قُتل يوم السبت زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي في عملية صادق عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونفذتها مروحيات في إدلب شمال غرب سوريا، ولكن كيف تأكد فريق الهجوم من أن الشخص الذي قتلوه هو البغدادي؟
الكلمة المفتاح في عملية التأكد هو "الحمض النووي" (DNA)، وهو مسؤول عن تخزين وترجمة المعلومات الوراثية في الكائنات الحية، ويسمى الحمض النووي أيضا "المادة الوراثية".
ويوجد الحمض النووي في نواة الخلايا الحية، حيث يأخذ شكل سلم لولبي مزدوج مكون من شريطين، مشكلا الكروموسومات التي تحمل الصفات الجسمية والخَلقية للكائنات الحية. وتضم الكروموسومات ما يسمى "الجينات" التي يحمل كل واحد -أو مجموعة- منها معلومات وراثية محددة.
تتضمن الخلايا الجسمية (خلايا العضلات والعظام والجلد.. إلخ) 46 كروموسوما، وتحتوي حيوانات الرجل المنوية وبويضة المرأة نصف هذا العدد، أي 23 كروموسوما.
ويشبه النموذج الجزيئي لهذا الحمض السلم، حيث تترتب وحدات كيميائية تدعى النيوكلتيدات على صورة شريطين متكاملين يلتفان حول بعضهما مكونين حلزونا مزدوجا طويلا سمكه 2 نانومتر، وطول اللفة الكاملة منه 3.4 نانومتر.
ويلتف الشريطان حول بعضهما باتجاه عقارب الساعة، ويكون الالتفاف حول محور واحد، ويتجه أحد الشريطين إلى أعلى والآخر إلى أسفل مشكلين سلما حلزونيا مزدوجا.
البداية
بداية التأكد من هوية البغدادي بدأت قبل العملية، وحول ذلك قال مستشار لقوات سوريا الديمقراطية الاثنين إن السروال الداخلي للبغدادي تم الحصول عليه من مصدر سري، وخضع هذا السروال لاختبار الحمض النووي لإثبات هويته قبل العملية التي نفذتها القوات الأميركية.
وليس واضحا كيف حصل الأميركيون على الحمض النووي للبغدادي من البداية (أي الحمض النووي الأساسي الذي تمت مطابقته مع العينات المأخوذة من السراويل والجثة لاحقا)، لكن مسؤولا أميركيا أخبر صحيفة واشنطن بوست -شريطة عدم الكشف عن هويته- أنه تم تقديمه طوعا من قبل إحدى بناته.
وقدم بولات كان كبير المستشارين في قوات سوريا الديمقراطية -التي يقودها الأكراد- تفاصيل على موقع تويتر، بشأن كيفية مساعدة عمل استخبارات قوات سوريا الديمقراطية في تحديد موقع البغدادي.
وقال كان: "مصدرنا الذي كان قادرا على الوصول إلى البغدادي، أحضر ملابس البغدادي الداخلية لإجراء اختبار الحمض النووي والتأكد 100% من أن الشخص المعني كان البغدادي نفسه".
ما اختبار الحمض النووي؟
الحمض النووي لكل شخص يمثل بصمة خاصة، واختبار الحمض النووي هو اختبار كيميائي يُظهر التركيب الوراثي للشخص، ويستخدم دليلا في المحاكم ولتحديد هوية الجثث وتعقب أقارب الدم.
ويستخدم الاختبار مواد كيميائية لفصل أجزاء الحمض النووي والكشف عن الأجزاء الفريدة من الجينوم، وبصمة الحمض النووي دقيقة للغاية، وتحتفظ معظم الدول الآن بسجلات الحمض النووي بنفس الطريقة التي تحتفظ بها الشرطة بنسخ من بصمات الأصابع.
للحصول على بصمة الحمض النووي الخاص بالشخص يتم أخذ عينة منه أو من جثته، من مسحة داخل الفم أو من الجلد أو جذور الشعر أو اللعاب أو العرق أو سوائل الجسم الأخرى، والدم عادة ما يكون أسهل طريقة، ثم يتم فصل الحمض النووي الذي يذوب بعد ذلك في الماء.
بعد ذلك يتم قطع الحمض النووي إلى شرائح أصغر مع عملية كيميائية أخرى للحصول على أقسام من 5 إلى 10 أزواج أساسية تكرر نفسها، ثم يتم نسخ هذه المقاطع الصغيرة ملايين المرات لجعل العينات أطول لسهولة الدراسة.
ثم يتم أخذ شرائح الحمض النووي هذه ويتم خلطها في هلام، ثم يُمرر تيار كهربائي عبر الهلام الذي يفصل الخيوط الأصغر من الحمض النووي عن الأكبر منها، وتجعل صبغة مضافة إلى الهلام شرائط الحمض النووي واضحة عند وضعها تحت ضوء فوق بنفسجي أو إضاءة باستخدام الليزر.
تُظهر الشرائط نمطا يشبه "الباركود" يمكن مقارنته بعد ذلك بنتائج عينة أخرى من الحمض النووي، بحثا عن تطابق.
ما الذي حدث؟
وفقا لترامب، فإن البغدادي فرّ إلى نفق تحت المجمع السكني واختار أن يفجر نفسه مع ثلاثة من أولاده، بعد ذلك أجريت اختبارات على بقايا الجثة وأكدت النتائج مطابقة الهوية وتأكيدا بأنه كان البغدادي.
وقالت التقارير إن الاختبارات أجريت في الموقع من قبل فنيين رافقوا أفراد القوات الخاصة وأخذوا عينات من الحمض النووي البغدادي معهم، ووفقا لترامب فإن الاختبار احتاج إلى حوالي 15 دقيقة.
وجمع الفنيون بين تقنية التعرف على الوجه وأصغر قارئ للحمض النووي يمكن للقوات استخدامه على متن طائرات مروحية خاصة بهم للحصول على النتائج، وفقا لصحيفة ديلي بيست.
بقي رأس البغدادي على حاله بعد الانفجار، مما سمح للقوات الخاصة باستخدام القياسات الحيوية، والتعرف إلى الوجه لتحديد هويته على الفور، وفق ما ذكرته قناة فوكس نيوز.
والقياسات الحيوية هي وسيلة للتأكد من هوية الشخص، وتستخدم السمات البشرية مثل بصمات الأصابع أو التعرف إلى الوجه أو غيرها من الخصائص المادية.
عندما قُتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في باكستان عام 2011، استغرق الأمر ثماني ساعات لتحديد هوية إيجابية من خلال تحليل الحمض النووي، حسبما ذكرت صحيفة واشنطن بوست عام 2013، نقلا عن وثيقة للمخابرات الأميركية.
منذ ذلك الحين، دخلت التطورات التكنولوجية فيما يسمى باختبار الحمض النووي الفوري (on-the-spot DNA testing)، مما قلل بشكل كبير من وقت المعالجة لتحقيق النتائج.
ومن غير الواضح نوع الأجهزة التي استخدمت خلال غارة البغدادي لتحديد هويته، ولكن في عام 2015 كشفت قيادة العمليات الخاصة للولايات المتحدة (SOCOM) عن استخدام أنواع جديدة من مختبرات الحمض النووي المحمولة التي يمكن أن تحصل على نتائج في غضون 90 دقيقة فقط، بدلا من أسابيع من الانتظار، وفقا لموقع ديفينس نيوز (Defense News).