علقت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير على الأحداث المتتالية في السودان قائلة إن الكفاح مستمر بين الزمرة العسكرية التي تحاول التمسك بالسلطة والمحتجين الذين يواصلون مسيراتهم اليومية. وقالت إن الشعب أطاح بقائدين وهو يأمل بإسقاط ثالث.
ووصف التقرير مشهد الاعتصام الحافل بالنشاط والموسيقى، الشعر والخطب النارية والأغاني الوطنية بالإضافة للألوان والأعلام السودانية المرسومة على الوجوه والأصدقاء الذين يلتقطون صورا لبعضهم البعض يسجلون التاريخ، ويطلقون عليه في الخرطوم اعتصاما/جلوسا لكن في المكان كل شيء متحرك. وكانت الاحتجاجات المستمرة على مدى أشهر هي التي أدت لإنهاء حكم عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ عام 1989 حيث أطاح الجيش به في 11 نيسان (إبريل) وفي اليوم التالي اجبر خليفته على الاستقالة.
واليوم يطالب الشارع السوداني بـ “سقوط ثالث” وهو المجلس العسكري الانتقالي والذي يقود البلاد، ويقول أبو ذر عوض، المهندس البالغ من العمر 31 عاما “علينا مواصلة الضغط” و “إلا فلن يمنحنا الجيش حقوقنا”.
ويقول الجيش إنه مستعد للتشارك في السلطة مع حكومة انتقالية ولفترة محددة يتم فيها التحضير للانتخابات الرئاسية. ولا أحد يشك في رغبة الجيش مواصلة إدارة البلاد. ولهذا السبب علق تجمع المهنيين السودانيين المحادثات مع المجلس العسكري الانتقالي في 21 نيسان (إبريل). وقال إسماعيل التاج، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين “نريد من الجيش حماية البلاد لا حكمه”. واستؤنفت المحادثات في 24 نيسان (إبريل) حيث أعلن متحدث باسم المجلس العسكري عن اتفاق الطرفين على معظم المطالب. وقام المجلس في بادرة حسن نية بعزل ثلاثة جنرالات مرتبطين بالبشير.
رئيس المجلس الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي مترددان في التخلي عن السلطة.
وتم تشكيل لجنة مشتركة لإدارة التفاوض. مع أن معظم الأمور لا تزال غامضة منها علاقة الحكومة الانتقالية بالجنرالات.
ولاحظت المجلة فراغا سياسيا في الجانب المدني، فقد كافح تجمع المهنيين السودانيين للاتفاق على زعيم واحد ومن يجب أن يكون جزءا في الحكومة الجديدة. وفي الوقت نفسه تحاول جماعات المعارضة التي تعمل تحت مظلة “ائتلاف الحرية والتغيير” التنافس على موقع. وقال عثمان ميرغني، محرر صحيفة سودانية “حتى تكون هناك خطة واضحة فالجيش سيسطر على الحكم”.
يقول دبلوماسي غربي إن حميدتي الذي يقود ميليشيا ويعتقد أنه أقوى أعضاء المجلس “يلعب لعبة” من خلال الإيحاء للمتظاهرين أنه معهم على أمل أن يؤمن المنصب القيادي للدولة.
وقال دبلوماسي غربي أن رئيس المجلس الجنرال عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي مترددان في التخلي عن السلطة. ويقول دبلوماسي غربي إن حميدتي الذي يقود ميليشيا ويعتقد أنه أقوى أعضاء المجلس “يلعب لعبة” من خلال الإيحاء للمتظاهرين أنه معهم على أمل أن يؤمن المنصب القيادي للدولة. وترى المجلة أن الزمرة الحاكمة لديها الكثير لتخسره، فنسبة النفقات العسكرية للحكومة تتراوح ما بين 65-70% مقارنة مع 5% تخصص من الميزانية لقطاع الصحة والتعليم. وتدير العائلات المرتبطة بالجيش والأمن الأعمال التجارية والفساد مستشر.
وتقول المجلة إن الدول الجارة تحاول مساعدة المجلس العسكري الانتقالي على التمسك بالسلطة. ففي 21 نيسان (إبريل) قدمت السعودية والإمارات 3 مليارات دولار منها 500 مليون دولار كوديعة في البنك المركزي. وفي لقاء عقد في القاهرة يوم 23 نيسان (إبريل) وترأسه عبد الفتاح السيسي الذي يترأس هذا العام الاتحاد الإفريقي وتمت فيه الموافقة على منح المجلس العسكري 3 أشهر لنقل السلطة إلى المدنيين. وترى مصر والسعودية والإمارات فرصا في اضطرابات السودان.
ربما اعتقد المجلس العسكري أنه قادر على شراء الوقت وإنهاك المحتجين إلا ان الاعتصام لا يظهر أي إشارة عن التعب، بل وعلى العكس تنمو حركتة.
وخرج حزب المؤتمر الوطني الذي قاده البشير من الحركة الإسلامية السودانية التي يمقتها الثلاثي هذا. وهي ترى فرصة في إبعاد السودان عن المحور التركي-القطري المتعاطف مع الإسلاميين. ويريد الثلاثي القضاء على أي أمل بربيع عربي جديد. وقال دبلوماسي آخر إن ما تقدمه السعودية ومصر والإمارات “ليس مساعدة”. ودعت الترويكا المكونة من أمريكا وبريطانيا والنرويج إلى التفاوض بين الجيش والمحتجين.
وأن يقوم تجمع المهنيين السودانيين بإعادة النظر في مطالبه، مثل تشكيل حكومة انتقالية بقيادة المدنيين لمدة أربعة أعوام حتى ينضج المناخ السياسي. وربما اعتقد المجلس العسكري أنه قادر على شراء الوقت وإنهاك المحتجين إلا ان الاعتصام لا يظهر أي إشارة عن التعب، بل وعلى العكس تنمو الحركة. فعندما وصل قطار عطبرة التي تبعد 200 ميل عن الخرطوم يوم 23 نيسان (إبريل) خرج الألاف لاستقباله. وكانت عرباته مزدحمة بالركاب مثل قطارات طوكيو ولكن بحشد أكثر فرحا ونشوة.
وفي 25 نيسان (إبريل) نظمت في العاصمة مليونية تعتبر الأضخم حتى الآن. وتقول المجلة إن طليعة حركة الاحتجاج هم الشباب، لكن هذه ليست ثورة أحداث. ويقف الآباء والأمهات وراء الثورة. ويقول عبد العزيز محمد خير، 65 عاما وعمل في البنك المركزي 21 عاما “كل النظام السابق فاسد ولو لم تكن فاسدا لما بقيت في مكتبك” و “لكن الشباب لا يقبلون بهذا” ويشارك ابنه الأمين وابنته روان في الاعتصام رغم تحذيره لهما. و “لكنهما كان مستعدان للموت من أجل الوطن”.