اتّهم رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي، أحزاباً تونسية بــممارسة “البيزنس السياسي”، ردّاً على اتهامات بعض الأحزاب لحركة النهضة بــممارسة “الإرهاب”.
وتحدّث راشد الغنوشي في مقابلة مع صحيفة “هافنغتون بوست عربي” عن اتجاه الحركة نحو “فصل السياسي عن الدعوي” خلال المؤتمر العاشر الذي سينظم في الفترة ما بين 20 و 22 أبريل 2016.
وهو إلى جانب ذلك، يتحدث عن علاقته بمصر، والإمارات وتركيا، وحول تصنيف حزب الله “منظمة إرهابية”.
بين السياسي والدعوي
وحول فصل حركة النهضة الجانب السياسي عن الجانب الدعوي، في المؤتمر القادم، ما يبعدها عن الإخوان المسلمين، أكد الغنوشي أنّ: “النهضة حزب سياسي مدني ديمقراطي. نشأت كتيار مجتمعي وردّة فعل على سياسة الدولة التي تبنّت نظام الحزب الواحد، وعملت على تهميش الهوية العربية الإسلامية منذ فجر الاستقلال. وكردّة فعل على نظام شمولي، برزت هذه الظاهرة المجتمعية شاملة أبعاداً مختلفة، خاصة الأبعاد الدعوية والثقافية والمجتمعية، ثم تطورت بعد فترة التأسيس الأولى في بداية السبعينات لتشمل البعد السياسي.”.
وأضاف: “هذه الظاهرة لم يُترك لها المجال والحرية لتتطور تطوراً طبيعياً، بل وُوجهت بقمع شديد من قبل الدولة. الحرية التي كانت مفقودة وفرتها لنا الثورة، ما أتاح لنا الفرصة لاستئناف مسار التطور العادي للظواهر أو التيارات المجتمعية.”، مشيراً بالقول: “نحن نرى أنّ مسألة الهُوية والصراع أو الخلاف حولها قد حُسم بإقرار الدستور التونسي بداية 2014، الذي حظي بتأييد 94% من البرلمان. هذا الدستور حدد الأرضية التي يتوافق حولها الشعب التونسي بكافة تياراته، وحدد طبيعة النظام السياسي الذي نريده. وقد حدد الدستور التونسي في بنده الأول، وهو بند غير قابل للمراجعة، أن تونس دولة حرة مستقلة، لغتها العربية ودينها الإسلام.”، مضيفاً “أصبح هناك إجماع وطني حول موضوع الهُوية، ولا يبقى للأحزاب إلا أن تتنافس في إطار البرامج العملية وليس في إطار الصراع حول الهوية. كما حدد أيضاً الدستور التونسي الذي كنا من أكبر صانعيه، أن الشأن الديني هو شأن عام تؤطره الدولة والمجتمع المدني، ومنع الدستور الجمع بين المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الدينية أو في المجتمع المدني، وبالتالي تخصصنا في الجانب السياسي هو التزام بالدستور الذي وضعناه.”.
وأكد الغنوشي أنّ حركة النهضة “ستبقى في رأينا حزباً مدنياً يستمدّ مرجعيته من قراءة تعتبر أن الإسلام والديمقراطية متوافقان، فنحن نعتبر أنفسنا ضمن تيار الإسلام الديمقراطي، وهذا ليس بدعة في العالم الديمقراطي، حيث نجد أحزاباً ديمقراطية عريقة تستمد إلهامها ومرجعيتها من ديانتها، فهناك المسيحيون الديمقراطيون وغيرهم من الأحزاب التي تجمع بين المرجعية الدينية، والالتزام بالديمقراطية.”.
حزب علماني
وحول تخوّف بعض قيادات حركة النهضة من تحوّلها إلى حزب علماني، بعد “التخلّص” من الجانب الدعوي، قال الغنوشي: “هي مخاوف نتفهّمها لكنها غير مشروعة، نفهمها لأنّ كل تغيير وانتقال من حالة إلى حالة يصحبه شيء من التوجُّس والخوف، لكننا لم نقل إننا سننتقل من حزب إسلامي إلى حزب علماني، بل قلنا إننا سنتفرغ للعمل السياسي، كنا حزباً شمولياً مثلما كانت الدولة شمولية فتولدت أحزاب بعضها إسلامي وبعضها يساري. والقيم التي سنستند إليها خلال عملنا السياسي هي ذاتها كما جاءت في الدستور الذي استند إلى المرجعية الإسلامية وإلى المرجعية الحداثية. فالدستور التونسي ليس دستوراً علمانياً بل ينصّ في فصله الأول على إسلامية الدولة.”.
