أدان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استخدام قوات الأمن التونسي القوة المفرطة، والاعتداء على صحفيين خلال قمعها تظاهرات سلمية يوم أمس الجمعة، مشيرًا إلى أن استمرار السلطات في تونس في قمع المعارضين والصحفيين سيعيد البلاد إلى الدولة البوليسية.
وأشار الأورومتوسطي في بيانٍ له اليوم السبت، إلى أنه وبُعيد الإعلان عن التظاهرات لإحياء الذكرى الـ11 للإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين، أعلنت الحكومة التونسية يوم الأربعاء 12 يناير/كانون الثاني فرض حظر تجوال ليلي ومنع جميع التجمعات لمدة أسبوعين اعتبارًا من يوم الخميس 13 يناير/كانون الثاني، بذريعة مواجهة الانتشار السريع لفيروس كورونا، وهو الأمر الذي أثار شكوكًا بأن القرار جاء لوقف التظاهرات التي دعا إليها معارضون للإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي، واستحوذ بموجبها على السلطات المختلفة وألغى البرلمان.
وشارك الآلاف في التظاهرات السلمية يوم أمس الجمعة، حيث قررت القوى الداعية للتظاهرات المضي فيها رغم قرار حظر التجمعات؛ بعد أن عدت أنه جاء بالأساس لمنعها من تنظيمها. وتوافد المحتجون إلى شارع محمد الخامس، ورفعوا شعارات تطالب بإسقاط ما وصفوه بالانقلاب وإنهاء العمل بالإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس سعيد، قبل أن تتدخل قوات الأمن التونسية لتفريق المتظاهرين مستخدمة خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيل للدموع.
وقال الأورومتوسطي إن قوات الأمن اعتقلت عددًا من المشاركين في التظاهرات، بينهم محامون وشخصيات بارزة، بعد الاعتداء عليهم بالضرب ونقلهم بعربات عسكرية إلى أماكن مجهولة، قبل أن يجري لاحقًا الإفراج عن بعضهم. وقد اعتدت قوات الأمن على صحفيين كانوا في الميدان، في محاولة ـ فيما يبدو ـ لمنع تناقل مشاهد العنف التي استُخدمت في فض التجمعات.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنه تم توثيق اعتداء الأمن التونسي بعنف شديد على مراسل صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في تونس، "ماتيو غالتيير"، حين كان يصور اعتداءً عنيفًا على أحد المتظاهرين. واحتجزت مجموعة من العناصر الأمنية "غالتيير"، وشرعوا بالاعتداء العنيف عليه بالعديد من اللَّطمات والرَّكلات في أنحاء جسده، ورشقوا الغاز على وجهه رغم تعريفه بنفسه بالعربيَّة والفرنسيَّة. وانتزعت العناصر الأمنية هاتفه المحمول واستولت على بطاقة الذَّاكرة الَّتي تحوي صورًا ومقاطع مصورة التقطها واقتادته إلى أحد مراكز الشرطة.
وتسبب الاعتداء على الصحفي الفرنسي في إصابته بجرح بطول 10 سنتيمترات على الجبين، وبدت آثار كدمات زرقاء في يده اليُمنى، فيما أصيب كذلك بكدمات عديدة في الظهر والصدر والبطن، وعانى انتفاخًا في القدم اليسرى. ونقلت الصحيفة التي يعمل لديها عنه قوله: "بدأوا بضربي، كنت ملقًى على الأرض.. كنت أصرخ أنا صحافي. أحدهم صدمني بالغاز.. ركلوني وأخذوا هاتفي وبطاقتي الصحفية".
وأوقف الأمن التونسي عددًا آخر من الصحفيين وصادر المواد المصورة التي التقطوها واعتقل بعضهم. وأفادت صحيفة "حقائق أونلاين" في تونس بأن أفرادا من الشرطة صادروا هاتف مراسلتهم واطلعوا على رسائلها وصورها الخاصة بعد أن كانت تمارس عملها بتصوير الاحتجاجات. واعتقل أفراد الأمن مصورا صحفيا من صحيفة "بيزنس نيوز" قبل الإفراج عنه.
وطالب الأورومتوسطي بالإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية الاحتجاج السلمي، وحث السلطات التونسية على فتح تحقيق في حوادث الاعتداء والقمع التي تعرض لها المتظاهرون والصحفيون.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن ما حدث يمثل انتهاكًا للحق في التجمع السلمي الذي كفلته القوانين التونسية ومواثيق حقوق الإنسان ذات العلاقة، مؤكدًا على أن قرار الحظر بدعوى الحد من انتشار فيروس كورونا لا يبرر القمع؛ لا سيما في ظل شكوك حول كونه أُصدر لمنع التظاهرات المعارضة؛ نظرًا لسماح السلطات التونسية بتظاهرات مؤيدة لإجراءات سعيّد في ذروة انتشار الفيروس في البلاد في أوقات سابقة.
وعبر الأورومتوسطي عن قلقه من استمرار حالة التدهور في أوضاع حقوق الإنسان في تونس منذ إجراءات الرئيس التونسي، وقد تكررت عمليات الاعتقال التعسفي وتقييد الحريات العامة والصحافية ومحاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، ومحاكمة أشخاص على خلفية حرية الرأي والتعبير، وهو أمر يعيد البلاد إلى الدولة البوليسية والحكم الشمولي.