أصبح العناق الحار بين الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين أحد أيقونات الحرب السورية ورمزا يجسد امتنان النظام السوري للتحول التاريخي الذي أحدثته موسكو في مسار هذه الحرب.
وجاء هذا اللقاء الذي شهد هذا العناق لكي يشكر الأسد روسيا على التدخل العسكري الذي نسب إليه الفضل في "إنقاذ سوريا"، وذلك وسط استعداداتٍ لإجراء محادثاتٍ جديدة تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وأُعلِنت الثلاثاء، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، زيارة الأسد التي جرت الإثنين، 20 نوفمبر/تشرين الثاني، إلى منتجع سوتشي الروسي، قبل يومٍ من لقاء قمةٍ هناك لقادة إيران، وتركيا، وروسيا، الذين يضطلعون بدورٍ دبلوماسي بارز على نحوٍ متزايد في سوريا في الوقت الذي أرجأت فيه الولايات المتحدة التعامل مع مصير الأسد.
وقال مسؤولون روس إنَّ هدفهم الرئيسي هو ضمان الحصول على دعم الأسد لعمليةٍ سياسية لإنهاء صراعٍ بدأ قبل أكثر من 6 سنوات. وظل الأسد يقاوم باستمرارٍ التوصُّل إلى تسويةٍ مع معارضيه السوريين، ولا تزال هاك شكوك تحوم حول مدى استعداد، أو قدرة، روسيا لدفعه إلى قبول تغييراتٍ كبيرة، مثل تقاسم السلطة أو إدخال إصلاحات.
ماذا قال ترامب عن الأسد؟
وفي إشارةٍ أخرى على تراجع مكانة التغيير السياسي في سوريا على أجندة الأولويات الدولية، قال مسؤولٌ بالإدارة الأميركية إنَّ الرئيس ترامب، في مكالمةٍ هاتفية جرت الثلاثاء مع الرئيس بوتين واستمرت أكثر من ساعة دار معظمها عن سوريا، لم يتطرَّق إلى مسألة الانتقال السياسي. وعوضاً عن ذلك، قال البيت الأبيض إنَّ الرئيسين اتفقا على أهمية الاستقرار، وإنهاء الحرب، ومحاربة الإرهاب، والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم.
وربما يكون إعلان تحقيق النصر العسكري سابقاً لأوانه أيضاً؛ فصحيح أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فَقَدَ معظم مناطقه، لكنَّ مقاتليه لا يزالون يُشكِّلون خطر تمرُّد ولا تزال مجموعات المعارضة تُسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد.
كانت تلك هي ثاني رحلة معروفة يقوم بها الأسد إلى الخارج منذ بدء الحرب الأهلية في بلاده عام 2011؛ فكان قد زار موسكو في عام 2015، بعد فترةٍ وجيزة من بدء روسيا حملتها الجوية الحاسِمة دعماً لقواته. وجاءت زيارته إلى سوتشي في الوقت الذي أعلن فيه حليفاه الرئيسيان الآخرين، إيران وحزب الله أنَّهما قد هزما داعش في آخر معاقله الرئيسية بسوريا في مدينة البوكمال قرب الحدود العراقية.
وأخبر بوتين الأسد إنَّ الوقت قد حان للعمل باتجاه التوصُّل إلى تسويةٍ سياسية مستمرة، قائلاً إنَّ "العملية العسكرية تصل إلى نهايتها بالفعل".
وقد أسفرت الحملات الموازية التي تقودها كلٌ من روسيا والولايات المتحدة ضد داعش بشكلٍ كبير عن تمزيق أواصر الخلافة الإقليمية التي أعلنها التنظيم. لكنَّ حل الصراع الكامن – الذي بدأ بعد قمع قوت الأسد للاحتجاجات السياسية – ظل أمراً بعيد المنال.
ولا تزال قوات المعارضة غير المنتمية إلى داعش تسيطر على بعض المناطق التي تتعرَّض لحصار وقصف القوات الحكومية قرب العاصمة السورية، دمشق، وفي محافظتي حلب وإدلب الشماليتين، وعلى طول الحدود مع الأردن. وهناك عشرات الآلاف من المفقودين، بما في ذلك مدنيون يُعتَقَد أنَّهم محتجزون من جانب الحكومة السورية. ونزح 12 مليون سوري، يُمثِّلون نصف عدد السكان، من منازلهم.
