[ طابور من اللاجئين الروهينغيا للحصول على الطعام بجانب مخيم على الحدود بين ميانمار وبنغلاديش ]
بعد أن قتلت المليشيات البوذية زوجها وأختها، تاهت الروهينغية نسيمة بين الأحراش وخاضت وحل المستنقعات حتى تمكنت من ركوب قارب بئيس قذف بجسمها النحيل على ضفة نهر ناف المقابلة لبنغلاديش.
تقول نسيمة إنها هربت من قريتها بولاية أركان شمالي ميانمار، حيث يواصل الجيش حملة القتل والحرق والخطف ضد أقلية الروهينغيا المسلمة منذ أواخر أغسطسآب الماضي.
لكن قصتها لا تختلف عن تلك التي ترويها عرفة وبورمي وزبيدة وغيرهن من الأرامل والثكالى اللاتي تحدثن للجزيرة نت عن فظائع تشيب لهولها الولدان.
وخلال الشهرين الماضيين، عبر إلى بنغلاديش نحو نصف مليون روهينغي معظمهم من النساء والأطفال، بعد أن باشر جيش ميانمار حرق القرى وقتل الرجال أو اعتقالهم.
تروي بورمي أن جنود ميانمار اعتقلوا زوجها، وتقول إنها قدمت إلى بنغلاديش عبر رحلة شاقة، وحتى الآن لم تحصل على ملجأ ولا تزال مع أطفالها في الحر والعراء.
خيبة
ولا تختلف خيبة ذوي المختفين عن حسرة أهالي القتلى، لأن جيش ميانمار لا يفرج عن المختطفين قبل أن يزهق أرواحهم، بحسب بورمي ونازحات أخريات.
وبالحسرة ذاتها تتحدث الأرملة عرفة عن إحراق المليشيات البوذية منزلها، وكيف هربت بأطفالها الأيتام الأربعة إلى بنغلاديش.
وليست الشابة نور نهار بأحسن حالا من أخواتها، حيث أجبرتها حملة القتل والحرق على الهرب بمفردها، ولا تدري: أقُتل أبواها أم ما زالا على قيد الحياة.
ولا يزال المئات من النازحين الروهينغيين يفرون يوميا من ولاية أركان شمالي ميانمار ويعبرون إلى بنغلاديش، ثم يسلكون طرقا محددة تؤدي إلى معسكرات النزوح، بيد أن الوصول إلى بنغلاديش لا يعني لهؤلاء المساكين الخلاص من شقائهم، إنما كتب عليهم تدشين محنة جديدة يفقدون فيها كرامتهم أمام أعين العالم.
يروي نور محمد أن جيش ميانمار قتل أخويه وأحرق منزله، وأنه تمكن لاحقا من الفرار بأطفاله الأربعة، ويتعين عليه يوميا الدخول في طابور بطيء تحت الشمس الحارقة للحصول على الطعام.
وعلى الطريق الممتد من مدينة كوكس بازار البنغالية إلى ضفاف نهر ناف، تتناثر مخيمات هشة تتكدس داخلها مئات الآلاف من الأرامل والثكالى والأيتام.
ولا تكاد العين تخطئ طابورا مسيجا وطويلا يتحرك ببطء شديد باتجاه شاحنة تحمل مواد غذائية، يشرف جنود الجيش البنغالي على توزيعها على النازحين.
ندرة الطعام
ولكن الطعام الذي يحصل عليه هؤلاء بطريقة مهينة لا يكفي سوى لإبقائهم على قيد الحياة، بحسب النازحة زبيدة التي تؤكد أن "المساعدات قليلة جدا، وهي لسد الرمق فقط".
ويبدو جليا أن أجساد الروهينغيين أنهكها الجوع، فيما ذبلت أرواحهم من أهوال الفقد والبؤس وغموض الغد، وسط تفاقم المأساة وتركيز الحديث على إيواء اللاجئين دون حل قضيتهم.
ويقول الرائد عبد الكريم إن الجيش يؤمّن توزيع المساعدات على الروهينغيا، مؤكدا أنهم يحصلون على المواد الغذائية الأساسية التي "يتبرع بها المحسنون البنغاليون".
ويتولى عبد الكريم إدارة مخيم نوبافا الواقع على بعد أمتار من نهر ناف الفاصل بين بنغلاديش وميانمار، حيث تواصل قوارب الفجيعة رسوها على يم الضياع.
ويوضح أن مخيم نوبافا وحده يؤوي 35 ألف روهينغي معظمهم من النساء والأطفال، وبينهم العديد من العجزة من الجنسين.
ويتواجد الأمن البنغالي بشكل مكثف على ضفاف نهر ناف وفي محيط مدينة كوكس بازار، ويجري تدقيقا في هويات ركاب السيارات لضمان عدم خروج الروهينغيين من معسكرات اللجوء.
ويعيش الروهينغيون ظروفا مأساوية في مخيمات تفتقر إلى مياه الشرب والخدمات الصحية، فيما تحذر المنظمات الإنسانية من خطر تفشي الأوبئة بين النازحين.
وكانت بنغلاديش استقبلت في أزمات سابقة مئات الآلاف من الروهينغيا، وأعلنت مؤخرا أنها تؤوي حوالي مليونا من هذه الأقلية الأكثر اضطهادا على مستوى العالم وفق توصيف الأمم المتحدة.
وتقول منظمة أوكسفام إن أكثر من 70% من اللاجئين الروهينغيين لا يملكون المأوى الملائم، وإن نصفهم لا يحصل على المياه الصالحة للشرب.