ثورة الإعلام الرقمي لم تتجاوز عمرها 10 سنوات، لكنها استطاعت أن تغزو كل العالم، وتهيمن على أفكاره وسلوكياته وتؤثر إيجاباً أو سلباً على يومياته وحياته، لتصنع تاريخه وحاضره ومستقبله، إنها ثورة سريعة وسهلة الوصول جرفت أمامها كل مبادئ الإعلام التقليدي، وعلى رأسها منصة التلفزيون الذي أصبح في نظر البعض مجرد موروثاً أو ديكوراً في المنزل، بسبب هجرة جماعية شهدها جمهوره الذي أدار بوصلة اهتماماته نحو أدوات ومنصات إلكترونية صارت في متناول يده 24 ساعة، من خلال الوسائط المتعددة والأجهزة الذكية والقنوات الإلكترونية، وأبرزها قناة «يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية الأخرى التي غزت الأجهزة الذكية، وكذلك التلفزيون الذكي، التي من خلالها يستطع المستخدم مشاهدة ما يريد في أي زمان ومكان.
وهذه التطبيقات والقنوات الإلكترونية أصحبت تنافس التلفزيون بقوة لما توفره من خصوصية وتفاعلية وحرية في الطرح مع سرعة الوصول إليه، وكذلك جودة المضمون الذي يعتمد على التشويق والتسلية، ما جعلها هدفاً استراتيجياً مهماً أمام مرمى جميع المحطات التلفزيونية لتوسعة نطاق حضورها وجمهورها وإحياء دور التلفزيون كقيمة تربوية وترفيهية في حياة المشاهدين، فضلاً عن أن منصات الإعلام الجديد باتت بيئة خصبة للمعلنين تتهافت عليها شركات كبرى متخصصة في الإعلان والإنتاج الفني، لحجز مكاناً لها في هذا العالم الذي جذب اهتمامات الملايين.
فهل يسحب الإعلام الجديد البساط من التلفزيون، وهل تهدد التطبيقات والمواقع الإلكترونية مستقبل الشاشة الفضية وما التحديات التي يواجهها صناع القرار من رؤساء محطات تلفزيونية وإعلاميين، في ظل منافسة الإعلام الجديد.. أسئلة كثيرة طرحتها «الاتحاد» مع عدد من مسؤولي قنوات تلفزيونية وإعلاميين، ليحدثونا مع مستقبل التلفزيون مع تعدد التطبيقات التلفزيونية والقنوات الإلكترونية والمنصات الرقمية التي أصبحت الشاشة رقم 1 لدى الكثير، وبالتالي من الممكن أن يتعرض التلفزيون إلى «التهميش».
المصدر الأول
ويقول مازن حايك المتحدث الرسمي باسم مجموعة MBC مدير عام العلاقات العامة والشؤون التجارية: يبقى التلفزيون المصدر الأول والأساسي للترفيه والمعلومات بامتياز في العالم العربي، على تعدد مصادر المحتوى التلفزيوني وألوانه وأنماطه، من محتوى إخباري وعاجل إلى ترفيهي وتثقيفي ورياضي، إلى برامج المواهب والمسابقات والمسلسلات درامية والأفلام، فباختصار، المحتوى التلفزيوني هو الأكثر وقعاً على الناس والأكثر تأثيراً بهم، بموازاة ذلك، تطورت خلال الأعوام الماضية ذهنية ما كان يعرف ب «الإعلام القديم» أو الـ «Old Media»، وأصبح التحدّي تدريجياً في مدى القدرة على إيصال المحتوى الإعلامي عبر المنصات المتعددة الثابتة والمتحركة والرقمية والتفاعلية، إلى درجةٍ بات معها تعدد المنصة الإعلامية وتنوعها - عبر مختلف الشاشات والوسائل - مسألة أساسية وجوهرية، بل من بديهيات العمل التلفزيوني المعاصر.
آنية وتفاعلية
ويوضح مازن أنه رغم اعتماد الإعلام الجديد أو «New Media» على «الآنية» والتفاعل المباشر وشبه المتواصل مع المتلقي، وذلك عبر تعدد المنصات وتنوعها من هواتف وشبكات تواصل اجتماعي ومنتديات وأجهزة محمولة ذكية، وذلك لإيصال المحتوى الإعلامي بطريقة وتفاعلية إلى أكبر شريحة ممكنة من الجهور، سواءً أكانوا من متابعي التلفزيون أم سواهم، ألا أن ذلك لا يقلل من الدور الطليعي لشاشة التلفزيون وجاذبيتها العائلية وأهميتها وواقعها وتعلق الملايين بها.
