[ الرئيس المصري السابق محمد مرسي ]
التزمت الحكومة المصرية الصمت تجاه تقرير أممي يشير إلى دور واضح للسلطات المصرية في وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي الذي اعتقل في 2013.
وقال بيان للمقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، أغنيس كالامارد، إن "ظروف سجن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي يمكن وصفها بأنها وحشية"، لافتة إلى أن موت مرسي يمكن اعتباره وفق هذا الظروف "قتلاً عقابياً تعسفياً من قبل الدولة".
وأضافت كالامارد في بيان رسمي أن خبراء مستقلين تابعين للأمم المتحدة أكدوا من خلال أدلة موثقة من مصادر مختلفة أن نظام السجن في مصر "يمكن أن يكون قد أدّى إلى موت مرسي"، كما أنه قد "يضع صحة وحياة آلاف المعتقلين في السجون في خطر شديد".
وقال البيان: "اعتقل مرسي في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها وحشية، خصوصاً خلال سنوات الاعتقال الخمس في مجمع سجن طرة"، مضيفة أن "موت مرسي بعد استمرار هذه الظروف يمكن أن يصل إلى القتل التعسفي العقابي من قبل الدولة".
وجاء في البيان أن مرسي كان يحبس انفرادياً لمدة 23 ساعة في اليوم، وأنه لم يكن مسموحاً له بملاقاة أحد خلال الساعة التي كان يخرج فيها، وكان يجبر على أن ينام على الأرض وقد زوّد ببطانية واحدة، وكان ممنوعاً من الكتابة ومنعت عنه الكتب والصحف والراديو.
وأضاف أن الرئيس السابق لم يخضع للعلاج والرعاية، بالرغم من مرضه بالسكري وارتفاع ضغط الدم وانعدام الرؤية في عينه اليسرى وتعرضه لإغماء لأكثر من مرة.
وطالب خبراء الأمم المتحدة مصر بضرورة أن تراجع السجون التي تنتهك حقوق الإنسان، وأكدوا أنه ليس من حقهم التعذيب والحرمان من العلاج والمحاكمات العادلة وتلقي الرعاية الطبية.
ويعتبر ذلك أول إعلان دولي عن دور للحكومة المصرية في وفاة الرئيس السابق محمد مرسي، وقد صدر عن مقررة القتل خارج إطار القانون وفريق الاعتقال التعسفي بالأمم المتحدة.
وتوفي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، يوم الإثنين 17 يونيو/ حزيران الماضي، في أثناء حضوره جلسة محاكمته في قضية "التخابر مع منظمات وجهات أجنبية خارج البلاد"، بعد محاولته أخذ الكلمة للدفاع عن نفسه أمام رئيس المحكمة، القاضي محمد شيرين فهمي، ليُصاب بعدها بنوبة إغماء توفي على إثرها.
وعمدت السلطات المصرية إلى عدم الاستجابة للمناشدات الحقوقية المتعلقة بوقف الانتهاكات حيال مرسي، خصوصاً في أعقاب كشف نجله عبد الله أن "الرئيس السابق للبلاد في عزلة تامة داخل محبسه بسجن طرة، وبلا أي رعاية صحية، وينام على الأرض، وتمنع عنه الزيارة تماماً منذ أكثر من عامين، بالمخالفة للوائح السجون، والاتفاقيات الدولية الموقعة عليها مصر في مجال حقوق الإنسان".
وقال عبد الله مرسي في تصريحات سابقة لوكالة "أسوشييتد برس"، إن "والده يضرب أروع الأمثلة على الصمود في مواجهة انتقام نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منه، ومن أسرته"، مشيراً إلى أن "والده لا يعلم بمجريات الأمور في البلاد منذ اعتقاله، لأنه محاصر في السجن الانفرادي، ومعزول عن بقية السجناء، ولا يُسمح له بقراءة الصحف، أو إدخال قلم وورقة ليكتب أفكاره".
