[ مظاهرات في العراق تطالب باسقاط النظام ]
الاحتجاجات الأخيرة بعد 25 أكتوبر/تشرين الأول في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق كما يبدو هي التحدي الأخطر الذي يواجه حكومة عادل عبد المهدي منذ تسلمه رئاسة الوزراء قبل أكثر من عام.
واذا كان عنوان الاحتجاجات الأبرز مكافحة الفساد والحد من البطالة وتردي الخدمات الأساسية وسوء الأداء الحكومي، وهي مطالب حاول عادل عبد المهدي اتخاذ بعض القرارات بصددها يمكن ان تقود إلى تهدئة الشارع، لكن المطالب السياسية المتمثلة في اسقاط الحكومة ورئاسة الجمهورية وحل مجلس النواب هي الأكثر تعقيدا مع استمرار تمسك المحتجين بها.
وتعاني مؤسسات الدولة العراقية من سيطرة الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة على الأموال والمصارف والسلطة التنفيذية التي يشكل الفساد المتجذر فيها ابرز سماتها المعروفة والتي لا يمكن للعراق أن يخرج بنفسه من دائرة الفساد الذي ينخر مؤسساته في ظل استمرار هذه الأحزاب في قيادة البلد، وهو ما أدركته الحركة الاحتجاجية التي طالبت في بعض شعاراتها باسقاط الحكومة واجراء إصلاحات سياسية جذرية في بنية العملية السياسية القائمة منذ ستة عشر عاما.
إن أي تغيير في الحكومة أو في العملية السياسية محكوم بشكل ما بإرادة الكتل السياسية الرئيسية ورغبتها في التغيير، بالإضافة إلى دور العامل الخارجي، خاصة الولايات المتحدة وإيران وضرورة اتفاقهما "الضمني".
وعبر عن ذلك الرئيس العراقي برهم صالح، الخميس، حين قال إن تشكيل حكومة جديدة مرهون بتوافق كتلتي "الحشد الشعبي" و"سائرون" على ذلك.
في الموجة الأولى من الاحتجاجات التي انطلقت أوائل أكتوبر/تشرين الأول، اعترف عبد المهدي بأن حكومته لا تملك "حلولا سحرية" لاعادة البنية التحتية والحد من البطالة ومكافحة الفساد ومشاكل أخرى ورثها من الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003.
لكن عبد المهدي أعلن عن حزمة من الوعود بـ "الإصلاحات" بهدف تهدئة الشارع وإنهاء الاحتجاجات، إلا أن تلك الوعود لم تصل إلى غاياتها إذ عاد المحتجون إلى الساحات العامة في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق في 25 أكتوبر/تشرين الأول بزخم مشاركة شعبية أوسع مع حملات "قمع" تبدو أقل من الحملات التي جوبه بها المحتجون في بداية أكتوبر/تشرين الأول.
ومع تزايد حالات "القمع" ضد المحتجين وسقوط مئات القتلى والآف الجرحى منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول، وفور عودته من طهران، دعى رئيس تحالف "سائرون" مقتدى الصدر إلى استقالة عادل عبد المهدي والدعوة لاجراء انتخابات مبكرة تحت اشراف الأمم المتحدة.
وتفتقد وعود الإصلاح إلى قدرتها على اقناع المحتجين وتهدئة حالة السخط على الحكومة ورئيسها عادل عبد المهدي لاعتقادهم أن الحل الوحيد لازمات البلاد تتمثل في الإصلاح الشامل، الاقتصادي والسياسي.
ويسود اعتقاد لدى أوساط سياسية، بعضها محسوب على رئيس الوزراء، أن استقالة الحكومة في هذه المرحلة يمكن أن تؤدي إلى حالة من الفوضى، أو الحرب الأهلية، وهو اعتقاد قد لا يكون قريبا من واقع أن الملف الأمني في حقيقته مسيطر عليه من قبل فصائل الحشد الشعبي بشكل أكثر أكبر من سيطرة القوات الأمنية التابعة للحكومة المركزية، لذلك فان احتمال الذهاب إلى الفوضى الأمنية يحدده موقف قيادات الفصائل المسلحة الرئيسية في العراق.
من حيث المبدأ، لا يرفض عادل عبد المهدي الاستقالة بشكل مطلق، إنما قد تبدو مقبولة في حال توفرت بعض شروطها التي منها التوافق الثنائي بين رئيسي أكبر كتلتين نيابيتين، مقتدى الصدر وهادي العامري، والتي تتشكل معظم حكومة عبد المهدي من أعضاء هاتين الكتلتين.