26 ألف طفل
وأمس الثلاثاء 21 نوفمبر / تشرين الثاني 2017، قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي ترصد ضحايا الحرب عبر قاعدة بياناتٍ للضحايا مُحدَّدين بالاسم، إنَّ 26 ألفا و446 طفلا على الأقل قُتِلوا في الصراع منذ مارس/آذار 2011، أغلبيتهم العظمى على يد القوات الحكومية.
وبحسب وسيلة إعلام روسية تابعة للدولة، قال بوتين للأسد إنَّ "الشيء الأهم هو الانتقال إلى عملياتٍ سياسية. أنا سعيد لرؤية استعدادك للعمل مع كل مَن هم مستعدون لإرساء سلام وإيجاد حلول".
فردَّ الأسد، الذي احتضن الزعيم الروسي وصافح لفيفاً من الجنرالات الروس، قائلاً إنَّه "يجب الاعتراف بأنَّ هذه العملية سمحت بتعزيز التسوية السياسية في سوريا".
الغرب وتنحي الأسد
وقد تراجعت الولايات المتحدة والخصوم الدوليون الآخرون إلى حدٍ كبير عن مطلبهم الطويل بتنحِّي الأسد وأبدوا استعدادهم لقبول انتقالٍ سياسي يُبقي عليه في السلطة لبعض الوقت على الأقل، حسب نيويورك تايمز.
لكنَّ ذلك لا يزال غير مقبول بالنسبة لكثيرٍ من فصائل المعارضة السياسية، واتُّهِم الأسد في المحاكم الأوروبية بالإشراف على جرائم حرب واسعة النطاق.
وقالت سهير الأتاسي، وهي ناشِطة معارضة، إنَّ الغرب يبدو مستعداً للاتفاق مع أجندة روسيا في سوريا أكثر فأكثر.
وكانت الأتاسي واحدة من بين 8 أعضاء أعلنوا استقالاتهم هذا الأسبوع من الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة والتي كانت تحضر المحادثات المتعثرة منذ فترةٍ طويلة برعاية الأمم المتحدة في جنيف، بما في ذلك المُنسِّق العام للهئية، رياض حجاب. وقالت إنَّهم كانوا يتعرضون لضغطٍ من أجل تقديم تنازلاتٍ لا يمكنهم قبولها.
وقالت: "أخبرونا بوضوح: ستخرجون، أنتم المعارضة، من المشهد السياسي إن لم تقبلوا بحقيقة بقاء بشار. إنَّني أشعر للمرة الأولى أنَّ المجتمع الدولي مُوحَّد. لقد قالوا لنا: بإمكانكم هزيمة الأسد في الانتخابات".
وأضافت الأتاسي أنَّ النقاش الدولي الرئيسي بشأن مستقبل سوريا أصبح الآن يدور حول "تفاصيل صغيرة؛ مثل إن كان بشار سيُشارك في الانتخابات المقبلة أم لا، ومدة بقاءه في ولايته، وسلطاته".
وأردفت أنَّ الدول الغربية أصبحت أكثر ميلاً إلى تسليم القضية السورية الشائكة ببساطةٍ إلى روسيا وقبول نهج موسكو.
وقال المسؤول بإدارة ترامب، الذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته كي يتناول المكالمة السرية بين ترامب وبوتين، إنَّ تأكيد ترامب على الاستقرار لم يشر إلى تغييرٍ في السياسة الأميركية، وأنَّ الأمر فحسب هو أنَّ الرئيس يعتبر السلام أولوية.
وأضاف المسؤول أنَّ ترامب لم يتطرَّق أيضاً إلى حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته روسيا الأسبوع الماضي ضد قرارٍ لمجلس الأمن كان من شأنه تمديد التحقيق بشأن الطرف الذي استخدم الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وقالت هيذر نويرت، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، للصحفيين إنَّ "الأمور مُعقَّدة بشكلٍ واضح مع روسيا".
وحاولت نويرت، التي أشارت إلى أنَّ إدارة ترامب تعتقد بأنَّ جيش الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية عدة مرات ضد المدنيين، ببساطة الربط بين ذلك وإحدى الصور من لقاء يوم الإثنين يظهر فيها بوتين وهو يُطوِّق الأسد أثناء عناقٍ بين الرجلين.
وأضافت: "أعتقد أنَّ العناق دليلٌ على أنَّ فلاديمير بوتين يتحمَّل مسؤولية أكيدة لمحاولة مساعدة سوريا، ومحاولة ممارسة ضغطٍ على بشار الأسد – وعلى تلك الحكومة – لعدم القيام بشيءٍ كهذا ثانيةً".
