بينما تقف جذور جماعة الإخوان المسلمين الأم ذات الـ 89 عاما، في مصر، جامدة في مربع الرفض المتبادل مع السلطات وسط خلاف داخلي ملحوظ، تتحرك فروعها بديناميكية في بلاد ومناطق أخرى، كتونس واليمن وأوروبا وأخيرا فلسطين، نحو إعادة التموضع في شكل جديد وإعلان فك الإرتباط.
خبراء معنيون بتاريخ جماعة الإخوان، اعتبروا في تصريحات منفصلة للأناضول، هذه التحركات "خطوة للأمام" من فروع ومدارس للجماعة "تزدهر فكريا" بتحولات تغادر الموقف الثابت للتنظيم بمصر وأعباءه في ظل وصمه بالإرهاب في 2013، وهو ما يرفضه التنظيم بشدة.
فيما يقول قيادي بازر بجماعة الإخوان المسلمين، للأناضول أنه "لابأس" من خطوات أي فرع للتنظيم طالما تخدم الأهداف العامة للأوطان، نافيا أن يكون ذلك علامة تراجع أو انتهاء للجماعة التي يشدد على عودتها مرة أخرى للازدهار عند انتهاء أزمتها بمصر.
وتفاقمت أزمة الجماعة منذ الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر، والمنتمي للإخوان، في صيف 2013، في خطوة تراها الجماعة "انقلابا"، في مقابل معارضين لها يعدونها "ثورة شعبية".
** خطوات بعيدا عن الأم
ومطلع مايو/آيار الجاري، أعلنت حركة حماس، وثيقتها السياسية الجديدة، دون أي ذكر لارتباط بالتنظيم الأم في مصر، على غير ميثاقها الأول عام 1988، وتبعها تأكيد الرئيس السابق لمكتبها السياسي، خالد مشعل، في تصريحات صحفية أن حماس تنظيم مستقل وان ارتبطت فكريا بتيار الإخوان.
خطوة حماس للتأكيد على استقلالياتها عن أى تنظيم آخر، كانت سبقتها أخرى مماثلة في يناير/ كانون ثان الماضي، من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، الذي يوصف بأنه الجناح الأوروبي للجماعة، وأسسه كثير من رموزها بالخارج.
والأمر ذاته وقع أيضا في سبتمبر/أيلول 2016، من محمد اليدومي، رئيس حزب الإصلاح اليمني المحسوب على الإخوان باليمن، وقبل هؤلاء جميعا زعيم حزب النهضة التونسي راشد الغنوشي الذي اعتاد في الأعوام الاخيرة أن يؤكد عدم تبعية الحركة تنظيميا للإخوان.
ووفق رصد سابق للأناضول ومصادر تاريخية وتنظيمية ، فالإخوان التي أنشئت بمصر في مارس/آذار 1928، لها حضور في 52 دولة عربية وأوربية وآسيوية وإفريقية، وفي دول أمريكا الشمالية والجنوبية وأستراليا، عبر انتشار فكري وخيري، أو هياكل تنظيمية لمؤسسات أو أحزاب أو جماعات.
بينما تقول الجماعة في بيانات رسمية إنها تتواجد في أكثر من 80 دولة دون إعلان عنها.
** تموضع جديد للفروع
التموضع الجديد داخل الجماعة الأم وفروعها في الأونة الأخيرة، يستند إلى 3 تفسيرات، وفق المحللين، هي إيجاد صيغة جديدة للعلاقة، أو التخلص من المأزق المركب الذي تعيشه الجماعة الأم، أو الاعتراف بالأمر الواقع من مون الارتباط بين الأفرع والأصل صار معنويا أكثر منه تنظيميا.
