تستقبل منطقة الخليج عام 2018 في ظل أزمة غير مسبوقة تعصف بدولها، جراء مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر، منذ 5 يونيو/ حزيران الماضي، بدعوى "دعمها الإرهاب"، وهو ما تنفيه الدوحة، متهمة الرباعي بمحاولة فرض الوصاية على قرارها الوطني.
الأزمة، وهي الأسوأ في تاريخ دول الخليج، باتت تهدد بشكل واضح بانهيار كيان "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"، القائم منذ عام 1981، والذي أصيب بالشلل منذ الأزمة، ويعيش على محاولات أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر صباح، بث الروح فيه، عبر وساطة يقودها، وفعاليات خليجية مشتركة يحاول استمرارها.
يدخل الخليجيون العام الجديد وجلّ آمالهم أن تنجح جهود الكويت في إنهاء الأزمة ومنع انهيار المجلس، رغم تمسك أطراف الأزمة بمواقفهم.
وثمة مؤشرات تعزز آمال الخليجيين في نجاح جهود الكويت، خلال 2018، مقابل تحديات تعوق الحل، وتهدد كيان المجلس.
** مؤشرات إيجابية
وفي ما يلي أبرز ما يعزز آمال الخليجيين:
- إصرار الكويت على استمرار وساطتها رغم التحديات التي تواجهها.
- ترؤس الكويت الدورة الحالية لمجلس التعاون، ما يمنحها مساحة أوسع لحرية التحرك في جهود الوساطة، وإقامة فعاليات خليجية مشتركة، تحافظ على استمرارية المجلس، وتسهم تدريجيا في إزالة الجفوة بين أطراف الأزمة.
- استضافة الكويت مؤتمر رؤساء البرلمانات الخليجية، في 8 يناير/ كانون الثاني 2018، بحسب رئيس مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، مرزوق الغانم، الأربعاء الماضي.
وأوضح الغانم أن المؤتمر سيعقد بناء على رغبة أمير الكويت، وبمشاركة الدول الخليجية الست (السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان وقطر).
وهذا الاجتماع، حال عقده، سيكون أول فعالية خليجية بعد عقد القمة الخليجية الـ 38 بالكويت، في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وسيعد الاجتماع البرلماني مؤشرا على استمرار فعاليات المجلس، وقد يمثل خطوة في طريق حل الأزمة.
- دعم قطر لوساطة أمير الكويت وتأييدها حل الأزمة بالحوار.
- تزايد الدعوات الدولية لحل الأزمة بالحوار، لاسيما مع عدم تقديم الدول المقاطعة لقطر دلائل على اتهاماتها للدوحة بدعم الإرهاب.
- انتقال رئاسة الدورة القادمة لمجلس التعاون لسلطنة عمان، نهاية 2018، وهي داعمة لوساطة الكويت.
*** تحديات
ومن أبرز التحديات أمام جهود حل الأزمة الخليجية:
- عدم وجود مؤشرات على رغبة الدول المقاطعة لقطر في حل الأزمة، بل وإطلاق تصريحات واتخاذ خطوات من شأنها تعميق الأزمة.
وظهر ذلك جليا في حدثين بارزين، الشهر الجاري، أولهما في القمة الخليجية الـ 38 بالكويت، حيث كان الخليجيون يعولون عليها لحل الأزمة، إلا أن تدني تمثيل دول المقاطعة حال دون ذلك.
وانعقدت القمة بحضور أميري الكويت صباح الأحمد الجابر وقطر تميم بن حمد، بينما شاركت دول المقاطعة بأدنى تمثيل لها في تاريخ القمم الخليجية.
والحدث الثاني كان في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، حيث ذكرت وسائل إعلام قطرية أن السعودية أغلقت نهائيًا منفذ "سلوى"، وهو المنفذ البري الوحيد بين المملكة وقطر، وهو ما لم تنفه الرياض.
وكانت السعودية أغلقت المنفذ، في 19 يونيو/حزيران الماضي، بعد انتهاء مهلة 14 يومًا، منحتها للقطريين المتواجدين على أراضيها لمغادرة المملكة.
