نحو ربع قرن من الزمان ظل خلالها معتقلاً في السجون الأميركية، إثر إدانته بـ"ارتكاب أعمال إرهابية"، فُحكم عليه بالسجن مدى الحياة.. ولسنوات صارع الموت حتى صرعه مساء السبت 18 فبراير/شباط 2017، في أحد السجون الأميركية، بعد أن تزعم جماعة من كبريات الجماعات الإسلامية حول العالم. هو الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية بمصر، الذي توفي مساء اليوم، بعد صراع طويل مع المرض.
كان عبد الرحمن المولود بقرية الجمالية في محافظة الدقهلية (دلتا النيل/شمال) سنة 1938، يقضي عقوبة السجن مدى الحياة في الولايات المتحدة، إثر إدانته عام 1995 بـ"التورط في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص، وإصابة أكثر من ألف آخرين، والتخطيط لشن اعتداءات أخرى بينها مهاجمة مقر الأمم المتحدة"، وهي الاتهامات التي كان ينفيها بشدة هو ودفاعه.
فقد الشيخ عمر عبد الرحمن بصره بعد أشهر من مولده، وعندما بلغ الحادية عشرة من عمره كان قد أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً، وبعد دراسة طويلة بالمعاهد الأزهرية، التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة حتى تخرج فيها عام 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وعمل معيداً بها مع تطوعه بالخطابة.
وبسبب آرائه السياسية المعارضة للنظام الناصري (نظام الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر 1956- 1970) تم إيقافه عن العمل، قبل أن يتم اعتقاله بعد مضايقات أمنية؛ بسبب تنديده في إحدى خطب الجمعة بحكم عبدالناصر ورفضه الصلاة على جثمانه؛ إذ تم اعتقاله لثمانية أشهر حتى أُفرج عنه في صيف 1971.
الحصول على الدكتوراه
وعقب خروجه من السجن تمكن من الحصول على الدكتوراه، التي كان موضوعها "موقف القرآن من خصومه كما تُصوره سورة التوبة".
وعبد الرحمن، معروف في الوسط الجهادي حول العالم بـ"مفتي الجهاد"، و"الشيخ المجاهد"، وذلك منذ أن دعا إلى وجوب إسقاط نظام الرئيس المصري الأسبق أنور السادات (سبتمبر/أيلول 1970- أكتوبر/تشرين الأول 1981)؛ لاعتبارات تتعلق بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي نهاية عهد السادات، اختاره تنظيم الجهاد (شكَّل قياداته فيما بعد الجماعة الإسلامية المعروفة حالياً بمصر) مفتياً وزعيماً للتنظيم، قبل أن يصدر قرار في سبتمبر/أيلول 1981 باعتقاله.
ووقف عبد الرحمن أمام المحكمة العسكرية في مصر، في أكتوبر/تشرين الأول 1981 مداناً بـ"التحريض على اغتيال الرئيس السادات" (6 أكتوبر/تشرين الأول 1981) قبل أن تبرئه نفس المحكمة فيما بعد.
ورغم البراءة، ظل عبد الرحمن محبوساً حيث تم تقديمه مرة أخرى لمحكمة أمن الدولة العليا بتهمة "قيادة تنظيم الجهاد وتولي مهمة الإفتاء بالتنظيم"، غير أنه حصل على البراءة أيضاً في هذه القضية، التي استمرت ثلاث سنوات.
وبعد خروجه من السجن عام 1984، عاد مرة أخرى إلى الدعوة تحت مظلة تنظيم الجهاد، وسط مساومات من جانب الأجهزة الأمنية لتحجيم حركته، حتى فرض عليه الأمن الإقامة الجبرية بمنزله.
ولزعيم الجماعة الإسلامية 9 ذكور وبنتان، أرسل اثنين منهم لقتال الأميركان في أفغانستان، أحدهما قُتل في 2011 في غارة أميركية.
وفي نهاية ثمانينات القرن الماضي، سافر عبد الرحمن لأداء العمرة بالسعودية، ومن هناك توجه لعدة دول منها باكستان، حيث التقى بقادة الجهاديين في معسكرات المجاهدين في بيشاور، وكانت محطته التالية السودان، حيث تمكن من الحصول على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة من السفارة الأميركية في الخرطوم عام 1990.
وفي محطته الأخيرة، خلال تواجده بولاية نيوجيرسي، بالولايات المتحدة، أوقعت به المباحث الفيدرالية عام 1993، إثر اتهامه بالتورط في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي، وانتهت بالحكم عليه عام 1995.
واتهم عبد الرحمن آنذاك بـ"التورط في تفجير مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 1993، وهي الاتهامات التي نفاها عبد الرحمن.
