في مادته الرابعة، وعلى رأس أهدافه، ينص النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي تأسس عام 1981، على أن المجلس يسعى إلى "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً الى وحدتها".
وإن لم تتحقق هذه الوحدة المنشودة، رغم مرور 37 عاماً على تأسيس المجلس السداسي، فإن احتمال إخراج قطر من المجلس، أو تجميد عضويتها، ربما يقود إلى تفكك المجلس، ما يهدد منطقة الخليج بمخاطر وأضرار أكبر من الوضع الراهن، في ظل أزمة خليجية مستمرة منذ 5 يونيو/حزيران الماضي، بحسب مقال تحليلي نشرته وكالة الأناضول، الجمعة 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
ومنذ ذلك اليوم، يواجه مجلس التعاون، المكون من السعودية والإمارات والبحرين وقطر والكويت وسلطنة عمان، أزمة غير مسبوقة، حيث قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى مصر، علاقاتها مع قطر، متهمةً إياها بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة، متهمةً بدورها الطرف الآخر بمحاولة فرض الوصاية على قرارها الوطني.
ورغم مرور أشهر، لم يقدم الرباعي دليلاً على ضلوع قطر في تمويل أنشطة إرهابية؛ وهو ما أوجد حالة من الانقسام بين شعوب الخليج، التي ترتبط بواقع تاريخي وثقافي واجتماعي مشترك يتجاوز الحدود بين الدول الست.
ولا يبدو أن الأزمة ستستمر على وضع الثبات؛ إذ إن تهديد البحرين بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون؛ بل واحتمال إخراجها من المجلس، ينذر بتطورات لا يمكن حصر تداعياتها الخطيرة.
ففي تغريدة على موقع" تويتر"، يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اعتبر وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، أن "الخطوة الصحيحة للحفاظ على مجلس التعاون الخليجي هي تجميد عضوية قطر؛ حتى تحكّم عقلها وتتجاوب مع مطالب دولنا. وإلا فنحن بخيرٍ بخروجها من المجلس"، وفق قوله.
وهي مطالب ترى الدوحة أنها غير منطقية، وغير قابلة للتنفيذ، وتمثل تدخُّلاً مرفوضاً في شؤونها الداخلية، ومن بينها: إغلاق شبكة "الجزيرة" التلفزيونية، وتقليص علاقاتها مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر.
"مزيد من الضعف"
واحتمال إخراج قطر من مجلس التعاون، أو حتى تجميد عضويتها، يهدد بتفكك المجلس، أو على أقل تقدير إصابته بمزيد من الضعف، لا سيما أن كلاً من الكويت وسلطنة عمان ما تزال تحتفظ بعلاقاتها مع الدوحة.
هذه الاحتمالات ليست مستبعدة، فالمعلن عن الأزمة يبدو أقل خطورة بكثير مما تخفيه أطرافها، فمن كان يصدق أن حرباً كانت ستندلع بين بعض دول الخليج وقطر، وهي الحرب التي كشف أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في واشنطن، سبتمبر/أيلول الماضي، أن بلاده استطاعت منعها.
ويزيد من احتمال هذه المخاطر أن بعض دول مجلس التعاون ترتبط بعلاقات مع دول إقليمية توازي متانة علاقاتها مع بقية دول المجلس، مثل سلطنة عمان، المرتبطة بعلاقات متميزة للغاية مع إيران، التي تتنافس مع السعودية على النفوذ في المنطقة.
هذه العلاقات الوثيقة بين سلطنة عمان وإيران لا تواجه انتقادات خليجية، بينما تواجه قطر، المرتبطة بعلاقات مع طهران، انتقادات واتهامات بسبب هذه العلاقات، من قبل الدول الأربع، التي فرضت على الدوحة إجراءات تعتبرها "حصاراً"، فيما يراها الرباعي "مقاطعة".
أيدلوجيات متعددة
كما أن دول المجلس، وبلا استثناء، ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وتعتبرها عاملاً رئيسياً للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
ورغم حالة الانقسام في البيت الخليجي والاتهامات المتبادلة بين أربعة من أعضائه، فإن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لم تنحز إلى طرف على حساب الآخر، ضمن سياسة تستهدف استثمار الوضع الراهن لتحقيق مزيد من المكاسب.
وتنوع الأيدلوجيات التي تحكم دول الخليح الست، حقيقة تمثل أحد أبرز أسباب عدم تحول وضع التعاون إلى تكامل ووحدة، فلم تُطرح هذه الصيغة المتقدمة إلا عام 2011، في القمة الخليجية بالرياض، مقر المجلس، من قِبل العاهل السعودي، الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز (1924-2015).
وفي حال تفكُّك مجلس التعاون الخليجي، فإن اصطفافات وتحالفات ستحلُّ في الساحة الخليجية من خارج دول المجلس، ما سيربك استقرارها، أو على أقل تقدير ستحتاج الدول الست إلى سنوات للتأقلم على وضع جديد.
إن المخاطر المحدقة بالخليج جراء استمرار النزاع واحتمال تفكك المجلس، ستكون بالتأكيد أضخم من مخاطر النزاع الدائر في حلقة ضيقة بين الأشقاء الخليجيين، فالدول التي ستتدخل عنوة عبر التحالفات ستكون لها مصالح لا ينسجم جان منها مع مصالح بعض دول الخليج.
ويبدو أن أمير الكويت، الذي يتولى جهود الوساطة، يستشرف جيداً تلك المخاطر، ويحاول، عبر زيارات مكوكية، طي هذه الصفحة من تاريخ دول المجلس الخليجي.
ويأمل كثيرون أن تثمر تلك الجهود قريباً؛ حتى لا يتم تأجيل أو إلغاء اجتماع أعضاء مجلس التعاون، المقرر قبل نهاية العام الجاري، لا سيما مع تهديد البحرين بأنها لن تحضر قمة فيها قطر، فمجلس التعاون يبقى إطاراً حاضناً وجامعاً لدول الخليج رغم تبايناتها.