة القطرية، من جانبها، حولت ليلة "القرنقعوة" تلك العادة التراثية البسيطة إلى مهرجان كبير في كل مكان؛ تقوم من خلاله بإدخال البهجة والسرور على الأطفال، بالإضافة إلى استغلالها لتوعية الأطفال حسب تخصص كل مؤسسة.
كما تقام نشاطات وفعاليات توعوية وترفيهية في أرجاء الدوحة من مراكز التسوق والميادين القديمة كسوق واقف وحديقة أسباير وحي كتارا الثقافي، والتي ما يغلب عليها الطابع القطري والخليجي حيث تعكس التراث القطري مثل جلسات لسرد القصص التراثية، وممارسة الألعاب التقليدية القطرية كالقيس والدحروي والطاق طاقية، إلى جانب أنشطة زخرفة الحناء والرسم على الوجوه.
وبحسب مسؤولين قطريين، تهدف المؤسسات القطرية من خلال الاحتفال بهذه الليلة لإحياء الموروث الشعبي، وتعريف الأطفال بالعادات والتقاليد الرمضانية الشعبية، وإبراز التراث القطري لممارسة جميع العادات القديمة، وإلى تدريب الأطفال والناشئة على اكتساب مهارات شعبية قديمة، وكذلك تعريف أفراد المجتمع بماضي هذه الاحتفالية وقيمتها لدى المجتمع القطري.
وبعيدا عن قطر، يتم الاحتفال بتلك الليلة في مختلف دول الخليج وتأخذ أسماء تختلف من دولة لأخرى، فجانب "القرنقعوة" في قطر، يطلق عليها في البحرين "القرقاعون"، وفي سلطنة عمان "القرنقشوة"، وتسمى في الكويت والجانب الشرقي من السعودية "القرقيعان"، أما في دولة الإمارات العربية المتحدة فتسمى "حق الليلة".