وأعيد افتتاح المنفذ، في أغسطس/ آب الماضي، خلال موسم الحج، وظل مفتوحًا لتنقل الحالات الإنسانية، قبل أن يعلن، الشهر الجاري، عن إغلاقه نهائيًا.
- تمسك طرفي الأزمة بمواقفهما، فالدول المقاطعة تطالب قطر بتلبية مطالبها لحل الأزمة، فيما تعتبر الدوحة هذه المطالب انتهاكا لسيادتها وتدخلا في شؤونها، وتتمسك بضرورة حل الأزمة عبر حوار يحترم سيادتها ولا يتدخل في شؤونها.
ومن أبرز تلك المطالب: إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وإغلاق قناة "الجزيرة"، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي بين قطر وإيران، وتسليم من وصفتهم دول المقاطعة "إرهابيين" ويتواجدون في قطر.
- استمرار الحرب الإعلامية بين طرفي الأزمة ووصولها إلى مراحل غير مسبوقة في تاريخ دول الخليج من الإساءات المتبادلة.
** المطلوب
وما بين الآمال والتحديات ثمة أمور مطلوب مراعاتها، لتعزيز آمال حل الأزمة الخليجية، والحيلولة دون انهيار مجلس التعاون، وهي:
- بحث الأزمة في الفعاليات الخليجية المشتركة، وعلى رأسها اجتماع رؤساء البرلمانات الخليجية المقبل، وليس تجاهل الأزمة، كما حدث في البيان الختامي للقمة الخليجية بالكويت، الذي تجاهل الإشارة إلى الأزمة.
- بحث سبل تفعيل مقترح أمير الكويت، الذي تحدث في كلمته بالقمة الخليجية عن "تكليف لجنة تعمل على تعديل النظام الأساسي لمجلس التعاون، بما يضمن (وجود) آلية محددة لفض النزاعات".
- ضرورة التوصل إلى تهدئة إعلامية متبادلة عام 2018، تمهد الأجواء لحل الأزمة وإجراء مصالحة.
- ضرورة وجود ضغط دولي جاد على أطراف الأزمة للجلوس إلى طاولة الحوار.
- تقديم طرفي الأزمة تنازلات تساعد الوسيط الكويتي للتوصل إلى حلول وسط ترضي الطرفين.
- عدم اتخاذ طرفي الأزمة أيه إجراءات من شأنها تعميق الأزمة.
وأخيرا أن ينفذ قادة دول الخليج ما تم الاتفاق عليه في قمة الكويت بإظهار "حرصهم على دور مجلس التعاون وتماسكه ووحدة الصف بين أعضائه"، و"التمسك بأهداف المجلس، التي نص عليها نظامه الأساسي بتحقيق أعلى درجات التكامل والترابط بين الدول الأعضاء، في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها"، وهذا سيكون كفيل بحل الازمة في حال تنفيذه فعلا.
ويحسب لقمة الكويت أنها كما حافظت على كيان مجلس التعاون، أبقت على ملف "الاتحاد الخليجي"، عبر ترحيله للقمة المقبلة، وتوجيه قادة الخليج بـ"الاستمرار في مواصلة الجهود للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد وتكليف المجلس الوزاري ورئيس الهيئة المتخصصة باستكمال اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك، ورفع ما يتم التوصل إليه إلى المجلس الأعلى في دورته القادمة".
وتعود فكرة تأسيس الاتحاد الخليجي إلى الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز (2005 - 2015)، عندما دعا خلال قمة الرياض، ديسمبر/كانون الأول 2011، إلى انتقال دول الخليج من مرحلة التعاون إلى الاتحاد.
ويبقى تمسك بيان الكويت بحلم "الاتحاد الخليجي"، في ظل تلك الأزمة الراهنة، بادرة أمل برغبة دول الخليج في تجاوز أزمتها، حتى لو ظل قادة دول الخليج يؤجلون هذا الملف عاما بعد آخر.