[ الطفل أحمد يحفر القبر ويجهزه لاستقبال جثمان أحد السوريين في ريف إدلب (الجزيرة) ]
مزيد من الألم تحتضنه سوريا، يتجسد في أطفال بات ارتباطهم بالموت أقرب منه للحياة، ففي كل صباح ينطلق الطفل أحمد الجاسم (15 عاما) مع شقيقه الصغير لحفر القبور بإحدى المناطق النائية في ريف إدلب شمالي سوريا، حاملا معوله ومجرفته بدلا من الكتب والدفاتر والأقلام مثل بقية أطفال العالم، لينجز مهمة لم يتخيل يوما أن يقوم بها في منطقة توصف بأنها الأكثر خطورة ودموية.
في انتظار الموت
بعد اختيار مكان القبر يهم الطفلان بالحفر، ونقل الأتربة منه وتجهيزه بطول وعرض مناسبين لاستقبال جثمان الميت القادم، أما العمق فيكون مترا أو مترا ونصف بحسب طلب ذوي المتوفى، وبعد الجهد والتعب ينال أحمد مبلغا من المال يتراوح ما بين ألف وثلاثة آلاف ليرة سورية (ما يعادل خمسة دولارات).
ويقول أحمد للجزيرة نت، إن يديه ترتجفان في بعض الأحيان عندما يجهز القبر للميت، لكنه لا يشعر بالخوف، لأن الموتى لا يمكنهم الحركة أو التكلم بل يجب الترحم عليهم وقراءة الفاتحة لهم وسقاية قبرهم بالماء بين الحين والآخر.
رجال صغار
منذ أكثر من عام غادر أحمد مدرسته في إدلب، لكي يحصل رزق أسرته "فالحياة صعبة وعبء المصاريف ثقيل" كما يقول، لذا لجأ إلى مساعدة ذوي الميت في حفر القبر بداية، ثم أصبح يعمل في هذه المهنة بنفسه وباتت مصدر عيشه وتأمين قوته اليومي.
ويمضي الطفل الصغير يومه رفقة أخيه في حفر القبور، بينما يتحلق بعض الأطفال حولهم من الذين يشدهم مشهد الحفر والدفن، ويذهلهم منظر الميت الراقد وهم في سن مبكرة من حياتهم، في بلد مزقته الحرب والصراعات العسكرية على النفوذ.
في إدلب يبدو المشهد كحالة تراجيديا وكوميديا سوداء، فرزق أحمد يزداد طردا مع مقتل المدنيين في المدن والبلدات القريبة من المقبرة التي يسكن بجانبها، نتيجة القصف العنيف الذي يشنه طيران النظام السوري والآخر الروسي على المنطقة الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
حلم انتهاء الكابوس
عن أحلام أحمد ورفاقه، يتمنى الطفل ذو الخمسة عشر عاما، أن يعود للمدرسة في قريته وتنتهي الحرب في سوريا ويتوقف القصف ضد المدنيين، ويعود كل النازحين إلى منازلهم ويغادرون الخيام قبل حلول الشتاء القادم.
ويقول أحمد العبيد (36 عاما)، نازح من ريف حماة ويقيم في خيمة قرب المقبرة، إن "معظم الأطفال في تجمع الخيام يعملون لمساعدة أسرهم، ويمتهنون مهن شاقة، نتيجة غلاء المعيشة أو وفاة الأب في المعارك أو القصف".
ويشير الشاب النازح إلى أن عمالة الأطفال هي ظاهرة تنامت بشكل واسع في معظم مخيمات النازحين السوريين في الشمال السوري، فمنهم من يبيع البسكويت والآخر يعمل في جمع الكرتون والبلاستيك لبيعه.
على هامش الحياة
أحمد ليس وحيدا في مصير الخروج من التعليم إذ يشاركه في ذلك أكثر من مليوني طفل سوري، أي أكثر من ثلث الأطفال السوريين، هم خارج المدرسة، إضافة إلى مليون طفل معرضون لخطر التسرب، وفق إحصاء لمنظمة الأمم المتحدة صدر في أغسطس/آب عام 2019.
وتشير بيانات المنظمة إلى أن 40% من البنية التحتية للمدارس في سوريا قد تعرض للضرر أو الدمار أثناء الحرب، في حين يحتاج واحد من بين ثمانية أطفال في كل صف دراسي إلى دعم نفسي واجتماعي مختص، لتحقيق التعلم الفعال.
في حين يعيش أكثر من 83% من السوريين تحت خط الفقر، مما يدفع بالأطفال إلى اتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة، مثل التوجه إلى عمالة الأطفال، وفق المنظمة الأممية.