[ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (رويترز) ]
زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الكويت كان يفترض أن تبدأ أمس السبت، لكن فجأة يعلن عن تأجيلها من دون ذكر أي سبب، لتبدأ اليوم الأحد.
وقد اتخذت إجراءات أمنية غير عادية تتعلق بالزيارة، حيث أعلنت الداخلية الكويتية في بيان أن عدة طرق رئيسية في العاصمة ستغلق ضمن إجراءات مرورية أمنية، وناشدت المواطنين والمقيمين ضرورة التعاون مع رجال الأمن. وتستمر الزيارة يومين، حسب مصادر صحفية كويتية.
الزيارة اكتسبت منذ الإعلان عنها أهمية بالغة، وساعدت على ذلك الظروف الإقليمية والدولية التي تعيشها المنطقة بشكل عام، ولا سيما منذ بدء أزمة الخليج التي قاربت 500 يوم.
وتعد هذه الزيارة الثانية لولي العهد السعودي منذ ظهر على المشهد السياسي السعودي، فقد كانت الأولى بعد بدء عاصفة الحزم بشهرين في مايو/أيار 2015 عندما كان وليا لولي العهد، ويأتي اليوم للكويت وهو ولي للعهد بعد أن عصفت بالمنطقة الخليجية أزمات متتالية.
أبرز هذه الأزمات اضمحلال دور مجلس التعاون الخليجي الذي صمت منذ بدء أزمة خليجية ما زالت تراوح مكانها ولا يبرز ما يؤشر إلى قرب نهاية حاسمة لها، إضافة لكارثة حرب اليمن، والعلاقات مع إيران، وأخيرا عدم الاستقرار في العراق، وثلاثتها مناطق تماس مع الخليج، ولا يمكن بحث أي ملفات من دون التطرق إليها بصورة أو بأخرى، وهذا يدفع بالتساؤل: ماذا في جعبة بن سلمان وهو يزور الكويت في مثل هذه الظروف العصيبة؟
الكويت والسعودية وعلاقة مد وجزر
علاقات الكويت والسعودية منذ عقود طويلة تشهد مدا وجزرا. تعلو أصوات الخلافات أحيانا وتتوتر العلاقات وتسخن، لكن ما تلبث أن تهدأ بعد قليل، بسبب أن جل الخلافات البينية الخليجية قبل اندلاع أزمة الخليج الأخيرة كانت في نطاقات محددة، وكان مجلس التعاون الخليجي بلجانه ومؤسساته يقوم بدوره في حلحلة الأمور وتهدئتها إلى حين، كأضعف الإيمان.
لم تكن شعوب المنطقة تعيش توترات تلك الخلافات كما تعيشها الآن، بسبب عدم دفعها للانخراط في مشكلات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وهو ما يفسر بحكمة وأناة مسؤولي الخليج في تلك الفترة
ولم تكن شعوب المنطقة تعيش توترات تلك الخلافات كما تعيشها الآن، بسبب عدم دفعها للانخراط في مشكلات لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وهو ما يفسر بحكمة وأناة مسؤولي الخليج في تلك الفترة. الحكمة التي غابت في هذه الأزمة، وربما كان غيابها سببا لاندلاعها.
إن لم يكن ملف الأزمة الخليجية أو حصار قطر على رأس جدول أعمال زيارة بن سلمان للكويت، فإن الزيارة تفقد جزءا كبيرا من زخمها وأهميتها، بالنظر إلى قوة تأثير هذه الأزمة على العلاقات البينية لدول الخليج وعلاقاتها مع الجوار الإقليمي، بالإضافة إلى صورة دول مجلس التعاون أمام العالم التي اهتزت كثيرا.
لماذا ملف الأزمة الخليجية؟
الجواب بكل وضوح هو أن الكويت منذ اندلاع الأزمة أعلنت دورها وواجبها في ضبط الأمور وعدم انفلاتها، ورغبتها في لعب دور الوسيط المحايد لحل الخلاف بين رباعي الحصار وقطر.
واستطاعت، حسب تصريحات أمير الكويت في لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب العام الفائت، استبعاد الحل العسكري الذي كان معدا لإنهاء الأزمة في أيامها الأولى.
ولأن الكويت استطاعت تجنيب المنطقة ويلات حرب لا تُعرف طبيعتها، أصبح في نطاق الممكن تفكيك ملفات الخلاف الأخرى، وهذا ما دفع الكويت للاستمرار وبمباركة قوى عالمية لدورها.
لأن الكويت استطاعت تجنيب المنطقة ويلات حرب لا تُعرف طبيعتها، أصبح في نطاق الممكن تفكيك ملفات الخلاف الأخرى
ومن هنا ينتظر المراقبون أن تبحث زيارة ولي العهد السعودي للكويت ملف الأزمة أولا قبل التطرق لملفات أخرى عالقة وشائكة في الوقت نفسه تخص البلدين، ولا تقل أهمية عن أزمة الخليج أيضا.
إن أي ملف من تلك الملفات العالقة التي لو لم يتم التعامل معها بحكمة في مثل هذه الظروف تكفي لتفجير خلاف خليجي جديد، وتحويل الكويت لبؤرة توتر شديدة في بقعة خطرة تتوجه دوما أنظار ثلاث قوى كبيرة بالمنطقة إليها، هي إيران والعراق بالإضافة إلى السعودية.
حقول النفط المتنازع عليها في المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية لا شك أنها ستكون من الملفات المهمة التي لا بد من التفاهم بشأنها وحلها بحكمة وهدوء، وهي من الملفات العالقة بين البلدين والتي طالما تسببت في توترات وأزمات منذ عقود.
محاولة الضغط على الكويت للخروج عن حيادها في أزمة الخليج أمر له تبعاته على الكويت نفسها قبل غيرها
كما أن علاقات دول المنطقة بطهران ملف ثالث لا يقل أهمية عن الملفين السابقين، ذلك أن العلاقات الكويتية الإيرانية لا يشوبها حاليا أي توتر، ومن الخطورة بمكان الضغط على الكويت لاتخاذ مواقف تنسجم مع القرار السعودي مثلا تجاه إيران، باعتبار أن أي توتر بالمنطقة تلك سيكون للكويت النصيب الأكبر منه.
كما أن محاولة الضغط على الكويت للخروج عن حيادها في أزمة الخليج أمر له تبعاته على الكويت نفسها قبل غيرها، والحكمة في هذا اللقاء تقتضي تبعا لذلك تضييق فجوات الخلاف بين الكويت والسعودية على جميع المستويات، تمهيدا لخطوة أخرى قادمة تتمثل في إحياء وتنشيط مجلس التعاون الخليجي مرة أخرى، ليلعب دوره المأمول في إنهاء الخلافات الخليجية المتراكمة التي طال بها الزمن أكثر من اللازم.