لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، سوى فرصة لدولة الإمارات لمضاعفة حجم الأسلحة الموردة لزعيم مليشيات الشرق الليبي خليفة حفتر، بشكل غير مسبوق، وكأنها تُعد لحرب "إقليمية" أكبر وأكثر عنفا وشمولية مما سبق.
جسر جوي من طائرات الشحن، تتنقل يوميا من مطار أبوظبي العسكري إلى مطارات الشرق الليبي بمعدل طائرة إلى 3 طائرات يوميا، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في موسكو برعاية تركية روسية، في 12 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ووفق مراقبين موثوقين لحركة الملاحة الجوية الدولية، تم تسجيل 3 طائرات شحن عسكرية إماراتية (من نوع إليوشين إلـ76) اتخذت نفس المسار، في الفترة من 6 إلى 8 فبراير/شباط الجاري، من مطار أبوظبي العسكري وتوقفت قليلا في مطار العقبة الأردني، قبل أن تواصل طريقها إلى شرق ليبيا عبر الأجواء المصرية.
وحسب ذات المصدر، فإن 27 طائرة شحن إماراتية توجهت في الفترة من 12 يناير الماضي إلى 26 من ذات الشهر، نحو مطارات شرقي ليبيا، التي يسيطر عليها حفتر، بما فيها "قاعدة الخادم الجوية" بمحافظة المرج (100 كلم شرق بنغازي)، التي تحولت إلى قاعدة إماراتية خالصة في ليبيا.
وخلال ذات الفترة، قامت أبوظبي بشحن 3 آلاف طن من المعدات العسكرية، أو ما يعادل مجموع ما شحنته إلى ليبيا خلال 2019، بحسب مجلة "إنتلجنس أونلاين"الفرنسية والمعنية بشؤون الاستخبارات.
وتتقاطع هذه المعلومات مع ما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في 7 فبراير الجاري، بأن "عشرات الطائرات وصلت إلى ليبيا قادمة من الإمارات العربية المتحدة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية".
وأشارت الصحيفة، إلى أن إحدى هذه الطائرات من نوع "أنتونوف 124" العملاقة، يمكنها أن تحمل أكثر من 100 طن من المعدات في رحلة واحدة، وفقًا لمسؤول سابق في أجهزة المخابرات الأمريكية.
وذكرت مصادر إعلام متطابقة، أن من بين الأسلحة التي تزود بها الإمارات حليفها حفتر، في الفترة الأخيرة، طائرات مسيرة، وصواريخ مضادة للدروع، وصواريخ مضادة للطائرات، وصواريخ جو- أرض (تستخدمها الطائرات المقاتلة)، بالإضافة إلى مناظير ليلية، ناهيك عن مدرعات "نمر" المصنعة في الإمارات.
** الأمم المتحدة تتهم
اتهامات لا تقتصر فقط على وسائل إعلام وتسريبات لجهات أمنية وعسكرية ولخبراء مختصين في رصد الملاحة الجوية، بل إن تقارير الأمم المتحدة وثقت طيلة سنوات بعض هذه الخروقات الإماراتية لحظر الأسلحة الدولية، دون أن تكلف أبوظبي حتى نفي هذه الاتهامات.
وقال تقرير أممي، نشر في يونيو/حزيران 2017، إن الإمارات قدمت "مروحيات قتالية وطائرات حربية لقوات حفتر، في انتهاك للحظر الأممي لتصدير الأسلحة إلى ليبيا"، الصادر في 2011.
وأضاف أن "الدعم الإماراتي أدى إلى زيادة قدرات قوات حفتر الجوية بصورة كبيرة، لتضمن المساعدات الإماراتية مواد دخلت في تجديد الطائرات المعطلة سابقا".
وسعى الخبراء الأمميون لتأكيد معلومات عن مروحيات قتالية من طراز "مي-24 ب" تمّ تسليمها إلى قوات حفتر في أبريل/نيسان 2015، وأكّدت بيلاروسيا من جهتها أنها باعت أربع مروحيات إلى الإمارات في 2014، لكن الأخيرة ترفض لحد الآن الرد على استفسارات الخبراء.
وأشاروا إلى أن عربات مدرعة مصدرها شركات تتخذ من الإمارات مقرا لها تم تسليمها إلى قوات حفتر في مدينة طبرق (شرق) في أبريل/نيسان 2016.
** 2014.. بداية التدخل
يمكن القول إن أول دعم تلقاه حفتر جاء من الإمارات وحلفائها في مصر والسعودية، إذ أن أول ظهور لحفتر عند إعلانه انقلابه الفاشل (الانفلاش) في فبراير 2014، كان عبر قناة "العربية" السعودية في الإمارات.
