أواخر نوفمبر الماضي، نشرت مصادر صحفية عربية أنباء عن انسحاب القوات الإماراتية من معارك تحرير تعز اليمنية، وقد تزامنت هذه الأنباء مع هجوم كبير لوزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي «أنور قرقاش» على التجمع اليمني للإصلاح، الفرع اليمني للإخوان المسلمين، متهما إياهم بعرقلة تحرير تعز، في الوقت الذي أشارت فيه المصادر الصحفية أن الانسحاب الإماراتي (المزعوم) من تعز يأتي إثر خلافات مع لجان المقاومة الشعبية في المدينة التي تقول الإمارات أن تجمع الإصلاح يسيطر عليها.
تحوم العديد من الشكوك حول حقيقة ودوافع المشاركة الإماراتية في العملية عاصفة الحزم منذ انطلاقها في مارس/آذار الماضي، برغم إعلان الإمارات مشاركتها بـ30 طائرة مقاتلة جعلت منها المشارك الأكبر في العمليات الجوية خلف المملكة العربية السعودية، إلا أن الإمارات قد شاركت في الحرب محملة بمخاوفها الخاصة أيضا. ووفقا للكاتب البريطاني «ديفيد هيرست» فإن نجاحا سريعا للحملة السعودية في اليمن من شأنه أن يعزز «علاقة الرياض مع أنقرة، وسيقود إلى مرحلة جديدة من التحالف بين البلدين، ولكن هذه المرة في سوريا»، وهو ما يبدو أن الإمارات لم تكن راغبة في حدوثه، فضلا عن أن أي عمليات برية قد تجعل التحالف العربي مضطرا من جديد للتعامل مع التجمع اليمني للإصلاح، وهو ما يعد أحد الخطوط الحمراء الإماراتية.
وأشار «هيرست» في ذلك الحين أن العلاقات بين السعوديين والإماراتيين، ليست في أفضل أحوالها، وأن أيا منهما «لا يبذل جهدا لإيقاف التدهور الحادث في العلاقات». وأضاف «هيرست» أن الملك «سلمان» ليس راغبا في استرضاء الإمارات، «لأنه يعرف معرفة يقينية بارتباطاتهم بعلي عبد الله صالح وبابنه أحمد»، ما جعل الإماراتيين يتوجسون من عواقب النجاح السعودي في اليمن، الذي قد يؤدي بدوره إلى حدوث تغيير في التحالفات الاستراتيجية، قد ينتج عنه دخول السعودية في حلف مع تركيا، بحسب قوله.
وتحتضن العاصمة الإماراتية أبوظبي أفرادا من عائلة الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح» كما أنها استضافت نجل «صالح» في أعقاب إبعاده عن السعودية. ورغم مشاركتها في العملية «عاصفة الحزم» التي تهدف بالأساس إلى إعادة شرعية الرئيس اليمني «عبدربه منصور هادي»، فإن الإمارات قد سبق لها أن رفضت طلبا لـ«هادي» نفسه برفع الحصانة عن نجل «صالح» ومنعه من العمل كسفير لديها. بل إن الأمور ربما تكون قد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، بعدما أشرت تقارير صحفية أن ولي عهد أبوظبي «محمد بن زايد» قد قام بترسيب موعد عملية عاصفة الحزم إلى المخلوع «صالح» ما أنقذه من الموت حين تم قصف منزله ومنزل نجله بطائرات التحالف. هذا غير تشكيك مصادر مقربة من السلطة في الإمارات في العملية عاصفة الحزم وجدواها، ومنهم نائب رئيس شرطة دبي المثير للجدل «ضاحي خلفان»، إضافة إلى الأكاديمي الإماراتي «عبدالخالق عبد الله» الذي يرجح أنه يعمل مستشارا لولي عهد أبوظبي.