1- صيغة جديدة للعلاقة
في تفسير أول للتحولات المستمرة داخل مدارس تنظيم الإخوان، يقول المفكر الإسلامي المصري، كمال حبيب، للأناضول، "ما يحدث هو خطوة للأمام في صياغة جديدة للعلاقة بعيدا عن القديمة التي لم تعد مناسبة في ظل تطورات مست الجماعة والمنطقة وظهور أفكار وأجيال وخبرات جديدة بالتنظيم".
وتشهد الجماعة خلافا داخليا حول كيفية مواجهة السلطة بمصر، أنتج تيارا جديدا بالإخوان مؤخرا، غير معترف به من قبل محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام للإخوان.
ويوضح حبيب: "الجماعة الأم صارت عاجزة عن الحركة والإنجاز ومنقسمة حاليا مع ما حدث لها من استهداف، في مقابل صحوة ومراجعة وقوة في الأطراف تزدهر وتتنوع وتقود تحولات، مثل حركة النهضة وحماس ومدارسها في المغرب واليمن وغيرها"، نافيا أن تكون تلك التحولات الأخيرة "مناورة للبقاء".
2- التخلص من المأزق المركب
الأكاديمي المصري، خليل العناني، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بمعهد الدوحة بقطر، يرى في حديث للأناضول تفسيرا ثانيا هو أن "الجماعة الأم باتت عبئا كبيرا على فروعها وعلى خياراتهم لذا جاءت قرارات فك الارتباط معها".
وأسباب ذلك من وجهة نظر العناني المتخصص في تاريخ الجماعة تعود إلى أنه "رغم كل أحداث السنوات الأربع الماضية لا تزال الجماعة (الأم) محلك سر لم تطور رؤيتها ولا استراتيجيتها وتعتمد علي عامل الزمن، في منزع استسلامي سكوني يعكس فقر الخيال وقلة الحيلة لتدفع مجبرة الآن فواتير تأجيل الإصلاح".
ويشير الأكاديمي المصري الذي أصدر كتاب "الإخوان المسلمون في مصر..شيخوخة تصارع الزمن"، في 2008 ، إلى أن "الإخوان تعيش مأزقا مركبا لم تشهده طيلة تاريخها من 3 أبعاد".
الأبعاد الثلاثة وفق خليل العناني هي أولا "محاولة البقاء أمام محاولة غير مسبوقة لاستئصالها وتحطيمها ليس فقط محليا وإنما أيضا إقليميا ودوليا".
والأمر الثاني وفق الأكاديمي البارز هو"أزمة داخلية طاحنة بسبب غياب القيادة وجمود الرؤية وتناقض الاستراتيجية، وهو ما تسبب في انقسامات"، وأخيرا "فقد جزء مهم من رصيدها المجتمعي بفعل أخطائها المتكررة والحملة الممنهجة لتشويهها وشيطنتها".
3- الاعتراف بالأمر الواقع
عمار فايد، وهو باحث مصري في شؤون الحركات الإسلامية يضع تفسيرا ثالث يراه أقرب لما يحدث قائلا للأناضول، "ماتقدم عليه حماس أو اتحاد المنظمات الإسلامية وغيرهما تحصيل حاصل والاعتراف بالأمر الواقع من عدم وجود ارتباط تنظيمي، وإعادة تعريف وضبط لصلتهم بالجماعة الأم وليست مناورة".
ويؤكد أن ما بين هذه التنظيمات والجماعة "صلة معنوية لا أكثر فهذه التنظيمات أو المدارس أيا كانت أسماءها سواء كانت إخوان أو نهضة أو عدالة وتنمية أو غيرها فهي تتعامل بشكل مستقل".
أسباب التباعد
ويرجع الفطام الشخصي من الأفرع عن الجماعة الأم إلى 3 أسباب من وجهة نظر فايد، الرئيسي منها "متعلق بتصنيف مصر (في 2013) والسعودية (في 2014) للجماعة كإرهابية وهو ما دفع الحركات لتحديد خطوط تماسها مع التنظيم حتى لا تعيق مصالحها في بلادها".
