[ السعودية تواجه عاصفة دولية.. كيف ستخرج منها؟ ]
تدور سلسلة من المؤشرات حول توقُّع حدوث تغيير داخل منظومة الحكم بالمملكة العربية السعودية؛ فمن جهة أبقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الباب مفتوحاً في قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، ملمحاً إلى وجود أدلة تدين شخصية كبيرة بالجريمة، اعتبرها "رأس الهرم" بالسلطة، ومن جهة أخرى طَرَق باب "التحقيق الدولي".
الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كرر في أكثر من مناسبةٍ فكرة ضلوع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في قتل خاشقجي، وذلك على الرغم من إعلان الرياض اعتقال 18 شخصاً روَّجت لفكرة أنهم جميع المتورطين في العملية، كما أن الرواية التي نشرتها عن تفاصيل الجريمة لم تقنع المجتمع الدولي، وصدرت على أثرها العديد من المواقف المطالبة بإجراء تحقيق شفاف.
ترامب نفسه، الذي يمنِّي نفسه بأن تنتهي القضية سريعاً حفاظاً على مكاسبه من الصفقات العسكرية التي عقدها مع ولي العهد السعودي، يتعرض لضغوط في ظل تزايُد الدعوات في الأوساط السياسية الأمريكية لعزل محمد بن سلمان؛ لأنه "أصبح عبئاً على الإدارة الأمريكية"؛ ما دفع ترامب أمام هذه الضغوط لتشديد لهجته مع الرياض.
وكان آخر تصريح لترامب بشأن الأزمة، خلال مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" نُشرت الأربعاء )24 أكتوبر(، من داخل البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن، وجاء رداً على سؤال عما إذا كان ولي العهد السعودي متورطاً في العملية أم لا، فأجاب: "الشخص الذي يدير مثل هذه الأمور بالسعودية على هذا المستوى، هو الأمير محمد؛ ومن ثم إذا كان هناك أحد له علاقة بالحادث فسيكون هو".
مَن أمرهم بقتل جمال؟
لعل هذا السؤال، الذي طرحه الرئيس التركي في خطابه يوم الثلاثاء )23 أكتوبر(، يمثل لب القضية، إلا أن أردوغان لا ينتظر من الملك سلمان الكشف سريعاً عن المتورط وإعلان اسمه صراحة، بقدر ما يعنيه اتخاذ إجراء عقابي يليق بالجريمة، وليدفن الطرف الآخر هذا الأمر، بالطريقة التي يراها مناسبة.
وكما يبدو؛ فإن أردوغان وضع، بلغته الدبلوماسية، التي فهمها البعض، خيارين أمام الملك سلمان، أحلاهما مُر؛ فإما أن يتم اتخاذ إجراء مناسب يتمثل بعزل ولي العهد السعودي، وهو الخيار الذي لمَّح إليه دون تصريح بالطريقة الداخلية التي يراها (الملك سلمان) لتحفظ بلده من أي هزات مستقبلية بسبب القضية، وإما أن يتم طرقُ باب المحاكم الدولية وتقديم الأدلة المرئية والصوتية إليها، والتي قد تعرّض مكانة المملكة للخطر وتدين نجله.
تتحرك تركيا في هذا الملف بأريحية كبيرة؛ فليس لديها ما تخسره، فالجريمة ارتُكبت داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، كما أن الواقعة ثابتة وباعتراف الرياض، بخلاف محاولاتها السابقة للترويج بأن خاشقجي قُتل خارج القنصلية لتوريط أنقرة، وفي حين أن القتيل مواطن سعودي بالنهاية، بقي لأنقرة أن ما حصل إهانة للدولة وللدبلوماسية العالمية، بعد أن استُخدم مقر القنصلية لتنفيذ جريمة قتل بشعة، ولا بد من رد الاعتبار.
مهلة الشهر .. ولماذا؟
السعودية طلبت، بحسب ما كشفه الرئيس الأمريكي لوسائل الإعلام، مهلة مدتها شهر كامل للكشف عن ملابسات قضية اغتيال جمال خاشقجي. إلا أن ترامب قال إن هذه المهلة "طويلة جداً، ولا يوجد سبب لذلك"، على حد تعبيره.
اللافت في هذا الطلب أن من كشف النقاب عنه ليس الرياض؛ بل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان رئيسها مباشرة، كما أنه طلب شبه منتهٍ، فبحسب ما أعلنته السعودية في بياناتها، تم الكشف عن جميع المتهمين الـ18، ومن بينهم شخصيات كبيرة بالديوان الملكي وجهاز الاستخبارات العامة وأجهزة أمنية أخرى، ولم يبقَ إلا محاسبة المتورطين.
