أثار صعود بوريس جونسون إلى رئاسة وزراء المملكة المتحدة جدلا واسعا حول دور وآراء جده الأكبر، علي كمال بك، في تاريخ تركيا. وفي تقريره الذي نشره موقع "المونيتور" الأميركي، سلّط الخبير التركي في الشؤون القانونية، أورهان كمال جنكيز -في تقرير نشره موقع "المونيتور" الأميركي- الضوء على انقسام آراء الأتراك حول جدّ جونسون الأكبر؛ بين اعتباره بطلا واتهامه بالخيانة.
وأفاد الكاتب بأن الجذور التركية لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أدت إلى خلق حالة من الابتهاج في صفوف ساكني قرية كالفات التركية الصغيرة التي تقع في أعالي تلال هضبة الأناضول، واحتفى سكانها بفوز "ابنهم" في الانتخابات البريطانية.
وتعد قرية كالفات الصغيرة موطن عائلة جونسون، ومسقط رأس جده الأكبر هاسي أحمد رضا أفندي، ولا يزال المنزل الذي كان يقيم فيه موجودا إلى الآن. ويقول آدم كاراجاك -أحد سكان القرية- لموقع المونيتور "لقد كان شرفا لنا أن يفوز أحد أبناء هذه القرية في السباق الانتخابي لرئاسة الوزراء في المملكة المتحدة".
وكانت أصول جونسون التركية مادة ثرية في الآونة الأخيرة للصحافة المحلية والدولية التي تسعى للكشف عن مزيد من التفاصيل المثيرة عن هذه القصة، وذلك بالحديث مع القرويين الذين كانوا يطنبون في الحديث عن تاريخ عائلة رئيس الوزراء البريطاني، حتى أن البعض ذهب إلى القول إن أفراد أسرته باتوا يُعرفون الآن باسم "أسرة الصبي الأشقر".
تاريخ مثير للجدل
بالنظر إلى حماس القرويين، وتصدر قصة جذوره التركية العناوين الرئيسية في بعض الصحف المحلية الكبرى التي كتبت "مرحبًا بك ابن عمنا بوريس"، و"حفيد العثمانيين"؛ قد يعتقد المرء أن أسلاف جونسون كانوا شخصيات محترمة ومحبوبة في تركيا، غير أن الحقيقة عكس ذلك تماما.
وكان جد جونسون الأكبر علي كمال بك آخر شخص شغل منصب وزير الداخلية في الدولة العثمانية، وهو صحفي معروف، وأكثر الشخصيات المكروهة حسب الرواية القومية للجمهورية التركية.
وأشار الكاتب إلى أن آثار ازدراء علي كمال تبدو واضحة وجلية في بعض الصحف التركية التي تحدثت عنه خلال الأسبوعين الماضيين، ووُصف في أحد المقالات بأنه "تجسيد للخيانة"، في حين وصفته مقالات ثانية بأنه "خائن ولا مجال يدعو إلى الشك في ذلك"، وكتبت عنه مقالات ثالثة "جد جونسون الخائن".
مسألة الأرمن
في الوقت الذي سلّطت فيه الصحف التركية الضوء على صفة الخيانة التي كانت تلاحق جد بوريس جونسون، قدم بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي آراء مختلفة عن علي كمال بك، ودافع العضو في البرلمان التركي الذي ينحدر من أصول أرمينية غارو بايلان عن إرث كمال السياسي واعتبر أنه طالب بمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب ما سماها جرائم كبرى بينها قضية الأرمن.
ويزداد الخلاف بشأن ما جرى في قضية الأرمن في الحرب العالمية الأولى رغم مرور قرن من الزمن، وتقول الرواية الأرمنية إن الأرمن تعرضوا للإبادة من قبل طلعت باشا وزعماء الاتحاد والترقي الذين أعطوا أوامر بإبادتهم، في حين تنفي الوثائق التركية ذلك بشدة، وتقول إن عدد الأرمن كان يقارب ستمئة ألف فقط، ويستحيل إبادة مليون ونصف أرمني كما تقول الرواية المضادة، وأن المليشيات الأرمنية قتلت عشرات الآلاف من الأتراك في ظروف الحرب بدعم روسي.
