[ ابن سلمان يوسع دائرة مغامراته السياسية غربا (رويترز) ]
تسعى السعودية إلى تسويق أزمتها الدبلوماسية مع كندا -بسبب دفاع أوتاوا عن النشطاء الحقوقيين المعتقلين بالمملكة- على أنها "نصر" للسياسة السعودية و"درس دبلوماسي للعالم كله".
لكن كندا لم تتراجع عن موقفها غير عابئة بالإجراءات السعودية التي عدها محللون غربيون "الحلقة الأحدث من نزوات المراهقة السياسية" لولي العهد السعودي محمد بن سلمان السابقة في لبنان واليمن وحصار قطر.
وبعبارات تحذير نادرة قالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إن "أي خطوة أخرى من الجانب الكندي في هذا الاتجاه ستعتبر اعترافا بحقنا في التدخل في الشؤون الداخلية الكندية"، مضيفة أنه يجب على كندا وجميع الدول الأخرى أن تعرف أنها لا تستطيع أن تدعي أنها أكثر اهتماما من المملكة بمواطنيها.
أما وسائل الإعلام السعودية فأفاضت في التنويع على "لحن الانتصار" و"هزيمة كندا" التي "ارتكـبت خطـأ دبلوماسيـا لا يغتفر بتدخلها في شأن المملكة الداخلي الذي يعد خطا أحمر وفشلت في أبسط قواعد التعامل الدبلوماسي"، وبلغت الدعاية السعودية ذروتها معتبرة إدارة الرياض للأزمة "درسا دبلوماسيا تاريخيا أعطته السعودية للعالم".
وتحت عنوان "تدخل سافر وموقف حازم" قالت صحيفة "اليوم" السعودية في افتتاحيتها "المملكة لن تسمح بأي حال بالتدخل في شؤونها الداخلية أو المساس بسلطتها القضائية، فما حدث من الحكومة الكندية ضد المملكة هو تدخل في سيادتها وأنظمتها، وهو أمر يعد هجوما على المملكة ويستوجب اتخاذ المواقف الحاسمة والحازمة لردعه".
وتحسبا لأي موقف مشابه للموقف الكندي يمكن أن تتخذه دولة أخرى قالت الصحيفة "إن المملكة تصر من خلال ما صدر عن الحكومة الكندية على أهمية مراعاة كافة دول العالم للأعراف الدولية المعلنة التي لا تجيز التدخل في شؤون الغير".
أما صحيفة "الرياض" السعودية فتوقعت تكرار الموقف الكندي قائلة "لن تكون هذه هي الأولى ولا الأخيرة، إذ وراء الأكمة ما وراءها"، مشيدة بـ"الموقف الحازم والتعامل الآني الذي اتخذته قيادتنا الحكيمة" واعتبرته "ردا بليغا ورسالة واضحة".
إصرار كندي
على الجانب الكندي أكدت وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند أن بلادها ستواصل الدفاع عن حقوق الإنسان دائما، بما فيها حقوق المرأة وحرية التعبير على مستوى العالم بما في ذلك السعودية، معربة في الوقت نفسه عن قلق بلادها العميق من قرار السعودية طرد سفيرها لدى الرياض.
وفي رسالة تطمين لرعايا بلاده قالت "أؤكد للكنديين أن سفارتنا لا تزال في مكانها بالسعودية. ويمكن لرجال الأعمال الكنديين والمسافرين الكنديين أن يكونوا واثقين تماما من أن حكومة كندا موجودة هناك على الأرض وقادرة على تقديم الخدمات التي نقدمها للكنديين في جميع أنحاء العالم".
رجل الصدمات
ويرى المحللون أن الخلاف المفاجئ وغير المتوقع بين الرياض وأوتاوا يحمل بصمات ولي العهد محمد بن سلمان (32 عاما) ويظهر أن السعودية "لن تقبل أي انتقاد خارجي وستستمر في استعراض عضلاتها بالخارج، خاصة أن المملكة تتمتع بعلاقات أوثق مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب".
وقال جورجيو كافييرو الرئيس التنفيذي لشركة "غلف ستايت أناليتيكس" الاستشارية في مجال المخاطر ومقرها واشنطن "من الواضح أن هذه الرسالة ليست فقط إلى أوتاوا، بل هي رسالة إلى دول أوروبا وبقية دول العالم أن نقد المملكة العربية السعودية له عواقب".
ويقول محللون إن الخلاف مع كندا جزء من رد فعل أكبر ضد الانتقادات الخارجية، مستشهدين في ذلك بألمانيا التي وجدت نفسها مستهدفة من قبل المملكة في الأشهر الأخيرة بسبب تعليقات مسؤوليها على الحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
وقال أيهم كامل رئيس مجموعة الشرق الأوسط في مجموعة أوريسيا إن كندا كان يجب أن تتوقع تداعيات موقفها المطالب بالإفراج الفوري عن النشطاء الحقوقيين المعتقلين في المملكة، خصوصا ما يتعلق برد فعل ولي العهد محمد بن سلمان
ويرى كامل أن السعودية "أرادت أن تكون كندا صندوق بريد رسالة ليست لأوتاوا فقط ولكن إلى الغرب بأكمله، مفادها: لا يمكنك إلقاء المحاضرة علينا".
وهذه ليست المرة الأولى أن تُنتقد السعودية دبلوماسيا بشأن قضية النشطاء الحقوقيين الذين تعتقلهم، فقد استدعت السعودية سفيرها في السويد وتوقفت عن إصدار تأشيرات عمل للسويديين، بعد أن وصف وزير الخارجية السويدي العائلة الحاكمة في المملكة بـ"الديكتاتورية".