عندما اختار سكان إقليم كردستان العراق الانفصال بأغلبية ساحقة في أواخر سبتمبر/أيلول 2017، وصل إلى كركوك ضابط ستيني وعقد اجتماعات خاطفة مع عسكريين وسياسيين فقلب الأمور رأسا على عقب وانهار حلم الدولة على الفور.
ومن إيران إلى سوريا والعراق واليمن ولبنان والبوسنة وأفغانستان، أشرف الجنرال قاسم سليماني على العديد من الملفات وقام بمهمات صعبة وحاسمة خلال مسيرة عسكرية امتدت أربعين عاما.
البداية من العراق
سليماني الذي ولد في مدينة قم جنوب شرقي إيران في عام 1955، ينحدر من أسرة فلاحية (زراعية) فقيرة، ولم يتجاوز في تعليمه المرحلة الثانوية حيث ترك الدراسة وعمل بنّاءً ثم موظفا بسيطا في إدارة مياه بلدية كرمان وسط البلاد.
بعد نجاح ثورة الخميني عام 1979 التحق بحرس الثورة الإسلامية أوائل عام 1980، وكانت الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، بداية مسيرته القتالية.
خلال الحرب الإيرانية العراقية قاد سليماني فيلق "41 ثار الله"، وهو فيلق محافظة كرمان، وتمت ترقيته ليصبح واحدًا من بين عشرة قادة مهمين في الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود.
مكافحة العصابات
وعندما وضعت الحرب أوزارها، تم تكليف قاسم سليماني بمكافحة عصابات المخدرات على الحدود الإيرانية الأفغانية.
وتشير التقارير إلى أنه حقق نجاحا كبيرا في هذه المهمة، مما أكسبه احترام القادة العسكريين والسياسيين وأهّله لمناصب سامية.
مهمة في البوسنة
وتعتقد مصادر استخباراتية أميركية أن سليماني درب المقاتلين العرب في البوسنة، بغية إرسالهم إلى الحدود الإيرانية الأفغانية في عامي 1996 و1997، وسط تصاعد التوتر بين إيران وحركة طالبان خلال حكمها لأفغانستان.
قيادة فيلق القدس
في 1998، تم تعيينه قائدا لفيلق القدس في الحرس الثوري خلفا لأحمد وحيدي، وكان يحمل رتبة عقيد.
وفي سنة 2008، قاد فريقا إيرانيا للتحقيق في مقتل القائد العسكري لحزب الله اللبناني عماد مغنية، وتوسط في العام نفسه لوقف القتال بين الجيش العراقي وجيش المهدي التابع للتيار الصدري بالعراق.
حماية الأسد من السقوط
في 2011، تمت ترقية قاسم سليماني إلى رتبة جنرال. وعندما بدأ نظام الأسد يتداعى كلفت طهران الجنرال المخلص للمرشد بإخماد الثورة السورية، وأطلقت يده في جلب مقاتلين شيعة من دول مختلفة.
وفي النصف الثاني من عام 2012، كان قاسم سليماني يدير من قاعدة بدمشق عمليات حزب الله اللبناني ومليشيات عراقية في سوريا.
وكانت معركة القصير أحد أهم المعارك التي أشرف عليها سليماني، وتمكن من استردادها من المعارضة في مايو/أيار 2013.
سحق حلب
ومن 2014 إلى نهاية 2016، انخرط سليماني في معارك حلب وقاد مقاتلي المليشيات القادمين من شتى أصقاع الأرض رافعين علنا شعارات الثأر المذهبي.
وبعد حصار مرير ومعارك طاحنة تمكنت مليشيات سليماني المدعومة بالقصف السوري والروسي من سحق المعارضة السورية كليا.
ووُصفت معارك حلب بأنها قيامة لهول فظائعها ولتداعياتها الرهيبة، حيث فرض على سكانها السنة مغادرة مناطقهم بفعل سطوة وقوة الجنرال الإيراني.
وعلى أطلال المدينة، تجول قاسم سليماني مزهوا بعد أن أعادها إلى نظام بشار الأسد رسميا في 13 ديسمبر/كانون الأول عام 2016.
طحن الموصل
وبعد أن سقطت الموصل بيد تنظيم الدولة في 2013، ظهر سليماني في المشهد العراقي بالتوازي مع هيمنته على الوضع الميداني بسوريا، وقاد عمليات الحشد الشعبي الذي كان يتبنى شعارات طائفية بحتة.
وخلال معارك طاحنة تمكنت القوات الموالية لسليماني من هزيمة تنظيم الدولة في الموصل وضواحيها، ولكنها تورطت أيضا في تهجير وقتل المسلمين السنة انطلاقا من اعتبارات طائفية، وفق تقارير حقوقية وأممية.
وحسب هادي العامري وزير المواصلات العراقي السابق ومسؤول قوات بدر، فإنه لولا سليماني "لكانت الحكومة العراقية في المنفى ولما كان هناك وجود للعراق".
عين على اليمن
وبعد اندلاع الصراع في اليمن وانطلاق عاصفة الحزم ضد الحوثيين في 2015، راجت أنباء عن وجود سليماني في اليمن، غير أن إيران بادرت إلى نفي الخبر.
النهاية في العراق أيضا
وفي الساعات الأولى من فجر الجمعة، هبطت بمطار بغداد الدولي طائرة تقل الجنرال سليماني، وكان في استقباله قادة كبار من رجاله الخُلّص في قوات الحشد الشعبي.
استقل الجميع مركبتين، وعندما غادروا المطار أمطرتهم مروحية أميركية بقذائف وصواريخ، فقُتِل سليماني وشخصيات مهمة.