[ الشباب المصري كان البطل الرئيسي في ثورة 25 يناير/كانون الأول وفي كل الأحداث بعد الانقلاب العسكري (الجزيرة) ]
يبدو المشهد في غاية الغرابة، شباب مبتسم للكاميرات ورئيس الجمهورية يعدهم بمستقبل مشرق، في حين يقبع غيرهم داخل السجون بتهم سياسية عقابا لهم على الحلم بمستقبل مشرق، وشباب آخر يلهث وراء لقمة العيش وتوفير أقل سقف من الاحتياجات المعيشية دون أي تطلعات للمستقبل.
فقبل أيام، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ملتقى الشباب العربي الأفريقي الأول، في مدينة أسوان، بحضور وفود من الشباب الذين استمعوا مع ابتسامات عريضة لنصائح الرجل حول مستقبل البحث العلمي.
ذلك الملتقى هو نتاج دعوة أطلقها السيسي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لجعل مدينة أسوان (جنوبي مصر) عاصمة للشباب الأفريقي.
والمشهد على غرابته يبدو نتاجا منطقيا لسياسات السلطة الحالية التي اتخذت أكثر من طريق لتفريق الشباب عن نظرة موحدة ووطنية للمستقبل، وذلك عبر مثلث: المؤتمرات والقمع والجوع.
وحسب إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد الشباب المصري في الفئة العمرية بين 18 و29 سنة نحو 19.9 مليون شاب بنسبة 21% من إجمالي عدد سكان مصر البالغ نحو 95 مليون نسمة في تعداد عام 2017.
مؤتمرات
تدرك السلطة الحالية جيدا أن الانطلاقة الأولى لثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 كانت بناء على دعوات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لذا كان من الضروري اتباع إستراتيجية تهدف إلى نقل من يمكن تطويعهم من الشباب من الشارع إلى قاعات مكيفة.
ولذلك انطلقت ما سمته الرئاسة مؤتمرات الشباب في أكتوبر/تشرين الأول 2016، فعقُد المؤتمر الوطني الأول للشباب بمدينة شرم الشيخ بمشاركة أكثر من ثلاثة آلاف شاب.
وحتى الآن، عقدت ثمانية مؤتمرات للشباب بين محافظات القاهرة والإسماعيلية وأسوان والإسكندرية وشرم الشيخ.
وخلال ملتقى الشباب العربي الأفريقي، قال السيسي إن مؤتمر الشباب الأول كان منصة رائعة للتواصل مع الشباب بشكل مباشر، وهو ما دفع لتكرار عقده.
وتابع السيسي "كانت لدي مشكلة في مخاطبة شباب مصر، لكن فكرة مؤتمرات الشباب بدأت في التطور ومن المفترض الحفاظ على دورية انعقادها كل ثلاثة أشهر، لأن الفكرة رائعة، وتسمح بالاستماع لأفكار الشباب".
ومن هذه المؤتمرات تولدت فكرة البرنامج الرئاسي لتأهيل وتدريب الشباب، التي بدورها تطورت إلى أكاديمية لتأهيل وتدريب الشباب "حتى يكون للدارسين فيها فرصة لمستقبل أفضل، والاستعانة بهم للوظائف القيادية في الدولة"، وفق قول السيسي.
القمع
وبينما تناقش الرئاسة مع بعض الشباب مستقبلهم ومآلات المشروعات الاقتصادية التي تنفذها السلطة، يقبع آلاف الشباب المعتقلين في سجون النظام.
وتقدر بعض من المنظمات الحقوقية عدد المعتقلين في مصر بنحو ستين ألف معتقل، نسبة كبيرة منهم من فئة الشباب، فضلا عن مئات من الشباب الذين صدرت ضدهم أحكام الإعدام، وهناك عشرات نُفذ بالفعل بحقهم الإعدام في قضايا بعضها لم يُنه كل درجات التقاضي حتى الآن.
ومن ذلك، تنفيذ حكم الإعدام الشهر الماضي بحق تسعة شباب أكبرهم لم يتم الثلاثين عاما، بتهمة التورط في قتل النائب العام السابق هشام بركات.
وفي تقرير لها بعنوان "مصر.. جيل من الشباب النشطاء في السجون ضمن محاولة لقمع المعارضة"، ذكرت منظمة العفو الدولية أن شباب مصر بعد ثورة 25 يناير حظوا بإشادة قادة البلاد العسكريين وشركائها الدوليين على السواء، باعتبارهم منارة الأمل للبلاد وقوة دافعة حاسمة نحو التغيير.
وأوضحت أن كثيرا من هؤلاء النشطاء الشبان باتوا وراء القضبان "في ظل دلائل على أن مصر عادت إلى دولة تقوم على القمع بلا كلل"، حسب ما جاء في التقرير.
ولفتت إلى أن القابعين وراء القضبان يتراوحون بين زعماء للحركة الشبابية الذين حظوا بإشادة دولية، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وطلاب قُبِض عليهم لمجرد ارتدائهم قمصانا عليها شعارات مناهضة للتعذيب.
الجوع
المثلث الشبابي يكتمل بضلع أكبر يضم ملايين الشبان الذين يلهثون الآن وراء توفير الاحتياجات الأساسية، حيث بات الحلم والمستقبل هو مجرد الحصول على وظيفة والقدرة على تغطية تكلفة الزواج.
الخناق على هذا الضلع يضيق بفعل سياسات اقتصادية يتبناها النظام، ووصفها مراقبون بالفاشلة في حل المشكلة التي تعانيها البلاد، ويدلل على ذلك ارتفاع أرقام البطالة والتضخم والدين الداخلي والخارجي.
وتوضح آخر إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن "الدخل والإنفاق في الأسرة المصرية"، صدرت في يوليو/تموز 2016؛ أن معدلات الفقر وصلت في 2015 إلى 27.8% أي نحو 25 مليون مصري تحت خط الفقر.
وحسب الإحصائية، يعيش نحو 5.3% من السكان تحت خط الفقر المدقع أي 4.7 ملايين مواطن.
ولم يصدر جهاز التعبئة والإحصاء أي إحصاءات تخص رصد معدلات الفقر منذ ثلاث سنوات.
انتقام من الشباب
ويقول أحمد البقري النائب السابق لرئيس اتحاد طلاب مصر إن السيسي ومنذ يومه الأول في حكم مصر يهين الشباب، ويتعمد إهدار كرامتهم، محاولا قتل روح الثورة داخلهم.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه رغم مجهوده الكبير في توجيه الدفة لصالحه من خلال اعتقال الشباب وإعدامهم، فشل في استقطاب القطاع الشبابي؛ مما جعله يلجأ للمؤتمرات في محاولة منه لتجميل وجهه أمامهم.
وتابع البقري "هذا النظام هو العدو الأول للشباب؛ قتل أحلامهم واغتصب إرادتهم وصادر مستقبلهم وأجهز على ثورتهم".
ووصف المجموعة التي تحضر مؤتمرات السيسي بالمصفقين والمطبلين للنظام، وأنها لا تمثل الشباب المصري، "ويتم اختيارهم وفقا للتدقيق الأمني بعد عملية فلترة كبيرة"، بحسب وصفه.
وتساءل البقري مستنكرا: "أي مستقبل للشباب في عهد السيسي في ظل رؤيته لخريجي الجامعات أن يعملوا على عربات خضار أو عربات نقل؟" في إشارة منه إلى مشروع توفير عربات خضار لشباب الخريجين الذي أطلقه السيسي إبان ترشحه للرئاسة للمرة الأولى عام 2014.