وقال: أعتقد أن التلفزيون والإعلام الجديد أصبحا عالمين ليسا منفصلين متنافرين، بل هما عالمان متكاملان ويعملان سوياً، ومن هنا بات من بديهيات العمل الإعلامي اعتماد الوسائط المتعددة والمنصات المختلفة للوصول إلى مختلف أعمار وأنماط وأذواق الجمهور، سواءً أكان من مشاهدي التلفزيون أو من متابعي الوسائط والمنصات الإعلامية الأخرى، وبناءً على ذلك، قامت مجموعة MBC منذ سنوات بإطلاق خدمة «شاهد. نت» مكرسة فكرة الفيديو عند الطلب video on demand، ليصبح المحتوى التلفزيوني متاحاً في كل مكان وزمان عند الطلب، وعلى مختلف المنصات الثابتة والمتحركة.
تجديد
ويوضح: اليوم لا يقتصر «شاهد.نت» على توفير محتوى قنوات MBC وإنتاجاتها فحسب، بل توسع ليشتمل على مروحة واسعة جداً من الخيارات، وهو ما يجعل المشاهد غير ملزم بمتابعة نمط برامج محدد، فقد لمسنا من خلال تجربة MBC الرائدة طوال 25 عاماً أن المشاهد بطبيعته يحب الاكتشاف والتجديد والتنويع في مصادر الترفيه التي يحصل عليها، وهذا ما حذا بالمجموعة لاعتماد الإبداع والتطوير والتحديث، مع توفير أفضل محتوى إعلامي يرقى إلى العالمية، وبالتالي السعي دواماً إلى استباق توقعات المشاهد العربي، في كل مكان وزمان.
والمعروف أن التلفزيون تزداد نسب مشاهدته درامياً وبرامجياً في أشهر سباق درامي وهو شهر رمضان، وعما إذا كانت هناك مشاريع لخلق مواسم أخرى مثل رمضان ليكون التلفزيون في الصدارة بشكل مستمر يقول مازن: طبعاً هناك دائماً خطط برامجية موازية، من المعروف أن رمضان هو «موسم الذروة» وموسم المشاهدة التلفزيونية العائلية بامتياز، وذلك بسبب تغير نمط حياة الناس وأعمالهم في هذا الشهر من كل عام، فضلاً عن اجتماع العائلات أمام أجهزة التلفزيون، أكثر وأكثر، وازدياد ساعات وجودهم داخل المنزل، ولكن يهمني أن أشدد أن ثمة برامج وإنتاجات تحقق خارج رمضان نسب مشاهدة تضاهي نسب المشاهدة التي تحققها البرامج والمسلسلات الرمضانية، مثل بعض البرامج التي تنتجها MBC، من بينها «أراب أيدول»، و«the Voice»، و«Arabs Got Talent»، بالإضافة إلى إنتاجات محلية ودرامية أخرى على غرار «سيلفي»، و«كلام نواعم»، و«صدى الملاعب» إلى جانب الإنتاجات الدرامية الكبيرة مثل «عمر»، و«سرايا عابدين»، والمقصود هنا أن هناك بعض الإنتاجات التلفزيونية من قبل بعض القنوات التي نجحت في توسيع هوامش نسب المشاهدة التلفزيونية لتمتد على كامل شهور السنة، وهو ما جعل من نسب التكلفة الإنتاجية والعائدات الإعلانية خلال شهر رمضان تتماهى نسبياً مع بقية أشهر السنة.
