نشرت وكالة "رويترز" تقريرا تناولت فيه نشاطات دولة الإمارات في القرن الأفريقي، تحت عنوان "الإمارات الطموحة تستعرض عضلاتها العسكرية".
وأوردت الوكالة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة تقدم حالة غريبة تستوجب دراسة من الباحثين في العلاقات الدولية، فهي دولة صغيرة ذات عدد قليل من السكان، ولا يوجد لها حضور يذكر على المسرح العالمي، ولكن مع طموحات كبيرة، ويبدو أنها آخذة في التوسع.
وعلى مدار العقد الماضي، ومع تعزيز مكانتها كمركز مالي إقليمي ومركز تجاري دولي، اعتبرت "رويترز" أن الإمارات أصبحت قوة عسكرية صاعدة في الشرق الأوسط.
وأشار معد التقرير نائل شاما، إلى أن أبو ظبي منذ الربيع العربي، اتبعت سياسة خارجية أكثر حزما وتدخلا، تتجلى آثارها في حوض البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
وهنا، سعت الإمارات لتصبح لاعبا سياسيا رئيسا، وللحفاظ على وجود عسكري هائل في القرن الأفريقي، وتقديم مساعدات اقتصادية ضخمة، وتأدية دور صانع الملوك ووسيط السلام.
واليوم، تدير الإمارات موانئ في أربعة من البلدان السبعة المتاخمة للبحر الأحمر (هي: مصر، والصومال، واليمن، والمملكة العربية السعودية)، وقواعد عسكرية في كل من اليمن وإريتريا وأرض الصومال.
وقامت الإمارات بتصعيد أنشطتها الاقتصادية في حوض البحر الأحمر، ففي عام 2000، فازت شركة موانئ دبي العالمية، المملوكة لحكومة دبي، بامتياز مدته 20 عاما لتشغيل ميناء جيبوتي.
وبدأت جهود الشركة في مصر منذ حوالي عقد من الزمان، عندما تولت إدارة وتشغيل وتنمية ميناء العين السخنة، الأمر الذي يعد جوهريا لكونها أقرب ميناء إلى العاصمة المصرية القاهرة.
وفي العام الماضي، وقعت الشركة اتفاقية مع هيئة قناة السويس لإنشاء شركة ستقوم بتطوير منطقة مساحتها 95 كيلومترا مربعا في منطقة العين السخنة.
وفي المملكة العربية السعودية، تدير موانئ دبي العالمية محطة الحاويات الجنوبية في ميناء جدة الإسلامي. وفي عام 2017، فازت بعقد لتطوير الميناء بأكمله، دعما للرؤية السعودية 2030، والمشروع الضخم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار.
ويقول محللون إن العلاقات بين الصومال والإمارات توترت منذ الأزمة الخليجية إلى جانب رفض مقديشو التحيز لأي طرف من أطراف الأزمة.
وترتبط دول عربية بعلاقات تجارية قوية وتتمتع بنفوذ في الصومال، لكن ذلك يقابله ثقل قطر وحليفتها تركيا، التي تعد واحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في البلد الأفريقي.
وتم الفوز بصفقات الميناء هذه من خلال التفاوض، لكن في أماكن أخرى، استخدمت الإمارات العربية المتحدة إجراءات أكثر قوة.
السيطرة على موانئ اليمن
فقد استخدمت الإمارات مشاركتها المكثفة في الصراع في اليمن (كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين) لتوسيع قوتها الجيوسياسية في المنطقة.
ففي عام 2015، استولت القوات المدعومة من الإمارات على ميناء عدن -الذي كان في يوم من الأيام أكثر الموانئ ازدحاما في الإمبراطورية البريطانية- من الحوثيين. وفي عام 2016، استولت الإمارات على موانئ المكلا والشحر، على بعد حوالي 300 ميل و375 ميلا شرقي عدن، على التوالي، بالإضافة إلى جزيرتين استراتيجيتين في مضيق باب المندب.
وقامت القوات الإماراتية بتأمين ميناء المخا على البحر الأحمر في عام 2017، وتشارك الآن في هجوم على الحديدة، الميناء اليمني الرئيسي الوحيد الذي لا يخضع بعد لسيطرة إماراتية.
وجود استعماري بالصومال؟
وتبني الإمارات كذلك قاعدة عسكرية في أرض الصومال، وهو إقليم آخر شبه مستقل في الصومال.
وتعزز الإمارات علاقاتها مع إقليمي أرض الصومال وبلاد بنط (بونتلاند هي منطقة تقع شمال شرق الصومال) شبه المستقلين، بعد أن وقعت شركتا موانئ دبي العالمية وموانئ بي.آند.أو الإماراتيتان المملوكتان للدولة صفقات هناك في 2016 و2017.