وأثارت تغريدة بايلان موجة من ردود الأفعال الغاضبة في صفوف المنظمات القومية، على غرار اتحاد الأتراك الشباب الذي عبّر عن إدانته الشديدة لموقف بايلان، وأوضح أنه سيواصل كفاحه ضد الإمبرياليين والمتعاونين معهم، في إشارة إلى بايلان.
السلطان عبد الحميد
تناول الصحفي التركي أورهان جنكيز في مقاله جانبا آخر من الموضوع، وتساءل: لماذا يُعتبر علي كمال بك -الذي قتل عام 1922- شخصية بالغة الأهمية؟ ولماذا لا يزال اسمه يثير الكثير من العاطفة والغضب والاستياء، رغم أنه بالرجوع إلى الأحداث التاريخية تبيّن أن علي كمال بك الذي كان يُعرف بفكره المتحرر وبدعمه لتقليص سيطرة الدولة العثمانية على العديد من المناطق كان حليفًا قويًّا للسلطان عبد الحميد، وهو آخر سلطان عثماني يمارس نفوذا فعليا على أراضي الإمبراطورية آنذاك.
وكان علي كمال يشاطر السلطان عبد الحميد رأيه في عدم الوثوق في حركة "تركيا الفتاة"، وانتقاده الشديد لها على خلفية الأعمال الوحشية التي اعتبر أنها قامت بها ضد الأرمن، والمجازر التي ارتُكبت أثناء حرب الاستقلال (1919-1923)، وعارض الحرب التي خاضها مصطفى كمال أتاتورك ضد القوات الأوروبية التي غزت واحتلت الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى.
مقاومة الأناضول
فرّ علي كمال في أعقاب هذه الأحداث من البلاد ليعيش في منفاه الاختياري في لندن عام 1909، وكان من مناصري الحماية البريطانية على الأراضي العثمانية خوفا من المستقبل المظلم الذي كان يهدّد تركيا آنذاك، إلا أنه كان مخطئا في هذا الأمر بعد أن نجح أتاتورك في قيادة المقاومة ونيل الاستقلال وطرد القوات الأجنبية من الأناضول.
وتزوج علي كمال بك أثناء إقامته في إنجلترا من وينفريد برون وأنجبا عثمان ويلفريد كمال جد بوريس جونسون، لكنه عاد إلى تركيا عام 1912 إثر وفاة زوجته ليتزوج من صبيحة -ابنة أحد الوزراء العثمانيين- وشغل ابنه من زوجته صبيحة زكي كونرلاب منصب سفير تركيا في سويسرا والمملكة المتحدة وإسبانيا ونجا من محاولة اغتيال على يد الجيش السري الأرميني إلا أن زوجته قُتلت.
وولد كمال بك عام 1867 بإسطنبول، وكان وزيراً للداخلية فيها لمدة ثلاثة أشهر في حدود عام 1919، قبل أن يصبح منفياً في أوروبا، ثم يقتل بطريقة وحشية بعد اختطافه في إسطنبول من قبل جنود أتراك في أعقاب حرب الاستقلال، ونقله لمحكمة الاستقلال في أنقرة بتهمة الخيانة والتحالف مع الإنجليز.
تباين آراء
في الوقت الذي تتباين فيه الآراء حول علي كمال بك، فإن المؤرخ التركي أردوغان أيدين يؤكد ضرورة إجراء تقييم أكثر دقة لإرثه السياسي، وقال في مقابلة أجراها مؤخرا "لا يمكننا التوصل إلى استنتاجات صحيحة إذا كنا نتحدث عن وصف علي كمال بك "بالخائن" أو "البطل".
ويضيف" من المهم أن ننسب إليه الفضل في دعوته لمحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية للأرمن وجرائم الحرب، ولكن نحن بحاجة إلى انتقاده على خلفية معارضته الشديدة لحرب الاستقلال ودعمه غير المشروط للبريطانيين في ذلك الوقت".
وخلص الكاتب إلى أن صعود بوريس جونسون إلى السلطة في المملكة المتحدة أثار جدلا واسعا في تركيا سواء كان مدركا لذلك أم لا، وقال إن حياة جده الأكبر ستدفع الأتراك لمزيد من البحث في تاريخ بلادهم، وإعادة النظر في الأحداث المعقدة التي حصلت في الماضي، التي تراوحت بين ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وأحداث بطولية.