ثلاثة حلول
ويرى مازن أن هناك الكثير من الحلول التي تجعل التلفزيون يحافظ على صدارته وتواجده وسط هجوم الإعلام الجديد ومواقع الـ «أون لاين» التلفزيونية، حيث يقول: أولاً يجب التركيز على المحتوى العالي الجودة والجذاب والراقي والمتكامل والقادر على مخاطبة كافة أفراد العائلة العربية على اختلاف مشاربهم وأذواقهم، ثانياً الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة ووسائل التوزيع والانتشار، ثالثاً إنتاج محتوى يناسب كل منصة من المنصات الإعلامية الموازية، وبمعنى آخر القدرة على إنتاج صِيغ أصلية لنفس المحتوى وبنفس الجودة الإنتاجية والفنية ونفس المزايا التفاضلية، على أن تناسب كل صيغة من هذا الإنتاج منصة مختلفة من المنصات الإعلامية المتعددة، سواء موبايل، أو أجهزة كمبيوتر محمولة، ولوحية، ومواقع تواصل، فإن ذلك يعتمد أولاً على توفر القدرة الإنتاجية بحيث يتم تعديل طريقة الإنتاج لملاءمة المنصات المختلفة بموازاة المنصة التلفزيونية التقليدية، كما يعتمد أيضاً على ملاءمة الفكرة للمعلن الذي سيلجأ حتماً إلى الاستثمار في تلك الصيغ المتنوعة للإنتاج «formats»، إذا ما وجد فيها فرصة في الوصول إلى أكبر عدد من المتلقَين عبر مختلف المنصات، وليس فقط المنصة التلفزيونية التي تبقى الأساس والأكثر وقاعاً وعائداً على الاستثمار الإعلاني.
أما بالنسبة لحيثية تقليص الإعلانات نزولاً عند رغبة الجمهور، خصوصاً أن هذا الأمر يعد من الأسباب الرئيسة لاتجاههم إلى موقع الـ «أون لاين» التي تعتمد بث المسلسلات والبرامج من دون فواصل إعلانية، يوضح مازن: لا بد للمشاهد التلفزيوني أن يدرك أنه ليس ثمة إعلام قوي وراقٍ وهادف بمواصفات تضاهي العالمية من دون وجود إيرادات إعلانية مستدامة كفيلة بتغطية تكاليف الإنتاج والبث والتطوير، فالمحتوى الإعلامي بحاجة إلى تمويل مصدره الأساسي هو العائدات الإعلانية، وهذا ينطبق على جميع القنوات المفتوحة، أي غير المشفرة حول العالم، مفيداً بأن الخدمات الرقمية والتطبيقات التلفزيونية الذكية توفر محتوى خالٍ من الإعلانات بشكل غير مجاني، وذلك مقابل اشتراكات شهرية - سنوية، منطقية وغير باهظة بالنسبة للمتصفح الذي لا يرغب بوجود فواصل إعلانية خلال المشاهدة عبر الإنترنت.
عن مستقبل التلفزيون في ظل منافسة الإعلام الجديد وأدواته وسلاحه لمواجهة وسائط الإعلام الحر، يرى هاشم الداوود مدير قناة الظفرة أنه من الممكن في الفترة المقبلة أن يتم الاستغناء عن دور التلفزيون والاعتماد على الـ «أون لاين T.V» بسبب الانتشار الواسع لمواقع التواصل وسهولة الوصول إليها في الوقت والمكان، فضلاً عن تأثير التكنولوجيا التي ساهمت بتطوير المشاهدة على تلك المنصات، مشيراً إلى أن السينما قد تتحول هي الأخرى إلى حالة اجتماعية للراغبين في حضور الأفلام الجديدة، حيث يمكن مشاهدة الأفلام باشتراك بسيط عبر العديد من المواقع دون داعٍ للذهاب إلى السينما.
ويحدثنا هشام عن استراتيجياتهم في تلفزيون «الظفرة» لمنع هجرة المشاهدين إلى وسائل الإعلام الجديد، فيقول: نعمل على تطوير الـ «أون لاين T.V» من خلال الموقع الإلكتروني للقناة، حيث تتيح للمشاهد متابعة محتوى القناة في أي وقت على الموقع بشكل أفضل من التلفزيون، كما قمنا بتطوير منصات التواصل الاجتماعي لتحتوي عدداً من المواد الجيدة التي تغني المشاهد وتثري اهتماماته، مؤكداً أن تلك الوسائط استطاعت سحب البساط من تحت المحطات التلفزيونية لا سيما أنها تلقى إقبالاً كبيراً من شريحة الشباب، كما أنها باتت تؤثر بشكل كبير على التلفزيون وهو ما دفع جميع المحطات إلى تقوية وسائل تواصلها الاجتماعي ومواقعها الإلكترونية لتستطيع الانتقال لاحقاً إلى التلفزيون الجديد دون عوائق.
