[ الغارديان: "إصلاحات" بن سلمان تكشف خطوط التصدع في المجتمع السعودي ]
نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا لموفدها إلى العاصمة السعودية الرياض، مارتن شولوف، عما يشهده المجتمع السعودي من التناقضات، بعد عامين مما سمي بالإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد محمد بن سلمان. التقرير استشهد بآراء عدد من الشبان والشابات الذين ينظرون لحريتهم على أنها عمل أي شيء يريدونه، في المقابل يرى الكاتب أن “الخوف من الانسلاخ الثقافي عن حضارة الأجداد يسود بين صفوف المحافظين، ومن المظاهر التي تعزز مخاوفهم الحفلات الموسيقية والمهرجانات التي تجول شوارع الرياض بشكل متكرر”.
وفي خضم هذا يؤكد الكاتب أن “نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين في الغرب يقولون إن هذه الإصلاحات تزامنت مع محاولات عديمة الرحمة لسحق المعارضة، حيث تم اعتقال معارضين وعلماء دين ونشطاء بشكل اعتباطي، كما قالت عدة ناشطات نسويات إنهن تعرضن لاعتداء جنسي وتعذيب وهن رهن الاعتقال”.
و يشير شولوف إلى أن “النخبة المدنية في المجتمع لطالما نادت بهذه الإصلاحات، لكن باستثناء هؤلاء هناك خوف وغضب في كل مكان”.
ويضيف: “بعد عامين من الإصلاحات التي تهدف إلى إحداث انفتاح للمجتمع على العالم، لا تزال هناك فجوات كبيرة عند الإجابة على أسئلة مثل ماذا ارتدي؟ وماذا أفعل؟ فقوانين الملابس الصارمة التي كان معمولا بها في السابق تم إلغاؤها بالنسبة للمقيمين وتعديلها بالنسبة للمواطنين وكذلك القوانين التي كانت تقيد حركة النساء”.
وينقل الكاتب مشهدا يلخص الوضع بالنسبة له، حيث يروي أن الشابتين ريان ومها جلستا تدخنان وإلى جانبهما حقيبتيهما المدرسيتين، وصدرت من هاتفيهما النقالين أصوات موسيقى البوب، لافتا إلى أن المدرسة كانت منتظمة، لكنهما كانتا في مركز للتسوق ولا يبدو أنهما مهتمتان بمن يعرفهما.
ويفيد شولوف بأن الفتاتين كانتا سافرتي الوجه فيما كانتا ترتديان عباءتين مفتوحتين قليلا، ومر رجال بالثوب السعودي من جانبهما دون اهتمام، لكن نظرهما تعلق برجل برازيلي يرتدي بنطالا قصيرا وعلى ساعديه وشم توقف للحديث معهما.
وينقل الكاتب عن مها (16 عاما) قولها: “أستطيع عمل ما أريد، وهذا بلد حر، ألا تعرف هذا؟”، مشيرة إلى أن ما صدر عن الفتاتين لم يكن سوى تحد شبابي، وليس تعبيرا عن حرية جديدة، إلا أن محاولة هاتين البنتين للتعبير عن تحديهما العلني تكشف عن التغير في المملكة.
من جهتها تقول ريان (17 عاما): “في الحقيقة لم أكن أستطيع عمل هذا قبل فترة.. لأن الشرطة الدينية كانت ستمسك بي، أما اليوم فأنا لست مهتمة بهم أو بأي شيء آخر باستثناء والدي، ربما”.
الكثير من المظاهر التي تشهدها المملكة حاليا لا تتعدى نوعا من التعبير عن التحدي، أكثر من كونه تعبيرا عن تغيرات نتجت عن مساحة الحرية التي يسمح بها النظام حاليا
ويوضح شولوف أن الكثير من المظاهر التي تشهدها المملكة حاليا من قبل الشباب لا تتعدى نوعا من التعبير عن التحدي المعروف بين أبناء هذه الفئة العمرية، أكثر من كونه تعبيرا عن تغيرات نتجت عن مساحة الحرية التي يسمح بها النظام حاليا.
ويلفت الكاتب إلى أنه بعد عامين من بدء ما أطلق عليها إصلاحات، فإن طريقة اللباس والتصرف أصبحت متاحة لمن يريد تغيير أسلوب حياته، وتم تعديل الزي للسكان المحليين وتحريره للأجانب، وألغيت القوانين التي تحدد حركة المرأة، وأصبحت حضانة الأطفال متساوية، وتم التخلي عن فرض الاختلاط بين الرجال والنساء.
ويشير الكاتب إلى أن العاصمة السعودية، التي ظلت طوال أربعة عقود ساحة للتقشف والمحافظة، ترحب بالقادمين كلهم، من المصارعين والممثلين والموسيقيين والفنانين المحليين والملاكمين، بما في ذلك منازلة أندي رويز وأنتوني يوم السبت في الدرعية قرب الرياض، وكانت هذه أمورا ممنوعة.
