[ كتائب القسام تمكنت من تطوير طائرات مسيرة أحدثت فرقا في الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي (الجزيرة) ]
طرح إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي -قبل بضعة أيام- عن مخطط لإقامة جدار أمني جديد، في العمق الإسرائيلي وقرب بلدات حدودية متاخمة للسياج الأمني مع قطاع غزة، ليضاف إلى جدار آخر تعكف على تشييده منذ بضعة أشهر، فضلا عن الجدار البحري شمال القطاع، تساؤلات حول قدرة المقاومة على تجاوز هذه المعوقات وخلق البدائل.
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الجدار الجديد يهدف أساسا إلى توفير الحماية للبلدات والشوارع الإسرائيلية القريبة من الحدود، وتحصينها من الصواريخ المضادة للدروع، ومنع عمليات التسلل المتكررة من قطاع غزة.
وكشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن أن الجدار الجديد، سيكلف ملايين الدولارات، وسيكون بطول ستة أمتار فوق الأرض ومثلها تحت الأرض.
وكانت إسرائيل شرعت في شهر مايو/أيار الماضي في إقامة جدار خرساني في المنطقة المكشوفة على السياج الأمني شمال القطاع، بعد نجاح المقاومة في تنفيذ عملية نوعية باستخدام صاروخ "كورنيت" موجه استهدف سيارة عسكرية إسرائيلية مباشرة.
كما نشرت القناة العاشرة الإسرائيلية صورا ومقطع فيديو للجدار المائي الذي بناه جيش الاحتلال داخل الحدود البحرية الشمالية للقطاع، بهدف منع المقاومة من التسلل إلى المناطق الساحلية الإسرائيلية، على غرار عملية التسلل النوعية التي نفذتها عناصر من وحدة الكوماندوز البحري التابعة لكتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة عام 2014.
وتزامن إعلان إسرائيل عن بناء الجدار الجديد مع نجاح طائرتين مسيّرتين تابعتين لكتائب القسام في اختراق الحدود، والعودة إلى القطاع بسلام.
وقال مقاومون وخبراء للجزيرة نت، إن الطائرات المسيّرة تعتبر أحدث أدوات المقاومة في غزة، التي تعمل باستمرار على تطوير قدراتها للتغلب على التحصينات الإسرائيلية، بما فيها الجدر، ولتحقيق توازن الردع في أي مواجهة عسكرية مقبلة.
وقال قائد ميداني في كتائب القسام يكنى بـ "أبو مصعب"، للجزيرة نت، إن المقاومة جرّبت عمليا القدرة الهجومية للطائرة المسيّرة خلال جولة التصعيد في مايو/أيار الماضي، حيث نجحت في استهداف مباشر لآليات عسكرية إسرائيلية على حدود القطاع.
ورغم إقرار أبو مصعب بأن بناء إسرائيل للجدر حول غزة "يعيق إلى حد ما عمل المقاومة"، فإنه شدد على أن المقاومة لا تتوقف عن تطوير قدراتها العسكرية، لتجاوز المعوقات والرد على أي محاولات إسرائيلية للاعتداء على غزة، وأبرزها تطوير منظومة الطائرات المسيّرة.
وكانت كتائب القسام أعلنت في بيان رسمي عام 2014 ولأول مرة عن نجاح مهندسيها في تصنيع طائرات دون طيار تحمل اسم "أبابيل1"، وقد أنتجت منها ثلاثة نماذج، الأول: طائرة A1A وهي ذات مهام استطلاعية، والثاني: طائرة A1B وهي ذات مهام هجومية (إلقاء)، أما الثالث: طائرة A1C وهي ذات مهام هجومية انتحارية.
ورفض أبو مصعب الإفصاح عن معلومات حول التطور الذي وصلت إليه منظومة هذه الطائرات -خلال السنوات القليلة الماضية- التي تنسب كتائب القسام فضل إطلاق نواتها الأولى للمهندس التونسي محمد الزواري، الذي اغتيل في تونس عام 2015، ويتهم الموساد الإسرائيلي بالوقوف وراء ذلك.