ورغم أن الإمارات نادرا من تشارك بقواتها البرية في صراعات خارجية، إلا أنها قد قررت في أغسطس/آب الماضي الدفع بـ3 آلاف جندي إماراتي إلى اليمن وفقا لصحيفة «فاينانشيال تايمز». وقد أشارت الصحيفة أن التقدم البري في جنوب اليمن قد تم التخطيط له بشكل كبير بواسطة الإماراتيين. حيث يرى مراقبون أن تقدم الحوثيين للسيطرة على المواني الاستراتيجية قد تسبب في الإخلال بحالة التوازن التي تسعى إليها الإمارات في اليمن. إلا أن الخلافات سرعان ما بدأت تدب إلى السطح من جديد بعد استعانة السعودية بـ«نايف البكري» في منصب محافظ عدن، وهو أحد القيادات المحسوبة على تجمع الإصلاح، ومن بعده رفض الإمارات تسمية «حمود المخلافي» كمحافظ لتعز. قبل أن تتفاقم الخلافات بين الطرفين حول هوية فصائل المقاومة الشعبية التي تشكو الإمارات من سيطرة الإخوان عليها في بعض المحافظات خلافا لرغبتها.
وقد كان هذا الخلاف السعودي الإماراتي موضعا لتناول العديد من الساسة والأكاديميين في دول الخليج، ومنهم الأكاديمي الكويتي المعروف «عبد الله النفيسي» الذي وجه تساؤلا في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» حول عضو في التحالف وصفه بأنه مدمر يؤخر تحرير اليمن، وينسق مع الرئيس المخلوع علي «عبدالله صالح» والحوثيين في إشارة واضحة إلى الإمارات العربية المتحدة.
من اليمن إلى سوريا
يبدو أن ساحة الخلاف السعودي الإماراتي ليست قاصرة على اليمن فقط، وأن السجال العلني ربما يمتد إلى ساحات أخرى. مؤخرا وصفت الإمارات العربية المتحدة، على لسان «أنور قرقاش»، وزير الدولة للشؤون الخارجية، القصف الروسي لتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا بأنه «قصف لعدو مشترك»، وهو ما يعني مباركة الإمارات الضمنية للتدخل العسكري الروسي في سوريا. من الجدير بالذكر أن هذا التصريح الإماراتي لم يكن الإشارة الأولى للخلاف مع النهج السعودي في سوريا، والذي بدأت تظهر بوادره في الأشهر الأخيرة من العام الماضي (2014)، حينما أعلنت صحف غربية أن الولايات المتحدة قد وقعت عقوبات على شركات إماراتية بسبب تعاملها مع نظام «الأسد» وتزويده بمعدات استخدمها في حروبه في سوريا. إضافة إلى ذلك فقد قامت الإمارات في قائمتها للإرهاب المثيرة للجدل بتصنيف بعض فصائل المعارضة السورية، التي تتلقى دعما سعوديا على قوائم الإرهاب، وعلى رأسها حركة «أحرار الشام» وهي حركة سورية غير مرتبطة سواء بتنظيم القاعدة أو تنظيم «الدولة الإسلامية».
جدير بالذكر أن الإمارات العربية المتحدة لم تكن بين الموقعين على البيان المشترك الذي دعا روسيا إلى وقف استهداف المعارضة السورية والمدنيين، والذي حمل توقيع السعودية وقطر وتركيا إضافة إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. وفي هذا الصدد أيضا فإنه لا يمكن تجاهل التصريحات الإماراتية المثيرة للجدل التي اعتبرت إسقاط تركيا للطائرة الروسية ضمن الأعمال الإرهابية، إذ صرح وزير الخارجية الإماراتي «عبد الله بن زايد» أن الإمارات تستنكر «الأعمال الإرهابية التي شهدتها كثير من الدول في الآونة الأخيرة، وخاصة الطائرة الروسية التي سقطت فوق سيناء وحادثة إسقاط المقاتلة العسكرية الروسية في سوريا».
