[ القيادة السعودية الحالية عززت النزعة الوطنية المفرطة لإصلاح علاقتها المتوترة مع المواطن السعودي (رويترز) ]
نشر موقع "ناشونال إنترست" مقالا للكاتب رايان بول، يقول فيه إن السعودية استبدلت نموذجا متطرفا في العلاقة بين الحاكم والمحكوم بنموذج متطرف آخر.
وحذر الكاتب من أن الرياض باتت تتبنى نزعة وطنية مفرطة كترياق لإصلاح العلاقة المتوترة بين حكامها ومحكوميها، بعد الوهن الذي أصاب ركائزها الدينية والاقتصادية الرئيسية.
وبينما تعكف السعودية على ضبط عقدها الاجتماعي بانعطافها نحو العصبية الوطنية وابتعادها عن الدينية، فإنها تنزع بذلك النفوذ من المتطرفين الدينيين الذين طالما ظلوا سمة لازمة لسمعتها وأمنها، وفقا لريان بوهل المحلل لدى مؤسسة ستراتفور للاستخبارات الخاصة التي تتخذ من مدينة أوستن بولاية تكساس الأميركية مقرا له.
نمط جديد
ويرى بوهل في مقاله أن السعودية باتباعها ذلك النهج إنما تعزز من "نمط جديد" للتطرف قوامه "المغالاة في الوطنية"، معتبرا أن هذه النزعة تشكل خطرا حقيقيا ليس لسمعتها فحسب، بل لجيرانها الخليجيين من ذوي العقلية المستقلة ولجوانب من علاقاتها "الحساسة" مع الغرب.
ويقول المحلل السياسي الأميركي في مقاله إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومعاونيه المغالين في نزعتهم الوطنية من أمثال المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني وعملائه في مركز الدراسات والشؤون الإعلامية، يشنون حملة بعيدة الأثر ضد الناشطين والأكاديميين والشخصيات المؤثرة والعامة من أجل إحداث تحول سريع في العقد الاجتماعي نحو قومية أو عصبية وطنية بعد أن كان أساسه الدين والقبيلة.
وينوه بوهل إلى أن الولاء القديم للمؤسسة الدينية ساهم في تعزيز عرى العلاقة بين المجتمع السعودي والنظام الملكي، إلا أن نزعة التدين بدأ يطرأ عليها التغيير مما قوض القدرة السياسية لعلماء الدين في حشد الأتباع إلى جانبهم.
الوطنية المفرطة
ويرى الكاتب أن القومية أو العصبية الوطنية مفهوم حديث نسبيا في السعودية. فملوكها السابقون اعتبروها "شغفا خطيرا" معاديا للملكية ومناصرا للقومية العربية التي تبناها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.
بيد أن السعودية باتت الآن تتبنى مفهوم الوطنية المفرطة لتقوية عقدها الاجتماعي، بنظر كاتب المقال. وعلى صلة وثيقة بهذا الأمر، تتعاظم حركة قومية مفرطة قوامها رجال معظمهم من الشباب الذين "يتجولون" بين وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية.
ويعتقد بوهل أن أولئك الشبان يساهمون في صياغة الرواية السعودية للأحداث وتحديد خطوط حمراء جديدة يتحتم على الرياض وضعها في الاعتبار عند رسم سياستها.
إذكاء جذوة التوتر
ففي عام 2018 وحده، تسبب أولئك الشباب في إذكاء جذوة التوتر بين السعودية وكندا، وهللوا لاعتقال ناشطات حقوق الإنسان السعوديات، وأشادوا بالإعدامات الجماعية لمعارضين سياسيين، وساقوا المبررات لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية بإسطنبول، وأثاروا التوترات مع إيران.
وبحسب الكاتب فإن هؤلاء "المتعصبين الوطنيين" أثبتوا أنهم يشكلون خطرا على سمعة السعودية وسياستها في ظل سعيها لجذب استثمارات أجنبية وصون تحالفاتها الإستراتيجية.
ويمضي الكاتب إلى التنبيه بأن المتعصبين الوطنيين السعوديين أظهروا تشددا إزاء بعض دول الجوار الخليجي، كما هو الحال في حصار قطر، وأضحى من العسير إخماد روح التعصب تلك إذا أرادت الرياض يوما التوصل إلى حل لمشكلة الحصار مع الدوحة.
ويتوقع بوهل أن تتعرض كل من سلطنة عمان والكويت في المستقبل لسخط أولئك المتعصبين الوطنيين السعوديين، مشيرا إلى أن السلطان قابوس بن سعيد على وجه الخصوص سيرزح تحت وطأة ضغوط الرياض وهو "الذي اتسمت مواقفه بالاستقلالية لا سيما مع إيران وقطر".
أما الكويت التي لديها نزاع حدودي طال أمده مع السعودية فستجد نفسها مضطرة للتعامل مع تدخلات المتعصبين السعوديين بصورة لم تكن حاضرة من قبل.
ويخلص الكاتب إلى أن حلفاء السعودية قد يكتشفون أنه كلما ترسخت العصبية الوطنية في السعودية أصبحت عقول مسؤوليها منغلقة.