ولا يزال رئيس تحالف الإصلاح برئاسة مقتدى الصدر يسعى لاقناع رئيس تحالف البناء برئاسة هادي العامري بدعوة مجلس النواب لحجب الثقة عن رئيس الوزراء واقالته عبر الاليات الدستورية.
لكن العامري لم يستجب حتى الان لرغبات مقتدى الصدر حين وجه إليه رسالة دعاه فيها إلى العمل المشترك داخل مجلس النواب لحجب الثقة عن رئيس الوزراء، مكتفيا بالرد انه "على استعداد للتعاون (مع مقتدى الصدر) بما يحقق المصلحة العامة".
لذلك، من المستبعد ذهاب عادل عبد المهدي إلى خيار الاستقالة "الطوعية" مع كل الدعم الذي يتلقاه من أبرز وأهم الكتل السياسية وفصائل الحشد الشعبي، كما أن عقد جلسة لمجلس النواب لاقالة عبد المهدي مستبعدة أيضا.
وترتبط بهذه الكتل السياسية فصائل مسلحة لها نفوذ واسع في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية يمكن لها أن تفرض الأمر الواقع بإستخدام القوة العسكرية إذا ما وجدت أن هناك ثمة تهديدات لمصالحها الأساسية أو وجودها بشكل عام.
من الصعوبة بمكان التوصل إلى "تفاهمات" بين المحتجين والحكومة طالما ظلت الاحتجاجات من دون قيادة معلنة ما يجعل السيطرة عليها أكثر صعوبة على الرغم من "ايحاءات" يحاول التيار الصدري الترويج لها بالتحدث باسم المحتجين، وهو الأمر الذي قد يلقى استجابة من تيار واسع داخل الاحتجاجات نظرا لأن النسبة الأكبر من المحتجين هم من سكان الأحياء الفقيرة في بغداد والتي تعد النفوذ التقليدي لاتباع التيار الصدري، لكن ذلك لا يعني أن جميع هؤلاء يؤيدون توجهات زعيم التيار وينفذون توجيهاته.
يستند عادل عبد المهدي في موقفه "القوي" من عدم الاستقالة إلى الدعم "غير المحدود" الذي يتلقاه من الأحزاب السياسية القريبة من إيران التي تمثل في حقيقتها أجنحة سياسية مشاركة في الحكومة ومجلس النواب لفصائل مسلحة ضمن هيئة الحشد الشعبي حققت مكاسب مهمة لها خلال عام من رئاسة عادل عبد المهدي للحكومة الذي أتاح لها فرصة زيادة نفوذها في مؤسسات الدولة العراقية السياسية والأمنية والمالية.
على الرغم من دعوة مقتدى الصدر لرئيس الوزراء بتقديم استقالته، إلا أن هذه الدعوة لا تعني الكثير إذ أن عبد المهدي يتلقى دعمه من الكتل السياسية الفاعلة في المشهد السياسي العراقي والمتحكمة إلى حد ما في الملف الأمني للعاصمة والمحافظات الأخرى، وهم كتلة الصادقون التي يقودها أمين عام عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، وكتلة الفتح بقيادة هادي العامري، وكذلك ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، والأهم أن هذه القيادات الثلاث هي في حقيقتها صاحبة النفوذ الأكبر في الحشد الشعبي، ما يعني أن أهم فصائل الحشد الشعبي تقدم دعمها لعبد المهدي للحفاظ على المكتسبات التي تحققت في ظل رئاسته للحكومة إلى جانب موقف النكاية ضد زعيم التيار الصدري.
كما أن عبد المهدي يحظى بدعم الأحزاب الكردية الرئيسية التي على الرغم من اعترافها بالحق في التجمع السلمي والتعبير عن الراي، إلا أنها "قد" لا تجد بديلا أفضل من عبد المهدي كشريك في الحكومة المركزية يتفهم ما يتعلق بحلحلة الملفات العالقة بين بغداد وأربيل بشكل مغاير لسياسات سلفيه، نوري المالكي وحيدر العبادي، في ملفات كركوك وحصة أربيل من الميزانية الاتحادية وعائدات النفط.
في حين يبقى موقف العرب السنة مما يجري في العراق موقف "الترقب" بانتظار ما ستفرزه تطورات الاحتجاجات الشارع العراقي والحراك السياسي داخل الحومة ومجلس النواب دون تبني موقفا واضحا وصريحا من إقالة عادل عبد المهدي.
وتراهن حكومة عادل عبد المهدي على عامل الوقت مع هامش من المعالجة الأمنية لانهاء الاحتجاجات دون استقالة عبد المهدي أو اقالته من قبل مجلس النواب باضطرار المحتجين للعودة إلى ممارسة أعمالهم تحت ضغط الحاجة للعمل اليومي من أجل توفير لقمة العيش لهم ولعوائلهم.