ويقول أعضاء المعارضة مثل الأتاسي إنَّ السلام الدائم لن يكون ممكناً دون المساءلة على جرائم الحرب مثل استخدام الأسلحة الكيماوية والتعذيب.
إعادة تنظيم المعارضة
وقالت وسائل إعلام روسية تابعة للدولة إنَّ الكرملين يدعم الجهود التي تقوم بها السعودية، التي تستضيف الهيئة العليا للمفاوضات، لإعادة تنظيم المعارضة، في ما يبدو أنَّه محاولة لإيجاد هيئةٍ من شأنها الموافقة على المتغيرات الجديدة. ومن المقرر أن تبدأ جولةٌ جديدة من مباحثات جنيف الثلاثاء المقبل، 28 نوفمبر/تشرين الثاني.
ثُمَّ يعتزم بوتين أن يكون مُضيفا لما يُسمِّيه مؤتمراً للشعب السوري في سوتشي في الثاني من ديسمبر/كانون الأول المقبل 201). ودعت الخطط الأولية للمؤتمر 33 مجموعة سورية معارضة، تتسامح دمشق مع بعضها، إلى جانب مجموعاتٍ كردية، الأمر الذي يُمثِّل نطاقاً أوسع كثيراً مما هو مُتضمَّن في عملية جنيف.
وتأجَّل المؤتمر من قبل بسبب اعراضات تركيا على دعوة مجموعاتٍ كردية يراها الأتراك حليفةً للانفصاليين الأكراد في تركيا.
وتتمثَّل إحدى القضايا التي لا تزال دون حل في مصير المناطق التي استعادتها قوات سوريا الديمقراطية، وهي ميليشيا يقودها الأكراد ومدعومة من الولايات المتحدة، من داعش. وقالت الحكومة السورية إنَّها ستقاتل للسيطرة على تلك المناطق.
لكنَّ نيل هاور، المُحلِّل المتخصص في التدخُّل الروسي بسوريا، كتب الإثنين إنَّ المشكلة الأكبر لمحادثات سوتشي هي "انعدام الثقة العميق من جانب المعارضة في روسيا كوسيطٍ جاد في تسويةٍ داخلية سورية".
وحتى قبل الدعوة لاجتماع سوتشي، كانت روسيا قد وضعت بالفعل عملية موازية لجنيف، تتمثَّل في محادثات الأستانة التي قادتها مع إيران وتركيا في كازاخستان. وكتب هاور إنَّ تلك العملية سارت كجهدٍ من جانب تلك الدول "لفرض سياساتهم الخاصة بشأن سوريا بغض النظر عن أهواء الفاعلين المحليين".
لكنَّ بعض المعارضين السوريين اضطلعوا بدورٍ في المحادثات، قائلين إنَّهم لا يرون أمامهم سوى خيارات محدودة. وكانت النتيجة الأساسية لمحادثات الأستانة هي إنشاء 4 مناطق تُسمَّى بمناطق خفض التصعيد، والتي كانت تهدف لتخفيض العنف، لكن عملياً تواصل فيها القصف الكثيف، الذي يصيب المدنيين العالقين تماماً كما يصيب المجموعات المسلحة.
وفي يوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أيضاً، أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني "نهاية" داعش، مُهنِّئاً شعوب سوريا، والعراق، ولبنان، إلى جانب "الأخ العزيز" قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، والذي لعب دوراً رئيسياً في المعارك بالعراق وسوريا.
وردَّدت تصريحاته تلك أصداء تصريحات حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران، التي أدلى بها يوم الإثنين. وتحدَّث نصر الله بتفصيلٍ أكبر مما سبق حول انخراط حزب الله في العراق، قائلاً إنَّ الحزب أرسل الكثير من قادته إلى العراق للمساعدة في المعركة ضد داعش.
ولعب حزب الله دوراً أكبر وأكثر بروزاً بكثير في سوريا. وكدَّرت قوته، ونفوذه، وأسلحته الجديدة التي حصل عليها أثناء ذلك المنطقة؛ إذ تتخذ السعودية خطواتٍ صارمة على نحوٍ متزايد للرد.
وقال نصر الله إنَّ مقاتليه سيغادرون العراق إذا لم تعد هناك حاجة.
لكن مثلما تعلَّمت الولايات المتحدة الدرس مراراً، فإنَّ "انتهاء المهمة" في العراق لا يعني أنَّ الحرب انتهت.