[ مواطن سوري وتبدو عليه اثار الضعف بسبب الجوع ]
وضع مقاتلو حزب الله تسعيرة للمبادلة على حواجزهم التي تطبق على مضايا، القرية السورية في القلمون الغربي مبادلة بندقية مقابل عشرة كيلوغرامات من الطعام، دراجة نارية مقابل 10 كيلو اخرى، سيارة مقابل 15 كليوغرام
للوهلة الاولى يبدو ان العناصر هؤلاء يسعون الى تجريد المنطقة من سلاحها، ولكن في الحقيقة لقد دب الفساد واستحوذت تجارة الحرب على عناصر الحزب، سواء اكانت قيادته تعلم بالامر ام لا، فلا فرق، لقد غرق الحزب في تجارة الدم والموت، واصبح شبيها الى حد بعيد بالنظام السوري وبحزب البعث نفسه.
على ابواب مضايا المحاصرة يتم تسلم السيارات، والدراجات النارية، والبنادق، وكل ما يمكن ان يخطر على بال، مقابل بضعة كيلوغرامات من الطعام. عناصر الحزب تعيد بيع ما تقايضه بالطعام لاي راغب سوري بالشراء، البنادق والدراجات النارية والسيارات، والادوات المنزلية الكهربائية بضائع رائجة في سوريا، واقتناء سيارة لم يعد بحاجة لاوراق رسمية بحال كنت تتمتع بحماية احدى المليشيات في سوريا او كنت على علاقة وطيدة بمخابرات النظام واجهزته العسكرية.
اما اهالي مضايا فقد ذاقوا الامرين من الحصار الذي تجاوزت ايامه المئتين، البلدة كانت تضم 16 الف قاطن، ومع اشتداد المعارك في محيطها وسقوط البلدات في القلمون بيد حزب الله بدأت تستقبل وافدين من القرى المحيطة، حتى باتت تضم اكثر من 40 الفا من السكان.
والان بدأ الموت يحصد الرجال والنساء والاطفال، و”حال الثوار كحال كل الناس” يقول ابو عمر، احد الموجودين في مضايا واللاجئين اليها من قرية اخرى تعرضت للقصف والتهجير منذ اشهر.
لم يعضنا الجوع فقط، لقد انهكنا، واصبح الناس يهيمون في الشواع نهارا، بحجة البحث عن طعام، ثم يعودون الى منازلهم بعد ان يهدهم التعب ليناموا دون التفكير بالجوع او البرد” يقول الشاب الذي يعلم ان مصيره بحال خروجه من البلدة الاعتقال، والتعذيب او التطويع بالقوة في جيش النظام.
منذ بداية الثورة عملت الى جانب الثوار، واستشهد ثلاثة من اخوتي، وثم استشهد والدي، وتركت عائلتي في مكان ما، ولجأت الى مضايا، ودارت بي الايام وها انا محاصر هنا، واعاني الجوع” يقول ابو عمر، “لم يكن الدخول سهلا، الا ان ضابطا في جيش النظام مكنني من الدخول دون التفتيش في اوراقي”.
صباحا يستيقظ ابو عمر، ويتجه الى السوق في القرية، التي اصبحت تضم حوالي اربعين الفا من السوريين اغلبهم من اللاجئين من القرى المحيطة، وشأنه كشأن اغلب المتواجدين في السوق، يسير من هنا الى هناك بحثا عن شيء يمكن شراؤه، وطبعا قلما يجد شيئا في الاسواق، بعض اوراق العريش، او حتى اوراق شجر التوت، تعرض للبيع، ويشتري كل ما يقدر عليه.
في الصباح يتناول اهل مضايا وسكانها بعض البهارات المغلية بالماء”، يقول ابو عمر، “ليس في مضايا كهرباء، ولا وسائل تدفئة، حتى الحطب لم يعد متوفرا، وطبعا لا يوجد وقود او مازوت، الماء متوفر لحسن الحظ، والجميع يطهي البهارات، او اوراق الشجر بالماء”.
يتناول الاطفال الماء المغلي والبهارات كطعام افطار، ومنذ ان بدأت هدنة الزبداني توقف القصف، فراح الاهل يرسلون ابناءهم الى المدارس.
الناس ترسل الاطفال الى المدارس ليس لتحصيل العلم، بل لدفعهم الى الخروج من المنازل، ولتركهم يتعبون قبل العودة الى المنزل والنوم دون السؤال عن طعام او دفء”، ولكن هذا الاسلوب لم يعد ناجحا، فحتى المدارس لا تستقبل الاطفال اكثر من ساعتين يوميا، فلا قدرة لاحد على تحمل اطفال يعانون من الجوع.