وأكد أن المقاومة تقيّم أداءها وقدراتها باستمرار، وتحديدا بعد المواجهات الكبيرة مع الاحتلال، مثلما حدث بعد الحربين الأولى والثانية عامي 2008 و2012، ليفاجأ الاحتلال في الحرب الثالثة عام 2014 بالأنفاق الهجومية، وراجمات الصواريخ من تحت الأرض، وطول مدى الصواريخ، ووحدة الكوماندوز البحري التي نفذت عملية نوعية في العمق الإسرائيلي بالتسلل عبر البحر.
وشدد أبو مصعب على أن إسرائيل لن تستطيع حماية نفسها بهذه الجدران التي تبنيها حول غزة، وكما فشلت في تركيع غزة بالحصار على مدار 13 عاما، وفشل منظومة القبة الحديدية في التصدي لصواريخ المقاومة، فإنها ستنفق الملايين على جدران ستنهار أمام "عبقرية المقاومة".
وحول ارتباط بناء الجدر باحتمالية شن إسرائيل حربا جديدة على غزة، قال أبو مصعب إن إسرائيل باتت تدرك أن أي حرب لن تكون نزهة، وقد جربت ذلك في جولة التصعيد الأخيرة، التي نجحت المقاومة خلالها عبر غرفة العمليات المشتركة في إطلاق مئات الصواريخ خلال وقت قصير، فضلا عن عمليتي الطائرة المسيّرة والكورنيت النوعيتين.
وأكد الخبير العسكري الفلسطيني اللواء المتقاعد واصف عريقات أن بناء إسرائيل للجدر حول غزة لن يحقق لها الأمن بنسبة 100%، ففي الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل الملايين على بناء هذه الجدر، فإن مقاومة غزة أثبتت أنها لا تتوقف عن البحث المستمر لتطوير قدراتها للتغلب على المعوقات رغم الحصار وقلة الامكانيات.
وقال عريقات للجزيرة نت، إن إسرائيل تعمل على بيع الوهم للمستوطنين، خصوصا سكان ما يسمى غلاف غزة، بأن بناء الجدر سيوفر لهم الأمن والأمان، غير أن هذا الوهم سيتبدد في أول مواجهة عسكرية، وسيجد المستوطنون أنفسهم مجبرين على الرحيل أو الاحتماء بالملاجئ.
ويعتقد عريقات أن الطائرات المسيّرة ستكون أحد أبرز العناوين في المواجهة المقبلة بين إسرائيل والمقاومة في غزة، مثلما كانت الأنفاق الهجومية الأبرز في الحرب الماضية.
واعتبر نجاح المقاومة في إطلاق الطائرات المسيّرة واستخدامها سواء لأغراض التصوير والرقابة أو للأغراض الهجومية تطورا نوعيا كبيرا، وسيحقق توازنا غير مسبوق، رغم القوة التدميرية الهائلة التي تمتلكها إسرائيل، مقارنة مع فصائل مقاومة توظف إمكانياتها البسيطة للدفاع عن نفسها وعن شعبها.
وقال الخبير في الشؤون الإسرائيلية مؤمن مقداد للجزيرة نت، إن إسرائيل شرعت في بناء جدار تحت الأرض بعد انتهاء الحرب عام 2014، بهدف محاربة الأنفاق الهجومية، ورغم أنها تعوّل عليه كثيرا، لكنها لم تختبره حتى الآن.
ورأى مقداد في سياسة بناء الجدر حول غزة مجرد "دعاية" من جانب إسرائيل، موجهة تحديدا لمستوطني غلاف غزة، بأن الجيش يعمل بشكل كبير ومستمر للحد من الخطر القادم من غزة، لكن هذه الدعاية لن تتحول إلى قناعة وواقع قبل اندلاع مواجهة كبيرة مع غزة.
ويعتقد مقداد أن المقاومة التي نجحت في تطوير طائرات مسيّرة واستخدامها في استهداف دبابة إسرائيلية، وكذلك في التسلل عبر البحر رغم الرقابة الصارمة على مدار الساعة من الزوارق الحربية الإسرائيلية، قادرة على إيجاد البدائل التي تتناسب مع المتغيرات في الميدان.