أفاد ناشطون بأن قوات الأمن السودانية فرقت مساء الأحد متظاهرين حاولوا الاعتصام أمام القصر الجمهوري في الخرطوم، في حين أصيب العشرات في مواجهات اندلعت خلال مظاهرات حاشدة خرجت في الذكرى الثالثة للثورة، للمطالبة بحكم مدني ديمقراطي.
وقال الناشطون إن قوات الأمن أطلقت الرصاص الحي والغاز المدمع على المتظاهرين الذين حاولوا الاعتصام أمام القصر، مشيرين إلى أنها تقوم بمطاردتهم في الشوارع القريبة.
وكانت حشود من المتظاهرين وصلت في وقت سابق اليوم إلى البوابة الجنوبية للقصر، وقامت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المدمع عليها لتفريقها، واستمرت بعد ذلك عمليات الكر والفر بين الطرفين.
وقبل ذلك، أطلق الأمن السوداني قنابل الغاز المدمع على متظاهرين عبروا جسر النيل الأبيض من أم درمان إلى الخرطوم.
ونقلت الجزيرة عن مصدر طبي، إصابة 43 شخصا في الخرطوم وأم درمان بعد إطلاق الشرطة الغاز المدمع لتفريق المتظاهرين. من جهتها، أفادت "نقابة أطباء السودان الشرعية" (معارضة) بمقتل شخص واحد وإصابة أكثر من 100 آخرين.
وبينما قدرت الوكالة الفرنسية أعداد المتظاهرين بعشرات الآلاف تحدثت وكالة رويترز عن مشاركة مئات الآلاف في مظاهرات الذكرى الثالثة للثورة بالخرطوم.
وبالإضافة إلى العاصمة خرجت مظاهرات في مدن سودانية أخرى، بينها بورتسودان وعطبرة (شمال شرق).
شعارات المحتجين
وقد ردد المتظاهرون وهم يحملون الأعلام الوطنية شعارات تندد بإجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان التي اتخذها يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والاتفاق السياسي الموقع بينه وبين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "لا تفاوض ولا شراكة"، و"لا مساومة"، و"لا لحكم العسكر"، و"الشعب يريد إسقاط البرهان"، و"الشعب أقوى والردة مستحيلة"، "والثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب"، و"نعم للحكم المدني الديمقراطي".
وكانت "لجان المقاومة" و"تجمع المهنيين" وقوى سياسية أخرى دعت إلى مظاهرات حاشدة اليوم في الخرطوم ومدن البلاد، رفضا للاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك وللمطالبة بحكم مدني كامل.
وجاءت الدعوة عشية ذكرى انطلاق ثورة 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 حين اندلعت احتجاجات عمت المدن والأحياء حتى عزلت قيادة الجيش الرئيس عمر البشير يوم 11 أبريل/نيسان 2019.
استنفار أمني
وقبيل المظاهرات أغلقت قوات الأمن السودانية معظم جسور العاصمة الخرطوم وأقامت حواجز إسمنتية على الطرق المؤدية إلى مطار الخرطوم الدولي، كما أُغلقت المنافذ المؤدية إلى مقر القيادة العامة للجيش.
وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك قد وقعا اتفاقا سياسيا في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق المعتقلين السياسيين، وتعهدا بالعمل معا لاستكمال المسار الديمقراطي.
غير أن قوى سياسية ومدنية عبرت عن رفضها الاتفاق باعتباره "محاولة لشرعنة الانقلاب"، متعهدة بمواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق الحكم المدني الكامل.
واستباقا لهذه المظاهرات، قالت قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي إن "مليونية تحرير الخرطوم" استكمال للانتقال المدني الديمقراطي، ودعت قوى الحرية والتغيير -في بيان- إلى توحيد (قوات) الجيش -بما فيها قوات الدعم السريع- تحت مظلة القوات المسلحة.
وفي السياق ذاته، وصف حزب الأمة القومي مظاهرات اليوم بأنها ملاحم لاسترداد الحكم المدني ومسار التحول الديمقراطي، قائلا "البلاد ترزح تحت انقلاب جديد".
وعشية إحياء ذكرى الثورة وقّعت نحو 50 كتلة سياسية وتجمعا مدنيا بالخرطوم على إعلان ميثاق سياسي ينادي بالدولة المدنية والتحول الديمقراطي.
في المقابل، وجه الحزب الشيوعي انتقادات شديدة لما سماه قيام بعض مكونات قوى الحرية والتغيير بتقديم مشروع سياسي لما تبقى من الفترة الانتقالية، دعما للشراكة بين المكونين المدني والعسكري.
بدوره، قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إن السودان يواجه اليوم تراجعا كبيرا في مسيرة ثورته. وأضاف حمدوك -في كلمة بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر/كانون الأول- أن هذا التراجع يهدد أمن البلاد ووحدتها واستقرارها، وينذر ببداية الانزلاق نحو هاوية لا تبقي وطنا ولا ثورة، حسب تعبيره.
من جانبه، قال رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان إن السودان على أعتاب عهد جديد، داعيا إلى تجاوز الخلافات والتسامح ووحدة الصف وإعلاء القيم الوطنية حتى تأسيس دولة سودانية قائمة على أسس المواطنة والحرية والعدالة.
وتعهد البرهان بالوصول إلى غايات الانتقال لاستكمال أهداف ثورة ديسمبر/كانون الأول وإقامة الدولة المدنية المنتخبة.