لكن التدخل العسكري الإماراتي الفج، جاء عندما قامت طائرات من طراز "آف 16" يعتقد انها إماراتية بقصف مطار طرابلس الدولي في أغسطس/آب 2014، لفك الحصار على مجموعات مسلحة متحالفة مع حفتر.
وقال عسكريون ليبيون في طرابلس، حينها، إن بقايا الصواريخ التي أطلقت على المطار تؤكد أنها كانت محمولة على طائرات "آف 16"، التي تملك الإمارات عددا منها، في حين نفت القاهرة أن تكون طائراتها وراء القصف.
وخلفت هذه الغارة الجوية، مقتل أكثر من 40 مسلحا من تحالف "فجر ليبيا" المناوئ لحفتر، غالبيتهم من مدينة مصراتة (200 كلم شرق طرابلس).
وبدل أن يؤدي ذلك إلى انتصار حلفاء حفتر وسيطرتهم على العاصمة ومطارها الدولي، استنفر ذلك كتائب مصراتة (التي لم تقرر غالبيتها إلى ذلك الحين المشاركة في القتال)، واستخدمت حينها سلاحها السري (صواريخ متوسطة المدى) وحسمت بها معركة طرابلس في ساعات، وكان ذلك أول خسارة "استراتيجية" للإمارات في ليبيا، وإلى اليوم لم يتمكن حفتر من السيطرة على العاصمة.
كما اتهمت حكومة الوفاق، الإمارات بشن غارة جوية على منطقة تاجوراء شرقي طرابلس، بطائرة آف 16، خلفت مقتل أكثر من 50 قتيلا من المهاجرين غير النظاميين.
** الدعم المالي والدبلوماسي
لم تكتفِ أبوظبي بالمشاركة في القصف الجوي للجيش الليبي الموالي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، بل وفّرت لحفتر دعما ماليا في أشكال مختلفة سواء من خلال تمويل صفقات سلاح لحساب الأخير مع أطراف ثالثة، خاصة مع شركات لدول في أوروبا الشرقية، أو دول حليفة مثل مصر وفرنسا.
كما قامت أبوظبي بتجنيد مرتزقة أفارقة سواء من "الجنجويد" السودانيين أو من جماعات المعارضة المسلحة في تشاد ودارفور السودانية.
و"الجنجويد"؛ قوات استعانت بها الحكومة السودانية لقتال المتمردين في دارفور (غرب)، ثم تحولت إلى قوات شبه نظامية تحت اسم حرس الحدود، ولاحقا إلى قوات الدعم السريع.
ولعبت شركة "بلاك شيلد" الإماراتية، دورا في تجنيد سودانيين، عن طريق الاحتيال، بعد أن خدعتهم بعقود عمل كحراس أمن، ثم أرسلتهم إلى ميناء راس لانوف النفطي (610 كلم شرق طرابلس) الخاضع لسيطرة مليشيات حفتر، قبل أن تسمح بعودة العشرات منهم بعد احتجاجات لأهاليهم أمام السفارة الإماراتية في الخرطوم.
كما تتولى الإمارات رفقة مصر تهريب النفط الليبي بالتواطؤ مع حفتر، الذي يسيطر على جميع الموانئ النفطية في شرق ووسط ليبيا، بالإضافة إلى معظم حقول النفط.
وهو ما أكده مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الليبية للنفط، في مقابلة مع صحيفة "التايمز" البريطانية، عندما كشف أن حكومة عبد الله الثني الموازية عقدت اتفاقيات مع شركات مصرية وإماراتية لبيع نفط ليبيا بسعر 55 دولارا للبرميل، في حين تبيع المؤسسة النفط بسعر 62 دولارا للبرميل، حسب سعر السوق العالمي المتغير.
وهذا ما يفسر توقيف أنصار حفتر تصدير النفط إلى الخارج، لخنق حكومة الوفاق، بالمقابل تحصل مؤسسة النفط التابعة لحفتر مداخيل بالعملة الصعبة من بيع النفط بطرق غير شرعية.
ورغم أن الإمارات وافقت على قرارات مؤتمر برلين، التي صادق عليها مجلس الأمن الدولي، بموافقة 14 دولة وتحفظ روسيا، إلا أنها تواصل تسليح حفتر، بشكل من شأنه تشجيع الأخير على مواصلة خرق وقف إطلاق النار وإيغاله في الدماء الليبية.