وعزل الجيش مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، وهو أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في تاريخ مصر، وعيّن بدلاً منه رئيساً وحكومة مؤقتين. ومنذ حينها، اعتقلت السلطات عشرات الآلاف من مؤيدي جماعة الإخوان، إلى جانب المئات من الناشطين غير الإسلاميين، الذين لعبوا دوراً بارزاً في الاحتجاجات الشعبية، فضلاً عن قتل وتصفية وإخفاء أعداد كبيرة من المعارضين.
وحذّر تقرير صادر عن لجنة حقوقية مستقلة مكونة من نواب بريطانيين ومحامين، في مارس/ آذار 2018، من أن الرئيس المصري المعزول يواجه خطر الموت في السجن، إذا لم يتلق على الفور عناية طبية عاجلة، نتيجة عدم تلقيه الرعاية الطبية الكافية لمرض السكري الذي يُعاني منه، لا سيما مع تعنّت إدارة السجن في توفير العلاج الطبي الأساسي له، ومحاصرته في أوضاع بائسة جداً داخل السجن الانفرادي.
ودعا التقرير المجتمع الدولي إلى التنديد بظروف سجن مرسي، وإلى الضغط على الحكومة المصرية لكي "تسمح لعائلته بزيارته" و"تلقي العلاج الطبي"، مشيراً إلى أن ظروف اعتقال الرئيس المصري السابق في سجن انفرادي "يمكن أن تنطوي على تعذيب، أو معاملة قاسية، وغير إنسانية، أو مذلة".
وكانت مصادر سياسية وحقوقية مصرية قد كشفت، لـ"العربي الجديد"، أن قطاع مصلحة السجون في مصر ينتهج سياسة واضحة إزاء ملف "الإهمال الطبي" المتعمد إزاء السجناء السياسيين، وعلى وجه أخص قيادات جماعة "الإخوان" المعارضة للسيسي، بهدف تصفيتها داخل مقار الاحتجاز، عوضاً عن إثارة الرأي العام في الخارج باستصدار أحكام قضائية بإعدامها، على غرار ما حدث مع المئات من أعضاء الجماعة خلال العامين الماضيين.
وأفادت المصادر بأن "قطاع السجون لديه تعليمات من وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق (كان يقود جهاز الأمن الوطني قبل شغله منصبه)، بعدم الاستجابة نهائياً لمطالب أي من قيادات جماعة "الإخوان"، الذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، بالعلاج داخل مستشفى السجن أو على نفقتهم الخاصة في مستشفيات خارجه، علاوة على منع إدخال الأدوية لهم من خلال ذويهم.
وأكدت المصادر أن الانتهاكات التي تتعرض لها قيادات "الإخوان" داخل السجون متكررة ومستمرة، وتستند إلى تعليمات "رئاسية" بدرجة أعلى، وتهدف إلى وفاة أكبر عدد من هؤلاء القادة داخل السجون، وبذلك يتجنب النظام الحاكم مهاجمته من الخارج في حال تنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء.
ولم يشفع للمرشد العام السابق لجماعة "الإخوان"، محمد مهدي عاكف، وضعه الصحي الصعب، أو المناشدات للإفراج عنه التي أطلقتها منظمات حقوقية، إذ توفي في 22 سبتمبر/ أيلول 2017،عن عمر ناهز 89 عاماً، ودفن في صمت من دون مشيعين، بعد معاناته من الإصابة بانسداد في القنوات المرارية (الصفراوية)، ومرض السرطان، في وقت رفضت المحكمة مراراً طلب الإفراج الصحي عنه.
وفي أغسطس/ آب 2017، توفي كذلك عضو مكتب الإرشاد في جماعة "الإخوان"، عبد العظيم الشرقاوي، إثر تدهور حالته الصحية داخل سجن بني سويف، ما دفع "جبهة قيادات الإخوان" لإصدار بيان آنذاك يؤكد أنه "اغتيل داخل السجن بواسطة الإهمال الطبي"، كونه رحل بعد رحلة قاسية من منع العلاج والدواء عنه، ومعاناته من الموت البطيء لفترة طويلة داخل سجن انفرادي شديد الحراسة.