ويشدد على أن صورة الملاكمين جوشوا ورويز بصدريهما العاريين تبدو في كل مكان من الرياض، وذلك ترويجا لأول مباراة بطولة للملاكمة تجري في المملكة، مشيرا إلى أنه يبدو أن السعودية تعلمت من جارتها قطر، التي بنت ماركتها من خلال جذب المباريات الدولية، بما فيها بطولة كأس العالم 2022.
وفي مقابل هذه الصورة، يتطرق الكاتب إلى الوجه الآخر ويشير إلى مؤتمر عقد في الرياض لمناقشة التحديات التي تواجه الإعلام، ودعت إليه مؤسسات دولية، وحضرته “الغارديان”، ولم يتم فيه البتة طرح موضوع قتل جمال خاشقجي في إسطنبول قبل 14 شهرا على أجندة المؤتمر، ولا القيود التي تمارسها الدولة على حرية التعبير، التي جعلت السعودية واحدة من المناطق الصعبة والغامضة في العالم.
ويؤكد شولوف أن التحول الثقافي، الذي بدأ نهاية عام 2017، وكان مثيرا للدوار، وتبنته النخبة الحضرية في الرياض وجدة، هو عبارة عن مصادقة على ما كان يتم في السر، لافتة إلى أنه خارج حدود المدينة وفي الضواحي البعيدة فقد أدى التغيير إلى السخط والغضب، وحتى الخجل.
وينقل عن منيرة سلمان القواطرة، التي فتحت مقهى باربيرا في الرياض، قولها: “لم أفكر أبدا بأنني سأرى هذا الأمر في حياتي”، مشيرة إلى أنها استضافت أصواتا سعودية وأجنبية في المقهى للحديث عن المشكلات، وأضافت: “لو حاولت القيام بهذا التجمع في الماضي لتم إغلاق المقهى.. لكن هذا هو منبر للجميع وأنا سعيدة، وفي بعض الأحيان يشكو زبائن من صوت الموسيقى أو الاختلاط، لكنني أخبرهم أن الأوضاع قد تغيرت”.
الناس لا يتجرأون على الحديث عما يحدث لأنهم شاهدوا الثمن، فهناك الآن ثقافة خوف في السعودية لم تكن موجودة قبل الإصلاحات
ويلفت الكاتب إلى أن من هؤلاء الذين شعروا بهذا التغيير بيان الحازمي (29 عاما)، التي تقضي أسبوعا في لندن للتدرب، وتقول إن عملها مدربة يختلف عن العلاج الطبيعي، وبأن على المحافظين التعلم والتعايش مع الآخرين، “لكن هذا الكلام لا يعجب الكثيرين في الرياض أو بين المجتمعات الصغيرة في البلاد”.
ويشير إلى أنه في نظر المراقبين وسكان الأرياف المحافظين، فإن هؤلاء قد لا يدعمون التغيير الذي بدأ به وريث العرش محمد بن سلمان، لافتا إلى أن الإصلاح الثقافي يعد جزءا من محاولة إعادة هندسة معظم ملامح الحياة السعودية، خاصة الاقتصاد المتحجر، ما أدى إلى تفكيك العلاقة بين الحكام والمؤسسة الدينية التي سمح لها بتحديد شكل البلاد، وحلت محل الطابع الديني هوية قومية تابعة لملكية مطلقة قامت من خلالها بتعزيز قاعدتها الشعبية بقسوة وشراسة.
ويورد الكاتب نقلا عن مراقب قوله: “ليس هذا جسرا يصعب عبوره.. بالنسبة للكثيرين فهو عار وأمر مخز لشعب قوي في هذه المنطقة من العالم، ويقولون إن هذا مخالف لقيم المملكة والدين، ويفرضونه دون احترام للقيم والعادات”.
ويؤكد المراقب أن الناس لا يتجرأون على الحديث عما يحدث لأنهم شاهدوا الثمن، فهناك الآن ثقافة خوف في السعودية لم تكن موجودة قبل الإصلاحات، و”هذه هي الصفقة المطروحة: يمكنك الحصول على حريتك مقابل أن تلجم لسانك”.
وتختم “الغارديان” تقريرها بالإشارة إلى أنه لا تزال هناك مخاوف من التراجع الثقافي حاضرة في صفوف المحافظين، وما يزيدها عدد المهرجانات والحفلات الموسيقية الغربية التي تنظم الآن في الرياض، فيقول أحد المراقبين: “لو كانت الملامح الثقافية محلية” لكانت المعارضة قليلة، و”على المحافظين التعامل مع هذا الأمر بحذر”.