من جديد، أثبت الحوثيون والرئيس السابق علي عبد الله صالح عدم جديتهم في مواجهة استحقاقات السلام في البلاد. فبعد الإعلان الدستوري، المخالف في الأصل للدستور، وتشكيل ما عرف ب«اللجنة الثورية العليا»، الذي اعتبر ترجمة لسيطرة الحوثيين على مقاليد الأمور بعد الانقلاب الذي نفذوه في سبتمبر/ أيلول من العام 2014، واصلوا أمس إحراق أوراق السلام واحدة بعد الأخرى، بإعلان أسماء المجلس السياسي الأعلى الذي تشاركوا فيه مناصفة بعد أسبوع تقريباً من تشكيله.
جاء إعلان المجلس السياسي أمس ليتواءم وتحركاتهم في المفاوضات التي جرت في الكويت طوال ثلاثة أشهر وأخفقت في التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الدائرة في البلاد منذ 2014 وما قبلها، عندما سيطر الحوثيون بتنسيق مع قوات الرئيس السابق علي صالح وكتلته القبلية، على العاصمة صنعاء، قبل اجتياحها المناطق الجنوبية من البلاد وشن حرب شاملة على مدينة تعز، التي لا تزال تعيش حرباً مجنونة منذ عام ونصف.
إعلان المجلس السياسي، وإن لم يضم أسماء ذات ثقل سياسي واجتماعي كبير، إلا أنه دليل على رغبة الانقلابيين في خلط الأوراق من جديد، في وقت كان الناس يتوقعون أن تكون هناك خطوات تصالحية من قبل الأطراف كافة، تعبر عن رغبتهم في إحلال السلام في بلد مزقته الحروب الصغيرة وقضت على إمكانياته الاقتصادية ومزقت نسيجه الاجتماعي المسالم.
لم يبد الحوثيون وصالح أية مرونة في التعاطي مع مساعي الأمم المتحدة في ما يتعلق بتحقيق السلام في البلاد، إذ إنهم بادروا إلى إجهاض هذه المساعي عبر المواقف المتصلبة التي أبدوها خلال مسار المفاوضات في الكويت، بعد أن تم فتح قنوات اتصال معهم من قبل الأطراف الخارجية، التي كانت ولا تزال ترغب في إحلال السلام وتطبيقه، كما لم يتجاوبوا مع المبادرات الداخلية التي كانت تهدف إلى تعطيل ماكينة الحرب المجنونة التي تدور منذ سنوات وتقتلع معها جذور المصالحة في عموم البلاد.
في الوقت الراهن لا يبدو في الأفق ما يدعو إلى التفاؤل بحل قريب للأزمة، فإعلان المجلس السياسي في صنعاء، الذي يراد له أن يكون بديلاً للحكومة الشرعية، يعرقل الوصول إلى حلول توافقية شاملة. فلو كان الحوثيون وصالح جادين في إقرار سلام دائم، فإن الأولى في مساعيهم العمل على مساعدة الأمم المتحدة في إيجاد مخرج شامل للوضع القائم، وهو وضع مختل بسبب رفضهم التعاطي مع الأزمة بروح الانتماء والحب لليمن، بعد أن تسببوا في زرع الكثير من الفخاخ في طريق تطوره ونهضته بعد أن كان قريباً من ذلك على أثر نتائج ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي تم إقرار وثائقه من قبل الجميع بمن فيهم صالح والحوثيون.
اليوم على الجميع البحث عن مخرج وإبداء قدر كبير من المرونة لإحلال سلام دائم وشامل في البلاد، وذلك لن يكون ممكناً إلا عبر تنازلات سياسية تحفظ لليمن استقلاله وإرادته وتنهي مظاهر التمزق التي تهدد حاضره ومستقبله.
نقلا عن الخليج الاماراتية