[ ارشيف ]
لم يكن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه فرض السيادة على منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت في الضفة مجرد دعاية انتخابية، بل هو إعلان إسرائيلي عن موت وانتهاء حل الدولتين، ورفض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بحسب سياسيين وأكاديميين أردنيين.
وفي هذا الإطار دان وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، في بيان أمس، تصريحات نتنياهو واعتبرها "تصعيداً خطيراً ينسف الأسس التي قامت عليها العملية السلمية، ويدفع المنطقة برمتها نحو العنف وتأجيج الصراع، إضافة إلى أنها تعدّ خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وتوظيفاً انتخابياً سيكون ثمنه قتل العملية السلمية وتقويض حق المنطقة وشعوبها في تحقيق السلام".
من جهته قال الرئيس السابق للجمعية الأردنية للعلوم السياسية، والأستاذ الجامعي خالد شنيكات، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تصريحات نتنياهو تشكل ضربة إضافية وجديدة لفكرة حل الدولتين، مشيراً إلى أن تصريحات نتنياهو التي جاءت أمام تجمعات انتخابية لها دلالة زمانية موجهة للداخل الإسرائيلي والمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، فالرسالة للداخل تقول إنه الأقدر على تحقيق الحلم الإسرائيلي وتحقيق الأمن، والحفاظ على المستوطنات.
واعتبر شنيكات تصريحات نتنياهو "مداعبة لليمين المتطرف من أجل كسب المزيد من الأصوات، ولكن هذه التصريحات تخفي ما هو أعمق من ذلك، وهي فكرة حزب الليكود برفض حل الدولتين المستند إلى قرارات الشرعية الدولية".
ويضيف الأستاذ الجامعي أن "نتنياهو بهذا الإعلان إذا ما تم تنفيذه يكون قد دفن فكرة حل الدولتين إلى الأبد، ويكون أخذ قراراً حقيقياً برفض وجود دولة فلسطينية، فباستثناء ثلث أراضي الضفة (غور الأردن) والمستوطنات تتحول المدن الفلسطينية إلى كنتونات ليس أكثر، وأن فرص إقامة السلام على أساس حل الدولتين لم تعد مقبولة بالنسبة لإسرائيل، وعلى العرب القبول بصفقة القرن، خاصة أن إدارة دونالد ترامب قامت بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وهذا يعني عدم وجود دولة فلسطينية عاصمتها القدس".
ويسعى نتنياهو أيضاً، بحسب شنيكات، إلى ترسيخ فكرة أن على الأنظمة العربية التي راهنت على الحل السلمي وإيجاد دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية، أن تعي أن هذا الأمر مرفوض كلياً من قبل إسرائيل، وأن خيار الدولة الفلسطينيين أصبح بحكم المنتهي، نتنياهو يفكر حالياً في المشروع الإسرائيلي، وهذا المشروع لا يلقي بالاً للمصالح العربية أو حتى القرارات الدولية.
وزاد، "بهذا القرار يراهن نتنياهو على الزمن وتغير المواقف العربية، خاصة وأن عملية التطبيع تسير على قدم وساق، وحل الدولتين لم يعد أولوية عربية، خصوصاً أن صفقة القرن تتحدث عن ضمان المصالح الإسرائيلية وتحسين الحياة المعيشية للفلسطينيين فقط بدون الحديث عن جانب سياسي واضح فيما يتعلق بدولة فلسطينية".
ويؤكد المحلل السياسي والخبير بالشؤون الإسرائيلية أيمن الحنيطي، لـ"العربي الجديد"، أن الدبلوماسية الأردنية تعلم أن تصريحات نتنياهو لا تتعدّى الدعاية الانتخابية، مشيراً إلى أن موقف الأردن واضح في هذا الاتجاه والرد الأردني لم يكن فقط موجهاً إلى إسرائيل بل هو أيضاً رسالة إلى الطرف الأميركي، خاصة وأن موضوع الحدود من المواضيع العالقة ويجب أخذها بالحسبان في أي ترتيبات لصفقة القرن.
ويوضح الحنيطي أن رؤساء المستوطنات في إسرائيل رحّبوا بإعلان نتنياهو، لكن في الحقيقة هم كانوا ينتظرون تنفيذ هذا الوعد مباشرة، أما الحديث عن تنفيذ المخطط بعد النجاح في الانتخابات فهو يأتي كدعاية، فهذ الوعود الخاصة المتعلقة بالمستوطنات يطلقها نتنياهو منذ ما يزيد عن عشر سنوات.
ويتابع، أما بالنسبة لغور الأردن فإن هناك إجماعاً إسرائيلياً على الأهمية الأمنية له، ولا يختلف على ذلك اثنان في إسرائيل، حتى حزب أزرق أبيض المنافس لليكود.
ويضيف، يجب النظر إلى الموضوع من خلال الترتيبات التي تجرى في المنطقة، وما سيحدث في المستقبل القريب تحت ما يعرف، بصفقة القرن، مطالباً في هذا السياق عدم إغفال التغيرات والظرف الإقليمي والدولي، وما يتعلق أيضاً بالجانب الأميركي والإقالات والاستقالات التي حدثت في الإدارة الأميركية وآخرها إقالة جون بولتون.
ويرى الحنيطي أن الجانب الأميركي سيحاول إعادة النظر في العديد من المواقف تجاه إيران
وغيرها، ومن هذه المواقف ما يؤثر على صفقة القرن، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة إذا أرادت نجاح هذه الصفقة فيجب حضور جميع الأطراف، بمن فيهم الفلسطينيون.
ويقول إن فشل صفقة القرن غير مقبول أميركياً، فهم لا يوجد لديهم سوى هذه الخطة ويجب إنجاحها، ولا بد أن يشارك الفلسطينيون في الصفقة، مشيراً إلى أن الأسابيع المقبلة ستحمل تطورات كبيرة بعد إعلان نتائج الانتخابات الإسرائيلية، والتي سيم بعدها إعلان تفاصيل صفقة القرن.
أما القيادي البارز في "الحركة الإسلامية الأردنية"، زكي بني إرشيد، فيقول في حديث مع "العربي الجديد" إن نتنياهو يخوض معركة انتخابية قاسية جداً ويسعى لحسم تلك الانتخابات لصالحه كي يستطيع أن يشكل حكومة الأغلبية التي عجز عن تحقيقها في الانتخابات التي جرت قبل خمسة أشهر تقريباً، ويسعى في حملته الانتخابية إلى تأمين المكونات اليمينية الأكثر تطرفاً في المجتمع العبري.
ويوضح أن نتنياهو يواجه صراعاً سياسياً داخلياً، وعلى المستوى الإقليمي تعرّض الأمن الداخلي لاهتزاز نتيجة للاشتباك العسكري على الجبهة الشمالية مع حزب الله، وعلى الجبهة الجنوبية مع غزة. وفي هذا السياق تأتي تلك التصريحات المتعلقة بفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية.
ويشير بني إرشيد إلى أن نتنياهو يستغلّ وجود ترامب في البيت الأبيض الذي نقل السفارة الأميركية الى القدس واعترف بضم أراضي الجولان السورية المحتلة إلى إسرائيل، تمهيداً لإتمام مشروع صفقة القرن، في ظل حالة الضعف والتفكك العربي التي تغري نتنياهو لتنفيذ وعوده إذا فاز في الانتخابات، ما يعني ضرورة المراجعة الرسمية للدول العربية، وخصوصاً دول الطوق، وإعادة النظر في العلاقة مع العدو، بعد أن ثبت أن الاتفاقيات التي عقدت لم تُحترم وليست موضع التزام.