بعد توتر مستتر وحالة شد وجذب، دخلت العلاقات المغربية السعودية منعطفا جديدا بعد قرار المغرب استدعاء سفيره لدى الرياض للتشاور، جاء ذلك بعد أيام على عرض قناة العربية السعودية تقريرا حول الصحراء الغربية تدعم مزاعم بأن المغرب قام بغزوها بعد أن غادر المستعمر الإسباني عام 1975.
وفي الوقت الذي لم يصدر أي بلاغ رسمي من البلدين، أكد السفير المغربي مصطفى المنصوري في تصريحات صحفية استدعاءه إلى الرباط منذ ثلاثة أيام، معتبرا أن "الأمر يعتبر عاديا في العلاقات الدبلوماسية حينما تعبرها بعض السحب الباردة".
وبالموازاة مع استدعاء السفير، أعلن مسؤولون حكوميون لوكالة أسوشيتد برس الانسحاب من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
واعتبر رئيس المركز الدولي لتحليل المؤشرات العامة محمد بودن أن استدعاء السفير للتشاور دليل على أن مؤشر العلاقات بين البلدين ليس في أحسن أحواله، موضحا للجزيرة نت أن هذه الخطوة تعتبر بالأعراف الدبلوماسية من "الإجراءات الحادة".
إعادة تقييم
وبحسب مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح فإن انسحاب المغرب من حرب اليمن لم يكن مفاجئا، مشيرا إلى تلميح وزير الخارجية ناصر بوريطة لهذا القرار في حوار أجراه الشهر الماضي مع قناة الجزيرة الإخبارية.
وقال بوريطة في المقابلة إن مشاركة بلاده في حرب اليمن "تغيرت" مشيرا إلى عدم مشاركتهم بالاجتماعات الوزارية والمناورات العسكرية الأخيرة للتحالف.
وعاد مصباح ليقول إن الانسحاب من التحالف هذا التوقيت مرتبط بإعادة التقييم للعلاقات مع الرياض الذي أظهر أن العلاقة مبنية على مصالح غير متبادلة بين الطرفين، فالمغرب لم يستفد من دخوله تلك الحرب بل خسر سمعته وخسر أيضا أحد جنوده.
بينما اعتبر بودن أن انزلاق التحالف العربي عن أهدافه -المتمثلة في حماية الشرعية باليمن وتطبيق القانون الدولي وحماية المنطقة من التمدد الإيراني- جعل المغرب يتخذ قرارا سياديا بالانسحاب خاصة مع الوضع الكارثي في اليمن إنسانيا وأمنيا وميدانيا.
وأضاف أن المغاربة لا يمكنهم أن يقدموا تضحيات أكبر من أجل سياسات خارجية معينة أو رؤى، أو تصورات للمنطقة تبتغي تحقيق الريادة الإقليمية أو بناء قيادة جديدة.
أزمات صامتة
وبسبب التزام الرباط الحياد في الأزمة الخليجية، شهدت العلاقات مع الرياض خلال العام الماضي أزمات صامتة ظهرت مؤشراتها بعدد من المحطات، دون أن تصدر تصريحات رسمية من الجانبين حولها.
وقررت السعودية والإمارات التصويت ضد الملف المغربي لاستضافة نهائيات كأس العالم 2026، في وقت كانت الرباط تعول على الأصوات العربية لتجاوز الملف الأميركي الكندي المكسيكي المشترك.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، كان المغرب البلد الوحيد الذي لم يزره ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال جولة قام بها لمنطقة شمال أفريقيا بعد تفجر قضية مقتل جمال خاشقجي، وفسر وزير الخارجية المغربي في مقابلته مع الجزيرة عدم زيارة بن سلمان لبلاده بأسباب لها علاقة بالبروتوكول.
نقطة تحول
ويرى مصباح أن العلاقة بين هذين البلدين اتسمت بالفتور منذ وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وصعود نجم بن سلمان، والسبب يرجع أساسا لسياسات هذا الأخير التي وصفها بـ "عدم القدرة على التنبؤ".
وأشار إلى أن من أسباب هذا الفتور عدم التزام الرياض وأبو ظبي بأداء الوعود المالية التي تعهدت بها للمغرب، وبحسب موازنة 2019 فقد تراجعت موارد التعاون الخليجي إلى مئتي مليون دولار بدل خمسمئة مليون سنة 2018، مما أدى لتفاقم عجز الموازنة.
وكان مجلس التعاون الخليجي قد تبنى -بدورته الـ 32 التي شهدتها الرياض عام 2011- قرارا بمنح المغرب هبة خمس مليارات دولار في ست سنوات بهدف تمويل مشاريع تنموية.
غير أن النقطة التي أفاضت الكأس -في نظر مصباح- وشكلت نقطة تحول هي التقرير الذي بثته قناة العربية حول الصحراء، وهي القضية التي يعتبرها المغرب خطا أحمرا وقضية وجودية.
ومع ذلك، يرى بودن أن العلاقات بين البلدين تاريخية وإستراتيجية، معتبرا أن بلوغها حافة الأزمة وحالة من الارتباك منذ حوالي سنة "مرتبط بالمرحلة الانتقالية والتحولات التي تشهدها السعودية منذ تولي بن سلمان ولاية العهد