[ إستمرار المظاهرات لليوم الخامس على التوالي للمطالبة بالإصلاح وإسقاط النظام ]
بدأ المتظاهرون اللبنانيون في التوافد إلى الساحات وقطع الطرقات بمساحات واسعة من لبنان، بالتزامن مع اجتماع حكومي مفصلي يعقد بقصر بعبدا في الساعات الأخيرة لمهلة الحريري، في وقت اقترح فيه الرئيس عون إجراءات جديدة.
وقال مدير مكتب الجزيرة في لبنان مازن إبراهيم إن المتظاهرين الذين احتشدوا أمس بمئات الآلاف قطعوا أغلب الطرقات في العاصمة بيروت وفي مساحات شاسعة من لبنان، ويريدون شل الحركة في البلاد للضغط من أجل تحقيق مطالبهم.
وأضاف أن نقابة المستخدمين دعت لإضراب شامل، في وقت تتصاعد فيه الأزمة بين الحكومة والمتظاهرين.
اجتماع الحكومة
وبينما يصعد المتظاهرون حراكهم بالشارع، تعقد الحكومة اللبنانية اجتماعا هاما في قصر بعبدا في بيروت لبحث الأوضاع السياسية في البلاد، ولدراسة خطة إنقاذ اقترحها رئيس الحكومة سعد الحريري في اليومين الأخيرين لوضع حد للأزمة الاقتصادية الخانقة.
ونقل مراسل الجزيرة عن مصادر خاصة في بيروت أن الورقة تتضمن مساهمة مالية كبيرة من المصارف، بينها فرض ضرائب عليها وعلى شركات التأمين، وإلغاء مجالس حكومية، وتخفيض النفقات الاستثمارية، إضافة إلى تفعيل الالتزام الضريبي، ومنع التهريب عبر المعابر الشرعية وإقفال المعابر غير الشرعية.
كما شملت ورقة الحريري الاقتصادية -حسب ما أفاد به مراسل الجزيرة- اقتراحات لحل أزمة الكهرباء وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة وقانون حماية كاشفي الفساد، وخفض رواتب الوزراء والنواب الحاليين ما بين 40 و60%.
وقال مصدر في رئاسة الحكومة لوكالة الصحافة الفرنسية إن الحريري تلقى موافقة القوى السياسية الرئيسية لا سيما حزب الله وعون على خطته الإنقاذية التي تتضمن تدابير وإجراءات، من أبرزها عدم فرض أي ضرائب جديدة وخصخصة العديد من القطاعات.
وتنتهي مساء اليوم الاثنين مهلة 72 ساعة التي منحها رئيس الحكومة لـ"شركائه" في الحكومة، في إشارة إلى التيار الوطني الحر بزعامة الرئيس ميشال عون وحزب الله وحلفائهما الذين يملكون الأكثرية الوزارية، حتى يؤكدوا التزامهم بالمضي في رزمة إصلاحات إنقاذية.
رفع السرية عن الحسابات
وبالتزامن مع الاجتماع الحكومي الهام، قال الرئيس اللبناني إن الاحتجاجات التي تشهدها البلاد تعبّر عن آلام الناس لكن ليس من العدل توجيه الاتهام للجميع. واقترح في تغريدة على تويتر البدء باعتماد رفع السرية المصرفية عن حسابات كل من يتولى مسؤولية وزارية حاضرا أو مستقبلا.
ولا يزال التحرك غير المسبوق في لبنان متواصلا لليوم الخامس على التوالي على خلفية مطالب معيشية في بلد صغير تثقل المديونية والفساد والمحاصصة والوراثة السياسية كاهله، في وقت يتمسك فيه المتظاهرون بمطلب رحيل الطبقة السياسية، مستهزئين بكل ما يقدم من حلول "تخديرية".
وضمن ارتدادات الأزمة، هوت السندات الحكومية للبنان بمقدار سنت واحد أو أكثر اليوم الاثنين، حيث هوى إصدار 2025 بمقدار 1.34 سنت في الدولار ليجري تداوله عند 65.5 سنتا، حسبما أظهرته بيانات تريدويب، لتصل خسائر السندات في يومين إلى حوالي 4 سنتات.
الإصلاح أم الهاوية؟
واحتلت صور المظاهرات الحاشدة الصفحات الأولى لكافة الصحف المحلية الصادرة في لبنان. ونشرت صحيفة الأخبار القريبة من حزب الله صورة لمتظاهرين يحملون علما عملاقا على صفحتها الأولى مع تعليق "يوم الاختبار.. السلطة أم الناس؟".
وأوردت صحيفة دايلي ستار الناطقة بالإنجليزية "لبنان أمام خيارين.. الإصلاح أو الهاوية"، بينما تصدّر صحيفة الجمهورية تعليق "الشعب يكتب التاريخ".
واتخذت التحرّكات منحى تصاعديا منذ الخميس مع ازدياد أعداد المتظاهرين تباعا، في تحرك شل البلد وأغلق مؤسساته كافة. ويحمل المتظاهرون على الطبقة السياسية سوء إدارتها لشؤون البلاد وفسادها وعجزها عن إيجاد حلول لمشاكل متفاقمة منذ عقود.
وشكل سعي الحكومة لفرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات الهاتف المحمول الشرارة التي أطلقت هذه التحركات الغاضبة، إذ لم يعد بإمكان المواطنين تحمل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة.
وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) في القيام بإصلاحات بنيوية وتأهيل المرافق العامة وتحسين الخدمات والبنى التحتية. ويجد اللبناني نفسه مضطرا لأن يدفع كلفة الخدمات الأساسية مضاعفة كالكهرباء والمياه التي لا تتوفر دائما. كما تعد كلفة الاتصالات الخلوية في لبنان من الأكثر ارتفاعا في المنطقة.
وتعهدت الحكومة العام الماضي أمام المجتمع الدولي بتخفيض النفقات العامة وبمشاريع إصلاحية مقابل حصولها على قروض وهبات بقيمة 11.6 مليار دولار أقرها مؤتمر سيدر. إلا أن تباين وجهات النظر إزاء تطبيق هذه المشاريع والخلاف على الحصص والتعيينات داخل الحكومة، حالت دون وفاء الحكومة بالتزاماتها حتى الآن.
وكانت الحكومة في الأسابيع الأخيرة تدرس فرض سلسلة ضرائب جديدة تطال بمجملها جيوب الفقراء ومحدودي الدخل، عوضا عن وقف الهدر في بعض القطاعات ووضع حد للتعديات على الأملاك البحرية وإصلاحات قطاعات تكلف خزينة الدولة أموالاً طائلة.
أزمة نظام
وضاقت ساحات بيروت ومدن أخرى من شمالي البلاد حتى جنوبيها ببحر من المتظاهرين من مختلف الأعمار الذين رددوا هتافات بصوت واحد "الشعب يريد إسقاط النظام" و"كلهن يعني كلهن"، في إشارة إلى مطالبتهم برحيل كل الطبقة السياسية.
وبدت هذه التحركات غير مسبوقة ولم تستثن منطقة أو طائفة أو زعيما. وطالت هتافاتها وتصريحات المشاركين فيها الزعماء كافة وكسرت هيبة أحاطت بالقوى السياسية التي وجدت نفسها مضطرة لسماع صخب الشارع واتهامات قاسية بالسرقة والفساد ونهب مقدرات الدولة.