في ذروة الحراك الشعبي ضد نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أعلن رئيس الأركان الجزائري الفريق الراحل أحمد قايد صالح في 26 مارس/آذار الماضي أن "الجيش يرى الحل في ضرورة تفعيل المادة 102 من الدستور"، مما يعني عزل الرئيس بسبب العجز.
أدى ذلك إلى صعود كبير في شعبية الفريق بين الجماهير المحتشدة في الشوارع، خاصة بعد تعهده في 16 أبريل/نيسان الماضي بأن "قيادة الجيش لن تتخذ أية قرارات لا تخدم الشعب والوطن"، مؤكدا "حرصها على ألا تراق قطرة دم جزائري واحدة"، فضلا عن إعلانه "الحرب ضد الفساد والمتآمرين على الدولة"، حيث انتهت المعركة بحبس أبرز رجالات النظام السابق.
غير أن إصرار المؤسسة العسكرية في وقت لاحق على رفض المرحلة الانتقالية وما يرتبط بها من إجراءات سياسية لترتيب المؤسسات الجديدة، مقابل إصرارها على الحل الدستوري كمخرج وحيد للأزمة، خلق انقساما وسط الحراك حول الموقف من مقاربة الجيش في مرافقة مطالب الشعب.
وازدادت الهوة اتساعا بشن حملة اعتقالات في حق ناشطين، تزامنا مع التضييق الأمني والإعلامي على المظاهرات، وكذلك تمرير الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وسط أجواء مشحونة بين المؤيدين والرافضين.
وسط هذه الأجواء شاءت الأقدار أن يرحل الفريق قايد أحمد صالح، بعد أسبوع واحد من أداء الرئيس الجديد عبد المجيد تبون اليمين الدستورية، ليخلفه بالنيابة على رأس قيادة الأركان قائد القوات البرية اللواء السعيد شنقريحة.
وأثارت تلك التطورات المفاجئة تساؤلات حول آفاق المرحلة المقبلة، بالنظر إلى الدور الحاسم الذي لعبه قايد صالح خلال عشرة أشهر كاملة من عمر الحراك.
مواصلة المسار
وطرح الناشط عبد الفتاح جحيش فرضيتين بشأن المستقبل، حيث قال للجزيرة نت إنه في حال كانت وفاة الرجل طبيعية، فإن "المسار الذي رسمه مع قيادة الجيش سيستمر وفق ما أعلنه الرئيس تبون وأخذ في تطبيقه"، وهو برأيه "مسار شكلي تجميلي، يتضمن تغيير الدستور وبعض ملامح النظام السابق بما يتوافق مع ضغوطات الشارع من أجل استكمال الشرعية المنقوصة".
وفي حال كانت "الوفاة غير طبيعية"، فإنه يتوقع مزيدا من التصفيات داخل المؤسسة ودواليب النظام، الأمر الذي يضع الحراك موضع التهمة للبدء في تفكيكه بشتى الوسائل حتى لو تطلب الأمر اللجوء لخيار العنف، وفق تقديره.
أما القيادي في حركة عزم، فيصل عثمان، فقد أكد أنّ "الفقيد قايد صالح لم يكن يوما عقبة في طريق الحراك، بل كان حاميه ومرافقه والدرع الذي تكسرت عليه محاولات القرصنة والاستغلال من طرف الأقلية".
وأوضح للجزيرة نت أن "أهداف الحراك الأصيل تحقق الجزء الأكبر منها، والمتبقّي ينبغي تحقيقه في ظل الشرعية وفق أدوات جديدة وممارسات أكثر تنظيما ورشدا".
وأضاف أن "قائد الجيش الجديد واحد من الكتلة الصلبة وسيستمرّ في مسار سلفه، بما يتوافق كليا مع طموحات الأغلبية الشعبية وآمالها".
منظومة حكم
من جهة أخرى، يعتقد البرلماني عن حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش، أن "ما حصل في الجزائر لم يكن ليتحقق لولا تناغم إرادة الأمة عبر الحراك الشعبي مع إرادة المؤسسة العسكرية"، مؤكدا أن "الاختلاف حول ما تبقى من المطالب السياسية في التغيير الشامل يخضع لمراجعة الجميع ومقارباته في الحل، وهو ما يتطلب عدم تكرار أخطاء الفترة السابقة".
وشدد في تصريح للجزيرة نت على أن المسألة ليست مرتبطة بذهاب الأشخاص، بقدر ما هي أزمة منظومة حكم، فلا "تزال ذهنيات وأساليب تقليدية وبالية في التسيير والتعاطي مع الأزمة المتعددة الأبعاد لم تتغير بعد".
وأعرب عن أمله في أن "يتم التعامل مع الحراك الشعبي بواقعية وبوطنية وبروح مسؤولية، بعيدا عن التخوين والشيطنة والتجاهل".
ودعا إلى فتح باب الحوار الفعلي بين المختلفين، و"النظر بإرادة سياسية عليا لما تبقى من المطالب السياسية، فلا انتقال ديمقراطيا بدون تفاوض، ولا حل لأزمة سياسية بدون حوار حقيقي".
العقل العسكري
وبدوره قال الكاتب عثمان لحياني "لا أعتقد أن قايد صالح كان هو العقبة المركزية ضد تحقيق مطالب الحراك الشعبي، لأنّ موقف الرجل ليس سوى نتاج للعقل العسكري الذي ينطلق من مبدأ الهيمنة".
وعليه، فإن مجموع المتغيرات الراهنة، من رئيس وقائد جيش جديدين وحكومة مرتقبة، لن يغيّر -برأيه- من موقف السلطة الحذر إزاء المطلب الديمقراطي.
وأوضح للجزيرة نت أن من الوارد حدوث تطور إيجابي، من خلال طرح الرئيس تبون خطة حوار سياسي ومقترحات لمخرجات الأزمة والدستور وغيرها، "لكن المسافة بين السلطة بمستواها السياسي والعسكري لا تزال متباعدة".
وأضاف أنّ جملة من التساؤلات بشأن تعاطي تبون مع الحراك ومدى استعداده للاستجابة لمطالبه ترتبط كلها بطبيعة الدور الذي سيلعبه الجيش والمساحة التي سيشغلها في المرحلة المقبلة.
ولاحظ لحياني أن الرئيس الجديد لم يطرح في برنامجه الانتخابي ولا في خطاب التنصيب رؤية حول الانتقال الديمقراطي، الذي يمثل صلب المطالب المركزية للحراك، حيث "ركّز على الشق الاجتماعي والاقتصادي رغم أن حراك فبراير لم يكن ثورة خبز أو انتفاضة جياع".
نقطة التحول
وتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر سليم قلالة أن يستمر التعامل مع الشارع الجزائري بنفس المنهجية السابقة المرافقة، مع محاولة إقناع أجزاء منه بضرورة الحوار.
وقال للجزيرة نت إن هناك أطرافا ستستمر في البحث عن الحلول التي وصفها بـ"التماميّة" (كل شيء أو لا شيء)، والبعض الآخر سيقبل بالحلول العقلانية التي ستطرح عليه.
وأوضح أنه يتصور أن إنصاف العدالة للمعتقلين من المتظاهرين سيكون نقطة تحول في مسار الاحتجاجات الشعبية، مضيفا أن ذلك لن يمنع إصرار البعض الآخر على المطلب العام المتعلق بتغيير النظام، والذي يبقى -وفق تقديره- دون عقلانية ما هو أكثر قبولا في المدة الأخيرة، أي "التحسين المستمر للنظام".