يحاول محامون حقوقيون دفعَ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إنهاء العمل بقانون استندت إليه حكومته في حبس آلاف المصريين، وإصدار أحكام بالإعدام على مئات منهم، قائلين إن القانون أُلغي عام 1928.
وخلال السنوات الثلاث الماضية طبَّق القضاة القانون رقم 10 لسنة 1914، بشأن التجمهر في دعاوى أفضت إلى حبس معارضين ومواطنين عاديين احتجوا على الحكومة، كما استُخدم في إصدار أحكام جماعية بالإعدام على إسلاميين بشكل أساسي.
وأشارت قوات الأمن إلى القانون لتبرير استعمال القوة ضد المتظاهرين، مما أدى لمقتل آلاف منهم في حملة تقول السلطات إنها ردٌّ على هجمات مميتة على الشرطة والجيش، وإنها مطلوبة لحفظ الاستقرار في أكثر الدول العربية سكاناً.
كان القليل معروفاً عن قانون التجمهر إلى أن قررت منظمة حقوقية التنقيب بشأنه في مراكز حفظ المعلومات. ونشر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وهو منظمة أهلية، تقريراً يقع في 95 صفحة عن القانون يوم الثلاثاء.
صدر القانون الذي يجرم تجمع خمسة أشخاص فأكثر، والذي يفرض عقوبات جماعية بطلب من سلطات الاحتلال البريطاني لوقف احتجاجات المصريين ضد حكمها مع اقتراب الحرب العالمية الأولى.
وما اكتشفه الباحثون أن البرلمان المصري أصدر في 1928 قانوناً بإلغاء قانون التجمهر.
وكان يتعين أن يُنشر القانون الذي ألغى قانون التجمهر في الجريدة الرسمية، ليصبح سارياً بعد أن مر 30 يوماً دون أن يصدره الملك فؤاد الأول أو يرفضه.
لكن الملك الذي عارض إلغاء قانون التجمهر، الذي كان يعرف أن رفض إلغائه سيقابل بالرفض من البرلمان، مَنَع نشرَ القانون الجديد في الجريدة الرسمية، ليبقى وضع كل من قانون التجمهر وقانون إلغائه مبهماً.
"أوقفوا القرار"
وعلى الرغم من ذلك استمرت حكومات ما بعد الاحتلال وحكومات العهد الجمهوري التالية في تطبيق قانون التجمهر في مختلف المراحل. بل إن الرئيس جمال عبد الناصر الذي أطاح بالنظام الملكي شدَّده في 1968 بعد مظاهرات للطلاب.
مع ذلك يقول الباحثون إن عدم نشر قانون إلغاء قانون التجمهر في الجريدة الرسمية لا يقلل من قيمته القانونية، ولهذا السبب كان استمرار العمل بقانون التجمهر ولا يزال غير قانوني.
وكان من نتيجة ذلك أن مجموعة من 21 شخصاً، بينهم ناشطان محبوسان تطبيقاً لقانون التجمهر، أقاموا دعوى قضائية يوم الثلاثاء للمطالبة بنشر قانون إلغاء قانون التجمهر في الجريدة الرسمية. وضمت المجموعة محامين وقياديين في أحزاب معارضة.
وتستند الدعوى إلى القول إن قانون التجمهر ألغي في 1928، وتطالب السيسي والحكومة بوقف العمل به.
وقال بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان "آن الأوان أن يبادر رئيس الجمهورية فوراً بإزالة هذا العار التاريخي والقانوني، وتفعيل إلغاء قانون الاحتلال البريطاني، الذي كان هدفه قمع حق المصريين في الاحتجاج ضد الاحتلال".
وأضاف "يتعين الإفراج الفوري عن كل المُصادرة حريتهم بمقتضى هذا القانون الجائر والميت، والاعتذار لهم وتعويض أسرهم".
ولم ترد الحكومة ورئاسة الجمهورية على طلب رويترز بالحصول على تعليق. ورفضت وزارة العدل التعليق.
وقال مسؤول، طالباً عدم نشر اسمه، إنه من غير المرجح أن يردّوا؛ لأن الموضوع معروض على القضاء.
ويقول نشطاء إنهم يعرفون أن من غير المرجح أن يلغى القانون، وأنه إذا ألغي بسبب مسألة فنية فلا يوجد ما يمنع البرلمان الذي يؤيد معظم أعضائه الحكومة من إصدار قانون مماثل.
وتقدر منظمات حقوقية عدد من ألقي القبض عليهم منذ 2013، عندما أعلن الجيش عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، بنحو 40 ألف شخص. وأعلن السيسي عندما كان وزيراً للدفاع وقائداً للجيش عزل مرسي في يوليو/تموز 2013، بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاماً.
وبصورة فعلية يمثل قانون التجمهر وقانون عرف بقانون التظاهر صدر أواخر 2013 حظراً للاحتجاجات، وامتدت حملة قضائية وأمنية استهدفت إسلاميين في البداية لتشمل نشطاء علمانيين وصحفيين.
عقاب جماعي
ويسمح قانون التجمهر بفترة حبس ستة أشهر لأي خمسة أشخاص فأكثر، إذا تجمعوا ورأت الشرطة أن تجمعهم يهدد السلم العام، حتى إذا لم يرتكبوا جرماً.
وإذا وقعت جريمة مثل عملية قتل خلال تجمعهم يعاقب الجميع، وكذلك من دُعوا إلى هذا التجمع، حتى إن لم يحضروه.
وتبين مراسلات محفوظة في دار المحفوظات الوطنية البريطانية، توصَّل إليها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، واطَّلعت عليها رويترز تمت بين المندوب السامي البريطاني في مصر ووزير الخارجية البريطاني، أن الملك الذي كانت احتجاجات تخرج ضده طلب من البريطانيين منع البرلمان من إصدار قانون إلغاء قانون التجمهر، لكنهم رفضوا.
وتكشف المراسلات أيضاً أن تفكير البريطانيين انصرف إلى أن القانون أدى غرضه، بعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى، وأنه لم يعد مقبولاً من الرأي العام البريطاني بعد الحرب.
ويقول مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن التقرير عن القانون صدر بعد عامين من الموعد الذي كان مزمعاً بسبب تصاعد الضغوط على العاملين في منظمات المجتمع المدني، ومنها المنع من السفر وتجميد الأرصدة.
وأثار التقرير مناقشات في مجلس النواب، وطالبت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في المجلس الحكومة بإصدار بيان بشأن مصير القانون. وإلى الآن ليس هناك رد من الحكومة.