في تعليق للكاتب المعروف توماس فريدمان على التطورات الجارية في المنطقة حاول بعموده الذي يكتبه في صحيفة “نيويورك تايمز″ المقاربة بين حرب الأجيال الجارية في كل من إيران والسعودية. وكيف تواجه قوى الحداثة الشبابية القوى التقليدية التي تحاول منع التغيير في البلاد.
ويرى فريدمان أن الصراع اليوم يدور على رؤى المستقبل وهو ما اعترف به الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال يوم الاثنين: “لا أحد لديه الحق في فرض رؤية محددة على جيل المستقبل” وإن الأجيال الكبيرة تحاول فرض رؤيتها على الجيلين القادمين في إيران.
ويقول الكاتب إن إيران والسعودية اللتين تخوضان حربًا على تصدير ما تراه كل واحدة منهما التفسير الديني الصالح للمسلمين في العالم تشتركان في شيء واحد هو الجيل الشبابي، حيث تعتبر غالبية السكان في السعودية ممن هم تحت سن الثلاثين. ويعلق فريدمان بأن التظاهرات التلقائية التي ضربت إيران في الأيام الأخيرة ترافقت مع رفع السعودية القيود ومواجهة المؤسسة الدينية.
ويعتقد أن التطورين يعلمان بداية النهاية للطهورية المتطرفة التي أصبحت وجهة العالم الإسلامي في عام 1979. فهذا هو عام محوري على ما يراه وبات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يروج له باعتباره العام الذي فقدت فيه السعودية “اعتدالها”. ففي هذا العام “فقدت المرأة دورها واختفت التعددية السياسية والتعليم الحديث في كل المنطقة العربية- الإسلامية وتغذت جماعات التطرف مثل القاعدة وحزب الله وتنظيم الدولة التي أدت نشاطاتها لتدمير حياة الأبرياء المسلمين وغير المسلمين وتركيب الكثير من البوابات الإلكترونية في المطارات حول العالم”.
وإذا كان عام 1979 محورياً في مسيرة العالم الإسلامي، فهو مهم للكاتب الذي بدأ فيه حياته الصحافية مراسلاً شاباً من بيروت ووجد نفسه يتابع أخبار الثورة الإسلامية وفرض ملالي الثورة الحجاب على المرأة وتبني نظام ديني للحكم بعد سقوط الشاه. وفي العام نفسه قام مجموعة من المتشددين (جماعة جهيمان) بالسيطرة على الحرم المكي “ما أفقد العائلة السعودية الحاكمة) صوابها وكان رد فعلها بعد هزيمة المسلحين هو منع الموسيقى والترفيه في مملكة الصحراء ومنحت “المطاوعة” أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطة واسعة وكثفت جهودها لتصدير رؤية متشددة للإسلام معادية للمرأة إلى المدارس والمساجد من لندن إلى جاكرتا.
وهو العام الذي غزا فيه الاتحاد السوفييتي أفغانستان حيث دعمت الولايات المتحدة المجاهدين الإسلاميين الذين مولتهم السعودية على القتال وهزيمة روسيا هناك.
وشهد العام نفسه حادث جزيرة الثلاثة أميال النووي في أمريكا والذي حد من نمو الطاقة النووية. ومن هنا فالتجميد النووي والاضطرابات في الشرق الأوسط وصعود دينغ زياوبينغ للسلطة وتبنيه الرأسمالية في الصين أدى لزيادة الطلب على النفط. وأصبح لدى السعودية وإيران فائض من المال استخدم للتنافس بينهما لتصدير الرؤية الأصولية لكل منهما. ومع زيادة نسبة الشباب وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية أصبح هؤلاء متمردين على النظم السابقة ولا يريدون تلقي رؤى يفرضها عليهم جيل الكبار. ويعمل الشباب في السعودية وإيران على دفن عام 1979 والتطلع لمستقبل أفضل. ولهذا كانت التظاهرات الأخيرة رداً على ما ورد في ميزانية منحت الحرس الثوري مخصصات عالية من أجل مواصلة مغامراته في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وكذا مؤسسات دينية ليس لها أهمية سوى أن صاحبها يدير مكتبة باسم والده آية الله الراحل. ولم يرفق سخاء الحكومة مع الملالي بسخاء للمواطنين بل قامت بإلغاء الدعم عن المواد الأساسية لـ 30 مليون إيراني من أصحاب الدخل المتدني. ويقول فريدمان إن إيران لديها شعب متعلم وتراث ثقافي غني وهي أمة قادرة على تحقيق إنجازات في العلوم والطب والكمبيوتر والفنون. إلا ان نظامها لا يركز على تعزيز الشباب الإيراني بل توسيع تأثير طهران في الدول العربية الفاشلة من خلال ميزانيات بمليارات الدولارات ولهذا صرخ المتظاهرون “الموت لحزب الله” و “الموت للديكتاتور” أي المرشد الروحي للجمهورية الإسلامية، آية الله خامنئي وصرخوا “انسوا سوريا وفكروا بنا”.