والسبب الثاني وفق فايد لذكر عدم التبعية للإخوان هو "الإجابة عن سؤال يوجه ويستخدم بشكل سلبي للتيارات المنتمية فكريا للإخوان عن علاقتها بالجماعة أثناء مشاركتها السياسية أو تحركاتها الخارجية".
ويضيف في هذا الصدد: "ليس من المنطقي أن تتصدر السلطة في دولة وهناك شبهة أنك تابع لحركة خارجها".
سبب ثالث، يراه فايد "يخضع أيضا لكون تنظيم الإخوان بمصر تمسك بمواقفه أثناء خلافاته وعملية الخلاف الداخلي الأخيرة باعتبارها شأنا محليا، وهذا ربما أعطى الحق أيضا لتلك المدارس أن تحدد شأنها المحلي دون الخضوع لأية مرجعية تنظيمية أخرى".
** مستقبل مزدهر للفروع
وبينما يضع الباحث البارز خليل العناني، احتمالية أن "يبقى التنظيم قائما وإن بكفاءة أقل بكثير من ذي قبل"، يؤكد المفكر كمال حبيب يرى أن مستقبل الجماعة "سيشهد مزيدا من التحولات لفروع الجماعة وازدهارها لإيجاد صيغة مختلفة لتكوين شكل جديد للاستمرار".
ويرى حبيب أن "التنظيم الأم يتجه في مصر إلى الأفول والبقاء متمسكا على مواقفه دون تجديد، ثابتا في معركته مع السلطة المصرية، يساعده في ذلك أنه ذو بعد ديني وعقائدي".
قريبا من هذا يتوقع الباحث المصري، عمار فايد، مواقف مماثلة لمدارس الجماعة كإخوان ليبيا مستقبلا، مؤكدا أن تلك الخطوات لن تؤثر على الجماعة "المهددة بافتقادها لرؤية وقيادة توحد جبهتها الداخلية".
** الجماعة باقية وتتطور
في المقابل، يرى محمد سودان، القيادي المصري البارز بجماعة الإخوان، والمقيم بلندن للأناضول، أن "الجماعة ليست فقيرة الخيال أو تحتضر، البعض ظن ذلك عنها في السابق ولكن تاريخها يبين أنها سرعان ما تلتئم عندما تنتهي المحن".
ويري أنه "لابأس" من خطوات أي فرع للتنظيم طالما تخدم الأهداف العامة للأوطان ومنهج الجماعة.
ويؤكد أن "الجماعة باقية وستتطور (..) ولا أظن أن هناك جماعة موجودة على الأقل في بلادنا العربية أو الإسلامية، لها نفس القوة والحضور، حتى لو تقسمت إلى أجزاء أو كتل أو اختلفوا في بعض أهدافها أو مشاريعها".
وعاشت الجماعة منذ نشأتها في صراع شبه دائم مع السلطة بمصر، تخللته مهادنات ذات عمر قصير، كان أشدها في أحكام بالإعدام والسجن لعدد من قياداتها في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (يونيو/ حزيران 1956: سبتمبر/ أيلول 1970)، وشهدت محنة كبيرة وقتها، وفرار بعض القيادات للخارج.
واستطاع نظام الرئيس الراحل أنور السادات (سبتمبر/أيلول 1970 إلى 6 أكتوبر/تشرين أول 1981)، استيعاب الجماعة، وأعادها للحياة العامة من خلال قرارات بالعفو والدمج ظهرت للنور في عام 1971.
وعملت الجماعة تحت سقف منخفض خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981 - 2011) وسط محاكمات عسكرية لعناصرها، حتى ظهرت بقوة عقب ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بمبارك، وتصدرت المشهد لتقدم أول رئيس مدني منتخب للبلاد (محمد مرسي) في صيف 2012، وعادت مرة أخرى للخفوت بعد الإطاحة بمرسي أواسط 2013.