وحلول اتهامات البعض بازدواجية خطاب حركة النهضة، اعتبر الغنوشي ذلك “بيزنس سياسي”، مضيفاً “من يتهموننا بذلك هم إقصائيون، وإذا سلَّموا بأن النهضة ديمقراطية وحزب سياسي مدني فهم يخشون بذلك من أن يفقدوا أداة من أدوات الحرب. هؤلاء إقصائيون لم يقبلوا قواعد العملية الديمقراطية في الوقت الذي قبلت بها النهضة، ولازلوا يأملون في إقصائها عن طريق رمي تهمة الإرهاب لأنهم عجزوا عن منافستها مرة بعد مرة أمام صناديق الاقتراع، فالجبهة الشعبية (ائتلاف من أحزاب يسارية قومية وشيوعية)،التي تردّد هذا الادعاء، فشلت في أن تنافسنا في انتخابات 2011 و2014، ولذلك هي اليوم تصرُّ على اتهامنا في كل عملية إرهابية وتعتبرها مناسبة للهجوم على النهضة، والحال أننا كنا نتحاور معهم سنة 2013 في الحوار الوطني وكان البراهمي وبلعيد قد اغتيلا قبل ذلك التاريخ، ورغم ذلك كانوا يقبلون الحوار معنا، أما الآن فهم يرفضون الحضور في أي مناسبة نحضرها، وهذا يُفهم على أنه سياسة جديدة تبنتها الجبهة الشعبية.”.
الناطق الرسمي باسم الإسلام
وأكد راشد الغنوشي أنّ حركة النهضة “ليست ناطقة رسمية باسم الإسلام”، وشدّد على أنه “لم يحصل قطّ أن زعمنا لأنفسنا النطق باسم الإسلام، إذ لا كنيسة في الإسلام ولا ناطق باسم الحقيقة الإلهية على الأرض. فالإسلام أكبر من الأحزاب ولا يمكن لأحد أن يحتكر أو أن يزعم النطق باسمه. منذ انطلاقنا سنة 1981 أكدنا أننا لا نمثل الإسلام وإنما نحاول تقديم قراءة أو فهم للإسلام، فهمٌ يؤمن بأن الإسلام متوافق مع الديمقراطية ومع مبادئ الحداثة من مساواة وحقوق إنسان وحرية اعتقاد.”.
نتحالف مع الجميع
أما بخصوص إمكانية التحالف مع الحزب الجديد للأمين العام السابق لنداء تونس، محسن مرزوق، أو مع الجبهة الشعبية، فأوضح الغنوشي أنّ حركة النهضة “مستعدّة للتحالف مع أي حزب يعمل في إطار الدستور بما في ذلك الجبهة الشعبية ولا نقصي أحداً.”.
الإسلام السياسي
وفي تقييمه لتجربة الإسلام السياسي، ما بعد الثورات العربية، قال الغنوشي: “في الديمقراطية ليس هناك فائز دائم ولا خاسر دائم، وإنما الديمقراطية توفر للأحزاب الفرصة إذا لم يحققوا النتائج المرجوة الى مراجعة أنفسهم وتقييم أدائهم، ودراسة واقعهم أكثر والتفاعل مع شعوبهم وتقديم رؤى وبرامج جديدة علَّها تحظى بقبول الأغلبية.”، مضيفاً أنّ “المشكل يكمن ليس في تراجع أو تقدم النتائج في اللعبة الديمقراطية، ولكن المشكل يكمن في مَنْ يتدخل لإيقاف اللعبة الديمقراطية ليحلّ محلها القمع والدكتاتورية والفساد. اللجوء إلى استخدام القوة ليس علامة نجاح بل بالعكس، هو محاولة فاشلة لإيقاف مسار التاريخ.”.
حكم الترويكا
وحول تقييمه لأداء حكومة الترويكا، خلال ترؤس كل من حمادي الجبالي و علي العريض، القياديين في حركة النهضة، للحكومتين من يناير 2012 إلى فبراير 2013، قال الغنوشي: “ربما أهم تغيير هو توسيع التحالف الحكومي بعد انتخابات أكتوبر 2011، وعدم الاقتصار على التحالف مع حزبين فقط، وذلك لأننا اكتشفنا وتعلمنا أنه في المراحل الانتقالية لا تكفي الأغلبية البسيطة، أي 50 زائد واحد، لتوفير أسس الاستقرار، بل تحتاج البلاد الى توافق واسع يجمع أكثر ما يمكن من التيارات السياسية الأساسية.”.
الانفصال عن الإخوان
أما بخصوص الانفصال عن تنظيم الإخوان المسلمين، خاصة وأنّ حركة النهضة أكدت في أكثر من مرة أنها لا تحمل فكر وسياسة الإخوان، فأكد الغنوشي أنّ حركته “حزب تونسي، قراراته مستقلة، تصنعها مؤسساته الداخلية دون أي تدخل من أحد مهما كان”.
الموقف من حزب الله
وحول موقف حركة النهضة من حزب الله الذي تمّ تصنيفه من طرف مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية “منظمة إرهابية”،أكد الغنوشي بالقول: “موقفنا ملتزم بالموقف الرسمي التونسي الذي التزم بدوره بالموقف العربي وأدان بشدّة الدور الذي يلعبه حزب الله خارج حدود لبنان في سوريا والعراق واليمن، ولكنه في نفس الوقت اعترف لحزب الله بالدور الذي لعبه في تحرير جنوب لبنان”.