الأول
وعلى الرغم من هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الـ «أون لاين» على الحياة اليومية وتفاعل مختلف شرائح المجتمع معها إلا أن د. فيصل علي مدير إدارة الإعلامي الرقمي في تليفزيون الشارقة يؤكد أن تلك الوسائط لن تلغي دور التلفزيون ومكانته في وجدان المشاهدين، فمثلاً لا تزال الإذاعة حتى اليوم حاضرة، وتمتلك نسبة متابعة عالية، مشيراً إلى أن كل وسيلة إعلامية تحظى بقاعدة من المشاهدين بحسب اهتماماتهم ورغباتهم وثقافاتهم، فلا تزال هناك شريحة كبيرة من المهتمين بمنصة التلفزيون وتعتبرونه الشاشة رقم 1 كمرجع أساسي لاستقاء الأخبار والبرامج والترفيه، كونهم لم ينخرطوا في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير.
ويضيف: يجب الاستفادة من الوسائط المتعددة وقنوات الـ «أونلاين» في تعزيز حضور وتفاعل جيل الشباب مع البرامج التي تقدمها القنوات التلفزيونية، ومحاولة توظيفها في توسيع نطاق المتابعين والمشاهدين، من خلال نشر البرامج التلفزيونية أو مقاطع منها، وهو ما يتيح للمشاهدين في مختلف مناطق العالم، لا سيما تلك التي لا يصلها بث التلفزيون لمتابعتها والتفاعل معها.
ويؤكد فيصل أنهم حرصوا في مؤسسة الشارقة الإعلام منذ سنوات على الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي، وتخصيص صفحات للقنوات ولبعض البرامج أحياناً من خلالها، من أجل مزيد من التواصل والتفاعل مع المشاهدين، وكانت النتيجة إيجابية جداً لنا، لأنها زادت من الإقبال على البرامج، وأتاحت لنا فرصة الاطلاع على آراء وملاحظات المتابعين، للاستفادة منها في تطوير البرامج، وقد يكون ذلك هو التأثير الأبرز لهذه الوسائل على التلفزيون.
أرباح كبيرة
ويشير الإعلامي طارق الحوسني - مذيع في قناة الظفرة - إلى أن هناك من يعتقد أن إقبال الناس على مواقع التواصل والمواقع الإلكترونية هو حالة مؤقتة، بينما يؤكد البعض الأخر بأن التلفزيون سيصبح بعد سنوات مجرد تاريخ، لكنه يؤكد بحكم خبرته ودراسته الأساسية في مجال الحاسوب، بأن الوسائط المتعددة وال «أون لاين» ومواقع التواصل لن تكون مؤقتة، ويقول: لم نكن نصدق يوماً أن يصبح الكمبيوتر أداة صغيرة نخبئها في جيوبنا، ونستخدمه في أي وقت كان، لذلك أتوقع أن ثورة الإعلام الجديد قادرة أن تنهي دور التلفزيون العادي، وسيكون مجرد موروثاً أو جزءاً من ديكور المنزل، موضحاً بأن المشاهد يقبل على قنوات «يوتيوب» وتطبيقات التلفزيون «أون لاين» عوضاً عن التلفزيون قصداً لمتابعة برامج معينة أو مواد ترفيهية أو تثقيفية متنوعة، وباتت تلك القنوات تحقق أرباحاً كبيرة، كما أنها استحوذت على أعلى نسبة مشاهدات، وهذا ما جعل شركات إعلانية كبرى تضع إعلاناتها على «يوتيوب»، بعد أن كانت تعتبره مجرد عبث شبابي لا يقدم سوى فيديوهات سطحية عديمة القيمة والفائدة، لكنها اليوم تثق في تلك المنصات وتأثيرها على الجمهور وتراهن على انتشارها، ويتوقع الحوسني أن الإعلام الجديد بعد 10 سنوات سيلغي دور الإعلام التقليدي في التلفزيونات والراديو لتنقرض أو تتحول ربما إلى منصات إلكترونية.
كبسة زر
وعن المكاسب التي يجنيها المشاهد والإعلامي من منصات الإعلام الجديد يقول عبدالله علي - مذيع في قناة الظفرة: الـ «أون لاين» والـ «سوشيال ميديا»، أصبحت تفتح للمشاهد مساحة البحث عما يريد مشاهدته من خلال كبسة زر مع توافر حرية الوقت وسهولة الوصول من دون حواجز، مفيداً أن الإعلامي هو المستفيد بالتأكيد من الإعلام الجديد بوصوله لأكبر شرائح ممكنة لإيصال رسالته الإعلامية، ويمكنه بذلك اختيار أن يكون مؤثراً إيجابياً في المجتمع، أو يكون شخصية تثير ضجيجاً.
