[ كيف أصبحت قصور السعودية وقنصلياتها كمائن لاصطياد المعارضين؟ ]
في العام الماضي تحدث المستشار بالديوان الملكي السعودي سعود القحطاني عن إعادة فتح باب الاغتيالات بحق المعارضين، ثم جاءت حادثة اختفاء جمال خاشقجي لتعيد هذا الملف المثير للجدل إلى الواجهة من جديد، حيث نفذت السلطات في السعودية عمليات قتل وخطف أكثر من مرة بحق أمراء ومعارضين على مدار العقود الماضية.
ويبدو أن خاشقجي وقع في الفخ ذاته الذي نصبه النظام السعودي سابقا لمعارضين وأمراء، وتمكن من الإيقاع بهم عبر سياسة الاستدراج والخطف واستعمال القصور والسفارات والقنصليات مراكز للغدر بالخصوم قتلا واختطافا وفق ما يقول معارضون.
بين خاشقجي وبن تركي
ويعد الاختفاء عقب الخطف مصيرا كثيرا ما انتهى له مصير عدد ممن اختطفهم النظام السعودي، كحادثة الأمير سلطان بن تركي الذي اختطف من جنيف عام 2003ثم اختفى وانقطعت أخباره لاحقا.
ومع أن قصة سلطان بن تركي ليست الوحيدة، فإن تفاصيل اختطافه عقب استدراجه وتخديره تشبه إلى حد كبير ما تعرض له خاشقجي، بيد أن الأخير قتل بقنصلية بلاده في إسطنبول وفقا لما يتردد حتى الآن من تسريبات.
وبالمقارنة بين القصتين يبدو عبد العزيز الابن المدلل للملك الراحل فهد بن عبد العزيز بطل قصة الأمير بن تركي، بينما يبدو محمد الابن المدلل للملك الحالي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده بطل قصة خاشقجي.
كما تتشابه القصتان في أن الأميرين استعملا "الغدر" -وفقا لرأي معارضين- وسيلة لاستدراج الرجلين خطفا أو قتلا، كما استعملا مباني وهيئات رسمية لذات المهمة.
وكان خطأ المغدورين في الحالتين -وفقا لما يقول معارضون- أنهما أحسنا الظن بمن تواصلوا معهما في الحالتين: فالأمير سلطان ظن أن قصر الملك في جنيف مكان آمن، قبل أن يتبين له لاحقا خلاف ذلك.
كذلك أخطأ خاشقجي بظنه أن شرا لن يصيبه في قنصلية بلاده، ولكنه فقد وربما قتل فيها وفقا للرواية الأمنية التركية.
وتستذكر الأكاديمية والمعارِضة السعودية مضاوي الرشيد قصص اختفاء المعارضين السعوديين المثيرة، وتلفت إلى أن العودة لتلك الأحداث تجعل المراقب يفهم بوضوح حادثة خاشقجي، فتاريخ آل سعود -وفقا لها- مليء بجرائم الاختطاف والاغتيال.
وتقول الرشيد -في حديث للجزيرة نت بلندن- إن الأمير سلطان بن تركي كانت لديه تحفظات على النظام وكان يشارك في إذاعة الإصلاح ثم استدرج في جنيف إلى قصر الملك للقاء ابنه أحمد، والاطمئنان على عمه حيث كان الملك فهد يعالج، ليتعرض سلطان للتخدير والاختطاف، حيث تم نقله إلى الرياض ثم وضع عقبها في إقامة جبرية، قبل أن يختفي تماما.
وتقول أيضا إن خاشقجي استدرج كذلك للقنصلية في إسطنبول لأخذ الورقة التي يريدها لإنجاز معاملة زواج، إلا أنه دخل المبنى ولم يخرج منه.
وتضيف أنه ربما يصبح مصيره مجهولا تماما ولا يعرف أحد حقيقة ما جرى معه إذا لم تتحدث السعودية وتقر بما جرى، وإذا لم تتمكن تركيا من بث صور لرفاته، ليكون مصيره شبيها بمصير المعارض السعودي ناصر السعيد الذي اختطف في بيروت وحتى هذه اللحظة لا أحد يعرف ما الذي جرى معه بالضبط.
وسردت الرشيد تاريخ النظام السعودي في الاختطاف والاغتيالات مستذكرة ما جرى مؤخرا مع الأمير نواف الرشيد الذي استدرج للكويت واختطف أو سلم للرياض.
قصر.. وقنصلية
كما تحدثت عن قصة اختفاء الأمير سلطان بن تركي، وأشارت إلى أنه صبيحة 12 يونيو/حزيران 2003، كان الأمير سلطان بن تركي يركب سيارة قادته إلى قصر الملك فهد بضواحي مدينة جنيف في سويسرا حيث كان عمه الملك الراحل فهد يتلقى العلاج.
وتضيف: استدعاه عبد العزيز بن فهد لتناول الفطور ليتم تخديره ونقله للرياض عقب مداهمة رجال ملثمين للغرفة التي كان يجلس فيها بالقصر، ثم شرعوا في ضرب سلطان وكبلوه ثم غرزوا إبرة في عنقه.
وبالعودة لما تعرض له خاشقجي، قال الرشيد -في حديثها للجزيرة نت- إنها حتى الآن لا تستطيع الجزم إن كان الصحفي تعرض لعملية اختطاف أم اغتيال، إلا أن المؤكد أن أصابع الاتهام وراء اختفائه تشير لتورط السعودية في تلك الجريمة أيا كانت خطفا أو اغتيالا، وينبغي ملاحقة النظام ومعاقبته عليها، واستحضرت ما جرى للأمير نواف الرشيد داعية الدول المعنية لكشف مصيره.
سياسة مستمرة
وفي الوقت الذي كانت فيه الرشيد تتحدث للجزيرة، كان الصحفي بيل ترو يكتب عن اختفاء خمسة أمراء آخرين، فتحت عنوان "اختفاء أمراء بعد حديثهم عن اختفاء صحفي" كتب ترو بصحيفة "آي" يقول إن خمسة أمراء سعوديين على الأقل اختفوا الأسبوع الماضي، ومكانهم غير معروف حاليا لحديثهم ضد اختفاء خاشقجي.
ونسب الصحفي للأمير خالد بن فرحان آل سعود قوله إنه منذ 5 أيام فقط ذهب 5 أمراء لزيارة الملك سلمان حيث أعربوا عن خشيتهم على مستقبل أسرة آل سعود وذكروا قضية خاشقجي، ونهاية المطاف ألقي بهم جميعا في السجن.
ورغم الزخم الذي أخذته الآن قصة الاختطافات والاغتيالات التي تتهم السلطات السعودية بالمسؤولية عنها، لا تبدو الرشيد متفائلة بجدية المجتمع الدولي والأميركي بشكل خاص في إنهائها ووقف السعودية عند حدها.
وتشير إلى أن الرياض قتلت كثيرا من اليمنيين، ولكن أميركا لم تغير سياستها تجاهها، لأن ترامب غير مستعد للتضحية بمليارات السعودية من أجل حقوق الإنسان.