لو كنت مكان مرسي
وحول سؤال،”لو كنت مكان الرئيس الأسبق مرسي ماذا كنت ستفعل؟ وهل ستترك الحكم أم تقتسمه مع العسكر؟”، أجاب الغنوشي بأنه “من الأفيد التوجه إلى المستقبل والبحث عن حلول للأزمة التي تمر بها مصر. فمصر قلب العروبة، فإذا صلُح وضعها فذلك في مصلحة كل الأمة العربية، أما إذا ضعفت فذلك مصدر ضعف لكل الأمة. من الواضح الآن أنّ خيار فرض الاستقرار بالقوة والدكتاتورية والإقصاء والاستفراد بالسلطة لم ينجح، وإنما بالعكس يؤدي الى تفاقم الإشكاليات الأمنية والاقتصادية، والمزيد من المعاناة والانقسام”.
وأردف الغنوشي يقول: “هناك استخلاصات أصبحت بعد سنتين من الأزمة،بديهية: لا يمكن العودة إلى الوراء وإلى زمن الدكتاتورية، لا يمكن إقصاء الأطراف السياسية والمجتمعية الرئيسية، لا يمكن شطب الإخوان، أو شطب العلمانيين أو الليبراليين، أو شطب الأقباط، أو شطب الجيش من المعادلة السياسية في مصر. المراهنة على هذا هي مراهنة على إطالة عمر الأزمة ومراهنة على المزيد من الخسائر لكل البلاد بما يفتح البلد على كل الاحتمالات”، داعياً عقلاء مصر من جميع الأطراف “إلى أن يضعوا مصلحة بلادهم قبل كل شيء، وإلى التخلّي عن منطق الإقصاء، وإلى تبنّي منهج الحوار والتوافق ومنهج التنازلات المتبادلة قبل أن ينهار السّقف على رؤوس الجميع.”.
السيسي والإمارات
وحول إمكانية استقباله لرئيس مصر عبد الفتاح السيسي لو زار تونس، قال الغنوشي: “ليس لي منصب رسمي في الدولة يحتم عليّ أن أكون في استقبال زوار تونس الأجانب”، في إشارة إلى أنه يرفض استقباله.
السيسي
وحول علاقة قيادات حركة النهضة بمسؤولي الإمارات، أكد راشد الغنوشي: “نحن لا نتمنى إلا الخير لكل أشقائنا العرب، ونرجو أن يعاملونا بالمثل. ثورتنا في تونس ثورة للاستهلاك المحلي وليست للتصدير، ونريد أن نبني علاقات إيجابية مع جيراننا وأشقائنا سواء في المغرب العربي أو في الخليج. إذا كان هناك سوء تفاهم أو مشاكل بين الأشقاء فكلها تحلّ بالحوار. هناك إجماع داخل تونس على أننا لا نتدخل أبداً في الأوضاع الداخلية لأي بلد آخر، وفي نفس الوقت لا نسمح لأي بلد بأن يتدخل في أمورنا الداخلية.”.
حركة النهضة وتركيا
أما بخصوص العلاقة بتركيا، قال الغنوشي: “نجحت تركيا تحت قيادة الرئيس أردوغان في صنع معجزة اقتصادية جعلت تركيا من ضمن أكبر 16 اقتصاداً في العالم، وضاعفت دخل الفرد التركي ثلاث مرات.. هذه التجربة حرِيّة بالدراسة والاستفادة، لكننا في تونس لا نؤمن بالتقليد، بل نؤمن بالتجديد والاستفادة من جميع التجارب لنصنع تجربة تونسية متميزة.”.
الترابي.. صديق قديم
وحول علاقته بالراحل حسن الترابي، قال الغنوشي: “لقد استقبلت الخبر وفاة الترابي بحزن، فهو، رحمه الله، صديق قديم، جمع بين أبعاد مختلفة، اختلط فيها الفكري بالسياسي. استفدنا منه في الجانب الفكري خلال مرحلة نشأتنا في السبعينات حيث أعطتنا اجتهاداته الفكرية فرصة للنظر الى الأمور من زوايا تجديدية خلصتنا من سطوة النظرة التقليدية. لقد خسر السودانيون والأمة الإسلامية عالماً مجدداً، ومفكراً كبيراً. أما في الجانب السياسي فمسيرته قابلة للدراسة والتقييم للاستفادة منها. والمهم أنه ختم حياته بالمشاركة في جمع شمل السودانيين بمختلف تياراتهم، سلطة ومعارضة حول طاولة الحوار الوطني، ونأمل أن يواصل إخوانه هذه المسيرة ويصلوا لتوافق وطني بين مختلف الفرقاء السياسيين يحفظ السودان وينشر الحرية والديمقراطية.”.