[ الادعاء السعودي طالب بالقتل تعزيرا لبعض المعتقلين (مواقع التواصل الاجتماعي) ]
منذ حملة الاعتقالات المكثفة التي طالت كثيرا من رموز التيار الإسلامي بفرعيه السني والشيعي، وكذلك التيار الليبرالي، والحكومة السعودية تصم آذانها عن كل الأصوات الحقوقية والإنسانية المنددة بما يجري في معتقلاتها بحق المئات من أولئك الرموز المجتمعية، دون توجيه تهم واضحة مقنعة، ودون إعطاء المعتقلين أبسط حقوقهم المتمثلة في اختيار محامي دفاع، أو على أقل تقدير حقهم في محاكمات علنية وشفافة.
فقد امتدت حملة الاعتقالات في 2017 إلى العديد من رموز التيار الإصلاحي وعدد من التيار الليبرالي، في ظل تسريبات متعددة عن عزم الحكومة السعودية تطبيق عقوبة الإعدام في أعداد منهم تعزيرا، بعد أن ساق الادعاء العام السعودي تهما سياسية بحقهم، ورفعها لقضاء يشتبه في انحيازه التام للقرار السياسي.
من تلك التهم، التحريض على الخروج على ولي الأمر وولي عهده، والتشكيك في الذمم، والإساءة للمسؤولين في الدولة، والاستهزاء بهيئة كبار العلماء والتشكيك في أمانتها وأن أعضاءها ما هم إلا مجرد أدوات للسلطة.
وأيضا السعي لغرس بذور الفتنة والانشقاق في المجتمع، ووصف نظام الحكم السعودي بأنه نظام أمني قمعي قائم على الظلم والقمع ويتستر بالدين، إلى آخر قائمة طويلة عريضة من التهم التي لا يتسع المجال لعرضها هنا، دون معرفة مدى توافق ذلك الحكم مع تلك التهم، ومدى وجود ضمانات محاكمة عادلة، خاصة تلك الواردة في القانون الدولي، أو مدى موافقتها لأحكام وروح الشريعة الإسلامية السمحة.
وبحسب متابعة المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان للكثير من المحاكمات في السعودية بشكل عام، ومحاكمات بعض ضحايا الإعدامات التي نفذت يوم 23 أبريل/نيسان 2019، فقد أكدت المنظمة ابتعاد القضاء في السعودية وبشكل كبير عن شروط ومبادئ المحاكمات العادلة، رغم عديد النداءات الدولية التي طالبت الحكومة بإعادة المحاكمات نتيجة للعيوب العميقة فيها وعدم استقلال القضاء.
وقد نشرت المنظمة مقارنة لأرقام الإعدامات المنفذة في السعودية في سنوات حكم الملك سلمان الخمس منذ بدايته وحتى 23 أبريل/نيسان الماضي، حيث نفذت 68 حكما بالإعدام في العام 2015، و86 حكما في 2016، وانخفض في 2017 إلى 33 حكما ليقفز مجددا في 2018 إلى 48، ليرتفع ارتفاعا كبيرا هذا العام ليبلغ عدد إعدامات حتى أبريل/نيسان الماضي 107، من بينهم أطفال قاصرون ونساء ومتظاهرون وناشطون وغيرهم.
دوامة الصمت
التسريبات الأخيرة التي نشرها موقع "ميدل إيست آي" البريطاني يوم أمس الثلاثاء عن نية وعزم الحكومة السعودية إنزال عقوبة الإعدام بثلاثة من أبرز رموز تيار الصحوة الإسلامية، وهم الشيخ الدكتور سلمان العودة، والشيخ الدكتور عوض القرني، والشيخ الدكتور علي العمري، بعد انتهاء شهر رمضان، إنما هي جزء من تطبيق عملي لما تسمى في الإعلام "نظرية دوامة الصمت".
إذ تدور هذه النظرية حول قيام أي نظام حاكم مسيطر على وسائل الإعلام في بلده، بدفع تلك الوسائل نحو تبني آراء أو اتجاهات معينة خلال مدة زمنية محددة، تجعل بالتالي معظم الأفراد يتحركون في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام، ليتكّون كمحصلة نهائية رأي عام يتسق ويتوافق مع الأفكار التي يدعمها الإعلام، والتي هي أفكار السلطة أو النظام الحاكم.
هذه أولى النتائج، أما ثانيها فهي أن تدفع الأفراد المعارضين للقضية أو الاتجاه الذي عليه المجتمع، إلى أن يتخذون موقف الصمت تجنبا لاضطهاد المجتمع ومن قبله الدولة، وخشية كذلك العزلة الاجتماعية التي ربما يتبعها حرمان من حقوق أخرى كالوظيفة وما شابهها، فيكون قرار تلك الفئة الرافضة هو السكوت أو الصمت الذي -رغم ذلك- صار في عرف الأنظمة القمعية دليلا على الرفض الموجب للعقوبة أيضا!
وهذا الذي حدث مع كثيرين ممن شملتهم حملة اعتقالات 2017 من رموز تيار الصحوة، ممن لم تُعرف عنهم مناكفات أو معارضات لتوجهات وسياسات الحكومة، ومع ذلك لم ترحمهم جرافة الاعتقال، فحملتهم مع أصحاب الأصوات العالية إلى غياهب السجن، بانتظار ما تعزم الحكومة فعله بهم، خاصة وأن الأجواء المتوترة بالمنطقة ربما تساعد على تسريع تنفيذ الحكومة السعودية لحكم الإعدام في البعض.
هذا الأمر يستوجب استنفارا دوليا يوقف آلة الإعدام السعودية ويكبحها، وضرورة عدم تمكينها من انتهاز فرصة انشغال الشرق والغرب بمصالحهم ونفط الخليج، على حساب أرواح أبناء الخليج التي قد تُزهق في أي لحظة.