وتعليقاً على أن التلفاز ربما يندثر قريباً ليصبح موروثاً، يضيف عبدالله: الأجيال الجديدة تتجه نحو قنوات التواصل الاجتماعي واليوتيوب والقنوات المنشأة على مواقع الإنترنت، وبالتالي فإن نسبة المشاهدة للقنوات التلفزيونية، تقتصر على فئات عمرية تعودت على التلفاز كمنصة مشاهدة يومية، فمنهم من يفتح التلفزيون بمجرد الاستيقاظ أو الدخول للمنزل حتى وإن لم يكن هناك ما يشاهده، لذلك فإن غالبية محطات التلفزيونية تبث كل برامجها مستخدمة الشبكة ومواقع التواصل، مشيراً أن القضية الأهم هي ضرورة أن يعي أبناؤنا وقنواتنا أن تقديم محتوى هادفاً للجمهور يعد مسؤولية كبيرة، فيجب التركيز جيداً في توجيه إعلامنا إلى ما يخدم قضايا مجتمعنا ويرتقي بمستقبل أجيالنا القادمة.
هبة السمت: إندماج مع الإعلام الجديد
أكدت هبة السمت مديرة إدارة الإعلام الرقمي للتلفزيون والإذاعة في مؤسسة دبي للإعلام، أن لا أحد ينكر أن هناك منافسة بين وسائل الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي، لكنها ترى أن الإعلام الرقمي سبب وجوده ليس لحل مكان الإعلام التقليدي، بل لتعزيزه، فهناك أرقام مؤكدة حول انخفاض عدد المتابعين لوسائل الإعلام التقليدي وازدياد مستخدمي الإعلام الجديد في المجال الصحفي، ولكن هناك جانبا إيجابيا، وهو أن وسائل الإعلام التقليدي أخذت تعيد تكوين نفسها، وتعيد بناء ذاتها، لتندمج في الإعلام الرقمي وتكون جزءاً منه.
وتضيف: الأمر نفسه بالنسبة للمجال التلفزيوني، فهناك بعض التلفزيونات التي حاولت الإندماج مع الإعلام الجديد والوسائط المتعددة، لكي تكون جزءاً من الثورة التكنولوجية التي تحدث، وتقول: تعاونت بعض التلفزيونات في الفترة الأخيرة في عقد اتفاقات مع بعض مواقع الديجيتال وال «أون لاين» لعرض مسلسلاتها وبرامجها الفنية، لا سيما أن مسؤوليها يعرفوا جيداً الدور المكمل الذي تلعبه تلك الوسائل.
شريحة خاصة
ورغم تعدد استخدام الناس إلى الوسائط المتعددة والأجهزة الذكية ومواقع الـ «أون لاين»، إلا أن هبة ترى أن ذلك لن يؤثر على تواجد التلفزيون أو نسب مشاهدته، لا سيما أن لكل منهم له شريحة خاصة ومهتمة به، لكنها تشدد في الوقت نفسه على ضرورة أن التليفزيون يحتاج في الفترة المقبلة إلى إعادة بناء ذاته لأنه يمر في مرحلة ضياع الهوية مع وجود الإعلام الرقمي وتوفر منصات الاتصال الجديدة، لذلك يجب أن يكون هناك آلية جديدة وطريقة عمل مختلفة. وتلفت هبة إلى أن الإعلانات ليست سبباً يجعل التلفزيون يفقد بريقة بالنسبة للمشاهد، وتقول: أغلب المنصات الرقمية ومواقع الـ «أون لاين» تحتوي على إعلانات، لذلك فهذا الأمر لن يؤثر على تواجد الشاشة الصغيرة، أو يجعل المشاهد يتجه نحو المنصات الرقمية، فمن وجهة نظهرها أن ما الشيء الوحيد الذي يجعل التليفزيون لا يحافظ على صدارته، هو عدم مواكبة التطور الرقمي والتقني.
عبد الله الغامدي: التلفزيون يحافظ على جمهوره
قال عبد الله الغامدي، مذيع في تليفزيون أبوظبي: رغم الوسائل التكنولوجية الحديثة وظهور الإعلام الرقمي والوسائط المتعددة الأخرى، إلا أن هناك بعض المجالات لم تتأثر بالوسائل الحديثة، مثل الكتاب الورقي والصحيفة الورقية والإذاعة المسموعة «الراديو»، وظلت هذه الأشياء تحتفظ بوجودها بين الناس ولم يطفأ بريقها حتى الآن، الأمر نفسه ينطبق على التلفزيون، فرغم ظهور العديد من التطبيقات الرقمية ومواقع الـ «أون لاين» ومواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الفيديو تيوب، إلا أنه لا يزال يحافظ على جماهيريته، لأنه وسيلة مهمة لنقل واقع الحياة الاجتماعية والثقافية والإنسانية من خلال الصوت والصورة، لذلك فهو موجود داخل البيوت مثل الماء والطعام والأمور الأساسية في حياة الإنسان.