في تفسير التوجهات الإماراتية والسعودية
ثمة عدة مقاربات حاكمة تحكم وجهات النظر لدى صناع القرار في كل من السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تدفعهما إلى مواقف مختلفة في الآونة الأخيرة، من ناحية فإنه رغم التجاذب المستمر بن الإمارات وإيران على خلفية قضية الجزر الثلاث إلا أن العلاقات بين البلدين، وبخاصة العلاقات الاقتصادية تشهد تناميا ملحوظا، فوفقا لبيانات عام 2013، فإن الإمارات تستضيف قرابة 400 ألف إيراني على أراضيها بينهم نسبة كبيرة من التجار ورجال الأعمال ، وتوجد 8 آلاف شركة إيرانية تعمل في الإمارات بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات، والمعدات المنزلية. كما تستأثر الإمارات بما نسته 80% من المعاملات التجارية بين إيران دول الخليج. وقد أبدت الإمارات بدورها مرونة أكبر فيما يخص موقفها من اتفاق إيران النووي، بما يعني أن دولة الإمارات العربية المتحدة ربما تكون محملة بمخاوف أقل تجاه تمدد النفوذ الإيراني ما يؤثر على مواقفها في اليمن وبالأخص في سوريا.
على النقيض، تحمل القيادة السياسية الإماراتية مخاوف تجاه تيارات الإسلام السياسي قد تصل إلى حد «الهواجس». بنعكس ذلك في صورة مواقف متطرفة للإمارات ضد حركة الإصلاح في اليمن، والتي تعتبرها المملكة أحد الشركاء المحتملين في الحرب ضد الحوثيين. كما يدفعها ذلك إلى الاصطفاف قريبا من إيران روسيا في سوريا ضد المعارضة السورية حتى لو كان الثمن هو بقاء الرئيس السوري «بشار الأسد».
تختلف نظرة الدولتان الخليجيتان إلى تركيا أيضا، ففي حين ترى السعودية تركيا كحليف محتمل في منطقة مضطربة، فإن الإمارات تنظر بتوجس شديد إلى تركيا، ولطالما كانت الإمارات وتركيا على طرفي نقيض فيما يخص قضايا المنطقة وخاصة «الربيع العربي»، لذا يبدو مرجحا أن السلطات في دولة الإمارات لا تنظر برضا بالغ عن التطورات في العلاقات السعودية التركية، وربما يرون أن تركيا تلعب الدور الذي كانت تعلبه الإمارات كحليف رئيس للمملكة حتى نهاية عام 2014.
لا يمكن إغفال الأبعاد التاريخية للخلاف أيضا، يبدو أن الحليفين الخليجيين يحملان إرثا من الصراع التاريخي بينهما. شهدت العلاقات السعودية الإماراتية ربيعا خاصا في عهد العاهل السعودي الراحل الملك «عبد الله»، إثر وجود أهداف مشتركة جمعت قيادات الدولتين على رأسها محاربة الربيع العربي وصعود قوى الإسلام السياسي. إلا أن النار تبقى دوما تحت الرماد. في عام 2010، بلغت الخلافات حد إطلاق حرس الحدود الإماراتي النيران على زورق تابع لحرس الحدود السعودي واحتجاز جنديين سعوديين، وقبلها في 2009 منعت السعودية دخول الإماراتيين إلى أراضيها بهوياتهم كما جرت العادة وفقًا لقوانين مجلس التعاون الخليجي. بل إن هذه الخلافات قد ظهرت أيضا على ألسنة قيادات كبرى على رأسها ولي عهد أبوظبي في برقية سربتها ويكيلكس نقلا عنه جاء فيها أن السعوديين ليسوا الأصدقاء الأعزاء للإمارات وإن الإمارات قد خاضت 57 معركة ضد السعودية كانت كفيلة بتعميق الخلافات بين البلدين.
الخليج الجديد