في الشوارع تجد كل الناس مثلي، يسيرون باحثين عن رز، او برغل، وطبعا الكل يعلم انه لن يجد شيئا، ولكن نهيم على وجوهنا لننسى جوعنا، ولنتعب حتى نعود ونتمكن من النوم، وهناك دائما من يحاول التوجه الى الحواجز لاستجداء الطعام من جنود النظام او من عناصر حزب الله” يقول ابو عمر.
تتجه امرأة مع طفلها الى احد حواجز النظام المحيطة بالقرية، تستجدي رغيف خبز للطفل، فيجيبها العنصر على الحاجز “لا علاقة لنا، اذهبي الى عناصر حزب الله” وحين تصر على الطلب يصرخ فيها “عودي الى زريبتكم” يصرخ الطفل ما ان يبتعد عن الحاجز، يطلب الطعام من امه، تضيق الام ذرعا به، يعود ليصرخ “انا جائع”، تجيبه “حين نصل الى المنزل تنام”، يصرخ الطفل الجائع “منذ اربعة ايام لم تطعميني، انا جائع ولا اقدر ان انام”.
الغداء في مضايا هو ورق عنب مسلوق بالماء، او ورق شجر التوت مسلوق، وبعد الغداء انتفت عادة شرب الشاي السورية. “كيلوغرام السكر بـ 60 الف ليرة سورية (153 دولار اميركي )، وهو ما لا يتحمله احد تقريبا في مضايا. ومن كان يدخن اوقف عادة التدخين، فقد اصبح سعر علبة الدخان 12 الف ليرة سورية (30 دولار اميركي).
يتعب الناس من السير في الشوارع في القرية، البعض يهيم على وجهه دون وجهة، واخرون يتحركون بحثا عما يقيت اطفالهم، وعندما يشتد اليأس يحاول البعض الخروج تسللا من القرية، فتصطادهم نيران قناصة حزب الله، او ينفجر بهم احد الالغام الستة الاف المحيطة بحقول القرية وتلالها، ويفقد المحظوظين منهم اطرافهم، بينما يقتل الاقل حظا على الفور دون ان يجدوا من يسعفهم.
محاولات الفرار اكثر من ان تعد، احد سكان مضايا يقول ان المحاولات الناجحة نادرة، الالغام تتكفل بقتل من يحاول الخروج، ومن يتجاوز الالغام سيجد قناصة يردونه بطلقة، وكأنهم يتمرنون على صيد الارانب.
وعلى الرغم من ان القرية لا تتعرض للقصف، الا انها تعيش واقعا اسوأ من القصف، البعض في مضايا يناشد ربه بعد الصلاة باسقاط وقف اطلاق النار وخرق الهدنة، “الموت في القصف وتحت البراميل المتفجرة اسهل مما نعيشه” يقول ابو عمر.
وبحال ارادت عائلة مكونة من ستة اشخاص ان تتناول طعامها بشكل طبيعي في مضايا اليوم كما كانت تفعل قبل الحصار المستمر منذ اكثر من 200 يوم، فان كلفة ذلك ستكون حاليا 400 الف ليرة سورية يوميا (1000 دولار اميركي)، وهو ما لا يتوافر لاي عائلة موجودة في المنطقة.
مقاتلو الجيش الحر ايضا يعانون كباقي السكان، بدأت العلاقة بين السكان والمقاتلين بالتراجع، علما ان المقاتل يعيش على البهارات المغلية مع الماء واوراق الشجر، ولكن ثمة ما يدفع السكان الى اعتبار ابنائهم الذين يحملون السلاح، مسؤولين ايضا عما الت اليه الامور.
يطلق ابناء مضايا واللاجئين اليها اسم تجار الدم على بعض من قيادات المجموعات المقاتلة، وبعض المدنيين الذين امتهنوا شراء المواد المهربة، او المبادلة مع عناصر حزب الله بالمال والسلع، هؤلاء التجار هم من يشكلون اليوم الفئة الثرية في القرية، ويعيشون بحماية بعض قادة الجيش الحر، بينما ينظر اليهم السكان بصفتهم مصاصي دماء يتعيشون ويثرون من موت الالاف جوعا تحت حصار خانق.
لم يبق الكثير لتناوله على مائد الطعام في مضايا، منذ ايام قليلة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صورة قط يذبح، ونسبت الصورة الى سكان من مضايا يعزمون على تناول القط المذبوح.
نحن نتناول لحم الكلاب والقطط” يقول ابو عمر، “صورة القط المذبوح صحيحة، لقد اقمنا وليمة على لحم هذا القط، لم يعد يمكننا توفير اي شيء، لقد توقفت الاعمال منذ اكثر من سبعة اشهر، وما كان متوفرا من اموال يكاد ينفد لدى الجميع، بعض التحويلات تصل عبر تجار الموت، ولكن لا شيء يسد الرمق، واذا توفر المال فلن تجد ما تشتريه به”.