كما أن الطلب السعودي جاء بعد نحو ثلاثة أسابيع من جريمة اغتيال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر الجاري، حيث كانت فتحت تحقيقات داخلية، كما شاركت في التحقيقات مع أجهزة الأمن التركية بالقضية.
ويرى بعض المحللين أن المهلة التي طلبها الملك سلمان من ترامب تتعلق بترتيب البيت الداخلي السعودي، وتكهنت بعض المصادر الغربية وأخرى في المعارضة السعودية، في حديثها لـ"الخليج أونلاين"، بأنها قد تكون من أجل تنحية ولي العهد واختيار بديل له، لا سيما أن بقاءه يشوّه سمعة المملكة ويهز صورتها ومكانتها في العالم. وسيتأكد هذا الأمر في حال كانت أنقرة أطلعت الملك سلمان، بالفعل، على أدلة دامغة تدين نجله.
صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية نقلت، مؤخراً، عن مصدر دبلوماسي سعودي قوله إن هيئة البيعة في السعودية اجتمعت سراً لاختيار ولي لولي العهد. وقالت الصحيفة إنه في ضوء الضغوط الدولية المتزايدة التي سبَّبها مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بدأت هيئة البيعة منذ أيام، النظر -وبأعلى درجات الاهتمام- فيما سمتها "قضية محمد بن سلمان الذي تحوم حوله الشكوك".
أدلة وصلت للرياض
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنّ الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة والمبعوث الشخصي للملك سلمان، استمع في أنقرة إلى تسجيل صوتي يدحض الرواية السعودية التي تشير إلى أنّ خاشقجي قُتل إثر "شجار" داخل القنصلية، ويكشف حقيقة تعرُّضه للقتل؛ ومن ثم تقطيع جثته.
واستندت الصحيفة الأمريكية في معلوماتها إلى تصريحات مصدرين تقول إنهما ينتميان إلى العائلة المالكة في السعودية (لم تكشف عن هويتهما).
وقبل نحو عشرة أيام؛ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أنّ خالد الفيصل عاد إلى الرياض بعد زيارة غير معلنة لأنقرة، برسالة "قاتمة" للعائلة المالكة، وقال لأقاربه: إنه "من الصعب حقاً الخروج من هذا (قضية مقتل خاشقجي)". ونقلت الصحيفة ما قاله "الفيصل" بناء على تصريحات أحد الأقارب، الذي تحدث مع الأول حول القضية بعد عودته من تركيا.
سيناريو وردي و"انقلاب أبيض"
لعل من بين السيناريوهات، التي يصفها البعض بـ"الوردية"، أن يكون محمد بن سلمان هو الشخص "الذي يتحمل مسؤولية أخطاء من يعملون معه"، ويطلب خلال "مهلة الشهر" التنحي على خلفية هذه الفضيحة، دون إدانته أو توجيه أي تهمة إليه، ووضع حد للأزمة بتثبيت التهم على الفريق المنفِّذ للجريمة.
قد يبدو هذا أحد الحلول، لكن الآخرين يعتبرونه بعيد المنال، لا سيما أن محمد بن سلمان يتمتع بصلاحيات واسعة في بلاده؛ بل هو قادر على عزل والده وتولي الحكم عنوة، سواء تم له ذلك بطريقة "طبيعية"، أو من خلال تنفيذ "انقلاب أبيض".
في حين من المحتمل أن يلجأ العاهل السعودي، في السيناريو الثالث، إلى تقليص حجم الصلاحيات الواسعة التي يتمتّع بها ولي العهد والحد من سلطاته، وإجراء تعديلات تضمن توزيع السلطات على دائرة أوسع من الأمراء؛ دون تلبية الملك لدعوات تنحية ولي العهد واستبداله، كما تدعو لذلك أوساط سياسية متنفذة في الكونغرس الأمريكي، وبعض قيادات الدول الأوروبية.
غير أن مثل هذا السيناريو سيكون مؤقتاً، خصوصاً أنه سيبقى بن سلمان ولياً للعهد وسيستلم الحكم بعد والده، لكن السؤال الأهم هو: هل تصمد الرياض أمام هذه العاصفة العالمية ضدها؟ أم ستنتهج السياسة التي أعلنها مجلس الوزراء السعودي، معقباً على قضية خاشقجي حرفياً: "سنحاسب كائناً من كان"؟