شباب المملكة والحفلات الموسيقية
ورصد الكاتب المواقف ذاتها من خلال رحلة له إلى السعودية حيث قال إنه استمع للشباب الذين عبروا عن رغبتهم باختفاء رجال الهيئة وقالوا إنهم يريدون حياة مستقلة من دون تدخل وكان هذا الشعور بارزاً بين النساء. فالشباب حسب رؤية الكاتب يرغبون بحضور الحفلات الموسيقية وقيادة السيارة وفتح شركات والاختلاط بالنوع الآخر والاحتفال بالثقافة الوطنية السعودية والطعام والفن وليس الإسلام فقط. إلا أن السعودية لم تشهد تظاهرات كما هي الحال في إيران. والفرق هناك كما يرى فريدمان هو في القيادة، فإيران يقودها رجل عمره 78 عاماً أما السعودية فيحكمها شاب عمره 32 عاماً وهو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ويعترف الكاتب أن لدى ولي العهد حزمة من المشاكل، فهو متهور ومستبد مارس البلطجة على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وأجبره على الاستقالة وورط نفسه في حرب اليمن وأسهم في الكارثة الإنسانية التي يعاني منها البلد واشترى لوحة فنية ويختاً بملايين الدولارات وأعلن حرباً ضد الفساد في الداخل. وبرغم كل هذا يجد فريدمان ما يمدح به ابن سلمان خاصة جهوده في الإصلاح الاجتماعي، فهو متناغم مع الشباب بل ويسبقهم مع أن الإصلاح السياسي ليس على الأجندة الآن.
وقام بن سلمان على حد تعبير فريدمان بخطوات لم يتجرأ أي من أبناء عمومته على اتخاذها من مثل- منع الشرطة الدينية من الشوارع والسماح للمرأة بقيادة السيارة وتخفيف سلطة رجال الدين والسماح للمرأة بحضور المباريات الرياضية والسماح بدور السينما ودعوة نجوم البوب العرب والغربيين في حفلات غنائية والعودة بالسعودية لمرحلة ما قبل 1979 وكل هذا جزء من “رؤية 2030″. وحسب رجل أعمال خليجي فالأمير محمد بن سلمان يحاول تبني نسخة سعودية عن الصين “دولة واحدة، ونظامان”.
ويعني بهذا، أنك لو كنت متديناً وتريد مكة فهي موجودة وتستطيع زيارتها، ولو كنت تريد “ديزني لاند”، فابن سلمان مستعد لبنائها لك. فولي العهد لم يعد مرتبطاً برؤية “سعودية واحدة”، وفي ظل الثقافة القبلية المتسيدة فيعني أن الكثير من الشباب سيعتمدون على الملكية والجيش. وبرغم كل هذا فيجب على ابن سلمان توخي الحذر في خطواته من ناحية المؤسسة الدينية التي تستطيع تفعيل القطاعات الأقل تعليماً والمتدينين في الأرياف والبلدات السعودية الصغيرة حالة شعر أفرادها أن هناك تغييراً سريعاً في النظم السعودية ولم يتم حل مشكلة البطالة الضخمة بين الشبان.
شباب إيران والملالي
وفي إيران لم يعبر المتشددون عن اهتمام برؤية بلد واحد ونظامين. مشيراً إلى أن إيران هي مجتمع أكثر حداثة وتحولاً عن عصر الملكية ولهذا لا يخشى شبابها الخروج للشوارع.
وكلما حاول الملالي- مثل المؤسسة الدينية الملِكِية- نهب مجتمعهم والتلحف بعباءة الدين زاد حنق الشباب الإيراني. ويتساءل الكاتب في نهاية مقالته عن الرؤية التي ستتسيد في النهاية داخل البلدين وهو ما طرحه كريم ساجدبور الباحث في وقفية كارنيغي فالأول حاكم حديث يحكم مجتمعاً تقليدياً والثاني تقليدي يحكم مجتمعاً حديثاً. وفي السعودية هناك تحركات من الأسفل للأعلى والعكس للتخلص من 1979 والبحث عن مستقبل جديد. أما إيران فهناك تحرك من الأسفل للأعلى وطي صفحة عام 1979 إلا أن رجال الدين يريدون سحقهم. ويجب أن ندعم الشباب السعوديين والإيرانيين لدفن عام 1979. ولو نجحوا فستكون هدية لمسلمي العالم وللعالم بشكل عام الذي أنفق التريليونات لمواجهة الغضب الذي أطلقه هذا العام المحوري.