ويضيف: لا ننكر أن هناك منافسين لجهاز التليفزيون الذي ظل لعقود طويلة هو الذي يستحوذ على أكبر نسبة من المشاهدين والمتابعين من الكبار والصغار، هؤلاء المنافسون أصبحنا نراهم بصورة علنية من خلال الأجهزة الذكية التي يتابع من خلالها الجمهور حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات الـ «يوتيوب» وأشهر التطبيقات والمواقع، مثل «سناب شاب»، فضلاً عن أن التلفزيون قديماً كان يستحوذ على عقول الصغار من خلال المسلسلات وأفلام الكرتون، وأصبح اليوم البديل الجديد هو الألعاب الإلكترونية التي لم تعد مقصورة على الصغار فقط، لكن الكبار قد أصابهم نوعاً من الهوس بلعبة مثل «بوكومون جو» التي لا أشك أنها أصبحت لممارسيها أهم بكثير من مشاهدة فيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني أو برنامج مسابقات على التلفزيون.
قياس النجاح
لا توافق دينا آل شرف، مذيعة في تلفزيون دبي، أن التلفزيون سينتهي دوره من حياتنا، معتبرة بأنه لا يقل أهمية عن تطبيقات الـ «أون لاين»، لا سيما أن معظم المحطات التليفزيونية تتواجد بقوة على تلك الوسائط، لافتةً أن التلفزيون والـ «سوشيال» سيظلان يتنافسان للوصول لأعلى جمهور واستقطاب مستخدميهما ومتابعيهما، ولن يختفي أي منهما فشرائح الجمهور متباينة وتنقسم بحسب احتياجاتهم وأعمارهم واهتماماتهم بين قنوات تلفزيونية ومواقع اجتماعية.
دينا التي اطلقت مؤخراً برنامجها «دينا - كير» على قناة عبر «يوتيوب»، تقول عن برنامجها: لمعت فكرته بعد تجربة 11 عاماً من عملي في شبكة قنوات دبي، فما يميز الإعلام الجديد أنه يمكن الإعلامي من قياس نجاحه بشكل فوري مراعياً رجع صدى المتابعين، إلى جانب التواصل المباشر وردود الفعل ومعرفة حجم المتابعين بعكس الشاشات التي تحتاج لشركات متخصصة لقياس عدد مشاهديها خلال عرض البرنامج، فقد استطعت التواصل مع شريحة أخرى من الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي مباشرة من دون عناء انتظار موعد عرض برنامجي أو إعادته.
منافس قوي لشاشة التلفزيون
أشار رافد الحارثي ، مذيع في تليفزيون أبوظبي، إلى أنه أصبح من آخر اهتمامات المشاهد بشكل عام تتجه نحو المنصات الرقمية والتطبيقات الأخرى لمتابعة الأخبار والفعاليات والأحداث، ويقول: أصبح الخبر أو أي محتوى تليفزيوني آخر مثل برنامج أو مسلسل أو فيلم، من السهل جداً مشاهدته من دون اللجوء للذهاب إلى المنزل لفح التلفاز، فالإعلام الرقمي أصبح منبراً للبحث عن ما هو جديد في أي وقت، والدليل على ذلك أن كثر من النشرات الإخبارية قامت بنشر محتواها كاملاً عبر الـ «سوشيال ميديا». وتابع: الإعلام الحديث صار يتجدد كل يوم، وأصبح منافساً قوياً لشاشة التليفزيون، ومن خلال تجربتي السابقة بتقديم برنامجي «دقيقة مع رافد» في رمضان الماضي على «يوتيوب» وحسابي الخاص بموقع «انستجرام»، لاحظت العديد من الأشخاص الذين يقترحون عليَّ مواضيع لم أكن أفكر بها، إلى جانب التعليقات التي استفدت منها الكثير، لذلك فأن التفاعل المباشر واللحظي مهم جداً، وهذا ما يفتقده التلفزيون.