ستنتهي الحرب اليمنية. كل حرب لا بد أن تصل إلى نهايتها البائسة. ما من حرب استمرت إلى الأبد، غير أنها (أي الحرب) تكون دائما بمثابة لحظة قطيعة مع الماضي الذي أنتجها، وهي في الوقت نفسه قد لا تكون بداية لدرس في تعلم كيف يمكن للإنسان أن يتجنب الحروب.
هذه الحرب ليست هي حرب اليمنيين الأولى. بالرغم من أن كل شيء في اليمن لا يوحي بإمكانية اللجوء إلى الحرب. فشعب مدجج بسلاح لا يستعمله في حياته اليومية هو شعب مسالم. وهو ما يناقض ما جرى عبر العقود الماضية وما يجري اليوم.
لقد سبق أن شهد الجزء الجنوبي من اليمن، يوم كانت هناك دولة شيوعية، حربا ضروسا بين الرفاق، لم تنته إلا وكان الجزء الأكبر من القيادة قد التحق بالرفيق الأعلى قتلا.
ثم جاءت حرب الوحدة، لتضع اليمن أمام كابوس الانفصال الذي ظل ناقوس خطره يدق، بالرغم من هزيمة الانفصاليين الذين لا يزال حلمهم باستعادة دولتهم القديمة يراود خيال الكثير من الجنوبيين.
غير ما حدث بسبب أوهام الحوثيين يكاد يشكل لحظة فارقة في تاريخ الحروب اليمنية. فلأول مرة يشهد اليمن نزاعا، غلبت فيه فئة نزعتها الطائفية، الأمر الذي دفع بها للاستعانة بدولة أجنبية لتكون ذراعها الضاربة وسيلة تلك الدولة في التمدد والهيمنة.
ما فعله الحوثيون بتنفيذهم للإملاءات الإيرانية أخرج مغامرتهم من طابعها المحلي ليضفي عليها طابعا إقليميا. وهو ما دفع بدول الجوار العربي إلى التدخل، حفاظا على عروبة اليمن وانتصارا للشرعية فيه.
لقد ضرب الحوثيون عرض الحائط بالثوابت التي كان اليمنيون يتفقون عليها حتى حين يصل الخلاف بينهم إلى ذروته حين قرروا اجتياح المدن اليمنية مدفوعين بروح الغزو، مفصحين عن حقيقة الخزين الطائفي الذي ينطلقون من خلاله إلى شركائهم في الوطن الذين فتحوا إليهم أيديهم. وهو ما فاجأ اليمنيين وجعلهم في حيرة من أمرهم.
فبعد أن سقط نظام علي عبدالله صالح، وهو النظام الذي نظر إلى الحوثيين باعتبارهم أعداء، ليحل محله نظام لم يرث منه تلك النظرة العدائية الضيقة لم يكن أحد يتوقع أن يلجأ الحوثيون إلى السلاح مرة أخرى ليفرضوا هذه المرة على اليمن كله واقعا جديدا، يلغي الإنجاز العظيم الذي حققه الشعب باعتصاماته ومقاومته السلمية.
هل كان الانفتاح على الحوثيين خطأ سياسيا قاتلا، دفع اليمن ثمنه؟
الأنكى من ذلك أن كل محاولات الحوار معهم بعد أن ارتكبوا جريمتهم كانت تنتهي إلى الإخفاق، بسبب عدم رغبتهم في الاندماج بمشروع وطني يكون بديلا لمشروعهم الطائفي الذي قاد إلى نشوب هذه الحرب المدمرة.
وكما يبدو فإن المغامرة الحوثية لم تتضمن خططا بديلة فيما إذا كان الفشل هو الاستحقاق الذي ستنتهي إليه. كانت تلك المغامرة تجسيدا لرغبة كانت مؤجلة في الذهاب في طريقة لا عودة فيها.
وهو خيار ينطوي على قدر هائل من الغرور، كان في الجزء الأكبر منه يصدر عن الاستقواء بإيران، باعتبارها حليفا طائفيا، وهو ما لم تخفه إيران نفسها، حين نجح الحوثيون في احتلال العاصمة صنعاء والمدن اليمنية الأخرى. ولأن الحوثيين لم يطرحوا حتى هذه اللحظة معايير واضحة، يكون من خلالها الحوار معهم ذا جدوى، فإن التفاؤل في أن يكون الحوار معهم مجديا هذه المرة لا يمكن أن يكون مقنعا لأحد.
ذلك لأنهم لم يكونوا مضطرين إلى إعلان الحرب في الوقت الذي كان اليمنيون يستعدون لاستثمار اتفاق الشراكة الوطنية عمليا، من خلال اختباره على أرض الواقع، تمهيدا لقيام نظام بديل، يكون بمثابة ثمرة للثورة الشعبية التي أسقطت نظام علي عبدالله صالح.
ما لم يتعلمه الحوثيون من دروس حروبهم السابقة سيكون عليهم صاغرين أن يتعلموه من حربهم الحالية، لكن بعد فوات الأوان.
لا أظن أن أحدا في اليمن سيقبل بأن يكون للحوثيين دور في صياغة مستقبل اليمن السياسي. لقد هدم الحوثيون ما كان قائما في اليمن، غير أنهم في الأساس هدموا وجودهم شركاء في الوطن.