وعقب حبسه، هددَّ تنظيم الجهاد، الذي كان يقوده أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة، باستهداف حكومات مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، رداً على محاكمة عبد الرحمن، كما دعا جهاديون في عدة دول إسلامية بأسر أميركيين لافتدائهم به، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث.
ومن محبسه بالسجون الأميركية أعلن عبد الرحمن تأييده لمبادرة وقف العنف التي أعلنتها الجماعة الإسلامية بمصر عام 1997، بعد عشرية دموية بين الجهاديين من جهة وقوات الشرطة المصرية من جهة أخرى.
ربع قرن من الحبس الانفرادي
نحو ربع قرن من الحبس الانفرادي بالسجون الأميركية، عانى عبد الرحمن خلالها بجانب كونه ضريراً من عدة أمراض من بينها: سرطان البنكرياس والسكري، والروماتيزم والصداع المزمن، وأمراض القلب والضغط وعدم القدرة على الحركة إلا على كرسي متحرك.
وكان يسمح لزعيم الجماعة الإسلامية بمكالمة هاتفية لأسرته كل 155 يوماً، تتيحها له إدارة السجون الأميركية منذ اعتقاله.
وسبق أن حصلت هيئة الدفاع عنه على موافقة أميركية بدراسة أمر نقله من سجنه بالولايات المتحدة إلى السجن في أي دولة أخرى، بشرط وصول موافقة من هذه الدولة، خاصة أنه توجد سوابق قانونية في تاريخ القضاء الأميركي، تم فيها نقل محكوم عليهم في قضايا مختلفة إلى دولهم لاستكمال فترة سجنهم فيها.
ورفضت الحكومات المصرية المتعاقبة تسلمه وحبسه بالسجون المصرية، دون أن تقدم أسبابا، وفق العائلة، رغم عرض واشنطن ذلك أكثر من مرة.
غير أن محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بمصر، تعهد في أول خطاب له في ميدان التحرير بوسط القاهرة أمام المتظاهرين، عقب توليه السلطة في يونيو/حزيران 2012، ببذل الجهد والعمل على تحرير عبد الرحمن، إلا أن الإطاحة به بعد عام واحد من توليه الحكم في يوليو/تموز 2013، أدت إلى عدم تحقق هذا التعهد.
ومساء اليوم السبت قال نجله محمد للأناضول إن "السلطات الأميركية أبلغت أسرته بوفاة والده".
وأوضح أن "الإجراءات التي سيتم اتخاذها تتمثل في رجوع الجثمان لمصر ودفنه بها، حيث إن هذه هي وصية الشيخ عمر".
خالد نجل عبد الرحمن، أشار في وقت سابق اليوم للأناضول، إلى أن "المخابرات الأميركية تواصلت مع الأسرة أمس الجمعة، وطلبت منها التواصل مع سفارة بلادها بالقاهرة لتقديم طلب بشأن إعادة زعيم الجماعة الإسلامية إلى مصر، نظراً لحالته الصحية المتأخرة جداً".
وذكر أنه "قبل 10 أيام كانت مكالمة والده الوحيدة لهم منذ تولى (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب الرئاسة (20 يناير/كانون الثاني الماضي) وقال خلالها إن السلطات الأميركية منعوا عنه الأدوية وجهاز راديو كان بحوزته"، مضيفاً أن "هذه ربما تكون هي المكالمة الأخيرة".
وفي وقت سابق اليوم، قالت أسرة عبد الرحمن إن المخابرات الأميركية تواصلت معها بشأن تقديم طلب لسفارة واشنطن بالقاهرة لإكمال عقوبة السجن في بلاده.
محاولة نقله لقطر
كما كشفت الجماعة الإسلامية، قبل ساعات من وفاته، عن جهود مكثفة تبذل منذ صباح اليوم لنقله إلى دولة قطر، وذلك بعد إبلاغ الإدارة الأميركية لزوجته عائشة استعدادها لترحيله إلى أي بلد عربي أو إسلامي يرغب في استقباله بعد تدهور صحته وفقدانه القدرة على النطق والحركة.
جاء ذلك وفق خالد الشريف، المستشار الإعلامي للجماعة الإسلامية، الذي أشار إلى أن قادة الجماعة وحزب البناء والتنمية وعدة شخصيات إسلامية وعربية، على رأسها الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تتواصل مع الجهات القطرية للموافقة على استقبال الشيخ عمر عبد الرحمن.
كما سبق أن أصدرت أسرة عمر عبد الرحمن اليوم بياناً ناشدت فيه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، سرعة نقله إلى قطر، نظراً لتدهور صحته وليقضي ما بقي من حياته في الدوحة، غير أنه توفي عن عمر يناهز الثمانين عاماً.
ونعت الجماعة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين وقيادات إسلامية وسياسيون بمصر الزعيم الراحل.