وتتهم الإمارات بسعيها لوجود استعماري طويل المدى، الأمر الذي سبق أن نفاه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش.
وقال في تصريحات سابقة إن دعم الإقليمين لا يهدف لتقسيم الصومال وإن بلاده ليست في نزاع مع الحكومة المركزية.
لكن لماذا تحولت الإمارات؟ قالت "رويترز" إنه يمكن القول إن غزو دولة الإمارات العربية المتحدة لشرق أفريقيا يرجع إلى أهمية البحر الأحمر، باعتباره شريانا حيويا لنقل صادرات النفط والغاز في البلاد.
هوس بالإسلاميين
وأورد تقرير "رويترز" أن "هوس القيادة الإماراتية بالإسلاميين واعتبارهم تهديدا يلعب دورا بالتأكيد ببسط سيطرتها. ولا يقتصر الأمر على النخبة الحاكمة (خاصة محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة) فهماك إحساس رسمي عميق بالعداء تجاه الإسلاميين، بل إن النظام الإماراتي يعتبرهم تهديدا وجوديا لسلطته المحلية.
ومن المحتمل أن تدفع دولة الإمارات إلى تبني سياسة التدخل المباشر، لأن هناك عددا من الجماعات الإسلامية النشطة حاليا في شرق أفريقيا، بما في ذلك: جماعة الاتحاد الإسلامي المتمركزة في بوساسو، وحركة الجهاد الإسلامي الإريتري، والعدالة والمساواة، ومجموعات أخرى في السودان، وحركة الشباب في الصومال.
أسباب تحول السياسة الإماراتية
وقالت إن السبب الحقيقي لتغير السياسة الخارجية للإمارات يعود إلى انتقال القيادة في عام 2004 من الشيخ زايد، مؤسس الدولة، إلى ورثته خليفة ومحمد. وبينما فضل زايد الحوار والدبلوماسية الهادئة وعدم التشابك في مشاجرات الدول الأخرى، فإن خلفاءه أضحوا أكثر استباقية وجرأة. فبعدما غمرهم المال والطموح، سعوا إلى تحويل البلاد إلى قوة إقليمية ذات قوة عسكرية بارزة، لتكون "سبارتا" صغيرة (مدينة يونانية قديمة) على الخليج العربي.
وأشارت إلى أن العديد من التطورات الإقليمية شجعت الإماراتيين لتكون أكثر جرأة. ويشمل ذلك الفراغ الناجم عن إضعاف ثقل دول مهمة في العالم العربي. بالإضافة إلى تشكيل هلال من عدم الاستقرار في ليبيا والسودان وجنوب السودان واليمن، وتعاظم دور مجلس التعاون الخليجي. والتحول في الأولويات الجيواستراتيجية الأمريكية، وتورط الإمارات في النزاع اليمني.
ولفتت كذلك إلى التنافس مع إيران. ومع ذلك تتسم في دول الخليج الغنية بالنفط، عمليات صنع القرار بأنها شخصية للغاية، ويحل القادة محل المؤسسات، وتشكل الديناميكيات التي تركز على الأنا جزءا كبيرا من القرارات السياسية.
وقالت: "لذا لولا إحداث التغيير لرأس الدولة، لكانت التصورات والسياسات القديمة على الأرجح موجودة لليوم دون تغيير"، مشيرة إلى أن الإمارات أصبحت تحت زخم القيادة الجديدة جريئة، كما أشار أحد الباحثين بالقول: "دولة صغيرة ذات غرور كبير"، وفق "رويترز".
وأشارت الوكالة إلى أن الإمارات لم تصل أذرعها الطويلة إلى الدول الأفقر في شرق أفريقيا فحسب، بل إلى سوريا وليبيا ومصر ودول أخرى في الشرق الأوسط.
وختمت بالقول إنه يجب على الباحثين في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، أن يراقبوا عن كثب الدول الصغيرة، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة اللتين لم تعودا شابتين، أو ضعيفتين. ففي حين أن الدول العربية الكبرى أصبحت بطيئة في التفكير والتصرف، فإن هذه الدول الأصغر ديناميكية وخفيفة الحركة، وذات نفوذ كبير.
وستظل السياسات الأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص تؤثر بشكل كبير على التطورات في جميع المناطق الساخنة في المنطقة، بما في ذلك اليمن وليبيا والصراع العربي الإسرائيلي، والتنافس السعودي الإيراني.
وختمت بالقول: "إن نجاح الإمارات في الشهر الماضي في تحقيق التقارب بين إثيوبيا وإريتريا، التي انخرطت في حرب ساخنة وباردة لمدة عقدين، هو أحدث دليل على ذلك النفوذ. فالنظام الإقليمي الجديد آخذ في الارتفاع".