نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للأكاديمي المتخصص في حركة حماس طارق باكوني، يتحدث فيه عن إطلاق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، رسميا لـ"وثيقة المبادئ والسياسات العامة"، التي طال انتظارها، خلال مؤتمر صحافي عقده مساء الاثنين في العاصمة القطرية الدوحة.
ويشير الكاتب إلى أن قادة حركة حماس نفوا أن تكون هذه الوثيقة بديلا لميثاق الحركة، الذي صدر عندما أسست الحركة، مستدركا بأنه رغم ذلك، فإن نشرها هو تحرك طال انتظاره، ولا يمكن إهماله.
ويلفت المقال، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ميثاق حركة حماس هو عبارة عن وثيقة خطابية، تدعو إلى إقامة دولة إسلامية فوق أرض فلسطين التاريخية كلها، مشيرا إلى أنه منذ أن صدر ذلك الميثاق عام 1988، فإن كثيرا من قادة حماس نأوا بأنفسهم عنه.
وتستدرك الصحيفة بأنه بالرغم من ذلك، فإن الدعوات للقيام بمراجعة الميثاق فشلت؛ للحفاظ على صورة من النقاء الأيديولوجي، ولأجل القاعدة الأوسع نطاقا من أنصار الحركة، ولتجنب الانشقاقات في الحركة.
ويجد باكوني أنه "بالمقارنة مع الميثاق، فإن هذه الوثيقة أكثر دقة وأكثر حكمة سياسية، ومع أنها لا تصل إلى المستوى الذي كان يأمله الكثير فيما يتعلق بإصلاحات داخل حركة حماس، إلا أنها تظهر التطور الذي حدث لحماس بصفتها حركة وكيانا حاكما في غزة، بعد 30 عاما من تأسيسها".
ويبين الكاتب أن "الوثيقة لم تحتو على مفاجآت كبيرة على الصعيد السياسي، فحركة حماس تدعم إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، ولا تعترف بإسرائيل، ولم تتخل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حيث أن القبول بالدولة كمرحلة انتقالية، مع الالتزام بالتحرير النهائي لفلسطين، هو ما قدمته الوثيقة على أنه (صيغة للإجماع الوطني)، وهكذا يمكن فهم الوثيقة على أنها حل وسط يرضي الأطياف المختلفة في حركة حماس، ويوفر أيضا قاعدة للتصالح مع حركة فتح".
وتفيد الصحيفة بأن "الوثيقة لا تستخدم لغة معادية للسامية كالميثاق، لكنها تعبر عن الصراع بأنه ضد الصهيونية، وتنظر إلى الصهيونية على أنها مشروع (عنصري وعدواني واستعماري)، ويجب انتهاؤه في عالم ما بعد الاستعمار، وتميز الوثيقة بوضوح بين اليهود واليهودية من جانب والصهيونية السياسية من جانب آخر، وتشير إلى أن صراع حركة حماس هو مع الصهيونية، بالإضافة إلى أن الوثيقة تؤكد أن معاناة اليهود مع معاداة السامية لم تكن يوما مرتبطة بالعرب ولا المسلمين، بل لها علاقة بماضي أوروبا، ولمواجهة (المشروع الصهيوني)، فإن الحركة ترى أن المقاومة ضد الاحتلال حق مقدس ومشروع ويتماشى مع القانون الدولي".
وينوه باكوني إلى أن "هذه الوثيقة تشكل ردا على الادعاءات بأن حركة حماس حركة متعصبة لا يحكمها المنطق، ومتعطشة للدماء، وتسعى لقتل اليهود جميعهم، ومع ذلك فإن فكرة أن الوثيقة هي علامة على اعتدال حركة حماس أو تغير موقفها تماما هو أمر مبالغ فيه، لكن يجب فهم صدور هذه الوثيقة على أنه سعي للموازنة، وجهد للسماح لبراغماتية حركة حماس أن تطرح علنا دون تقويض القاعدة الأيديولوجية للحركة، إنها أداة دبلوماسية تفتح آفاقا للقيادة الفلسطينية في الضفة الغربية والمجتمع الدولي للتفاعل مع حركة حماس".
ويقول الكاتب: "إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المأزق السياسي الحالي، فإنه يجب ألا يهمل هذا الجهد، حتى وإن بقيت المخاوف. إن حركة حماس تستخدم القانون الدولي لتأكيد شرعية الكفاح المسلح، لكنها تخرق هذه القوانين عندما تستهدف المدنيين بشكل عشوائي، فمن الضروري شجب قتل المدنيين، وفي الوقت ذاته محاولة فهم السياق الذي تجري فيه أفعال حركة حماس".
ويضيف باكوني أن "إسرائيل قامت بخرق القانون الدولي لعقود من الزمن، وقتلت آلاف الفلسطينيين المدنيين، من خلال احتلالها وفي الحروب التي قامت بها في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، وليس هذا للقول بأن الطرفين متساويان، أو لمقارنة درجة المعاناة، لكنه للإشارة إلى أنه لا يمكن العمل بمبدأ التعامل والدبلوماسية مع طرف وحرمان الطرف الآخر عندما يكون الطرفان يقومان بأفعال تنتهك القانون الدولي".
ويتابع الكاتب قائلا: "يمكن قول الشيء ذاته عن رفض حركة حماس الاعتراف بإسرائيل، فوثيقة حركة حماس أقرب لحل الدولتين من برنامج حزب الليكود، حيث أن برنامج الحزب لا يذكر أبدا خطوط عام 1967، وكما أن حركة حماس ترفض الاعتراف بشرعية الصهيونية، فإن حزب الليكود يرفض حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وفي الوقت الذي قوبلت فيه الرؤى العنصرية للمؤسسة السياسية الإسرائيلية بعلاقات دبلوماسية أقوى مع المملكة المتحدة وأمريكا، فإن حركة حماس بقيت تواجه التهميش".
ويخلص باكوني إلى القول إنه "بالرغم من نقاط الضعف، إلا أن وثيقة حركة حماس تنص على مطالب سياسية لطالما كانت مركزية للنضال الفلسطيني، وتعكسها قرارات عديدة للأمم المتحدة، بما في ذلك حق العودة، بالإضافة إلى أن الانتقاد الحاد للصهيونية ومظاهرها السياسية في إسرائيل اليوم ليس مقصورا على حركة حماس ولا على الفلسطينيين، وقد اختارت إسرائيل تاريخيا تجاهل هذه المطالب السياسية، وفضلت بدلا من ذلك إدارة الصراع، ما أدى إلى بذل جهود متقطعة بين الفينة والأخرى لـ(جز العشب) في غزة، ودق طبول الحرب مؤخرا يوحي بأن هناك حربا على الأبواب، فيجب أن تعد وثيقة حركة حماس فرصة للتفاعل مع لاعب مهم يتمتع بشرعية بين مؤيديه".