"اجلسوا مع أولادكم وشبابكم واعرفوا في أي أودية يهيمون، فإنهم لم يتركوا وادٍ لم يهيموا به ولاشِعباً ولاهضبةً ولا كهفاً ولا تحتِ نخلة".
لقد حدث -ولا يزال- تغير ثقافي ومعرفي هائل في الناس، كل الناس. بوعي وإرادة أو بدونهما. انتقل الجميع من زمن الكتاب المستعار إلى زمن الأنترنت المفتوح، والمفتوح جداً..وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها وسط قرية صغيرة تعج بمزيج من كل شيء في هذه الدينا؛ من كل ما دار في ماضيها وحاضرها ومستقبلها.
كل ذلك أصبح في متناول الطفل ذو الثالثة والكهل القابع في كوخه ذو التسعين. ورحنا، جميعنا دون استثناء، نقرأ، نتابع، نتصفح.. وأثناء هذه العملية التي تجري خلال أغلب ساعات اليوم؛ تتراكم المعرفة في أدمغتنا بوعي أو باللاوعي. حتى تلك النكتة التي قرأتها بنصف بال، ستظهر أمامك في لحظة ما.
لا تظنوا أن هذا التحول العام الخارج في غالبه عن إرادة الإنسان، قد أثر على جزء من سكان الأرض وهم الذين قرروا التفاعل معه والحديث عنه. بشتى المجالات وبمختلف الوسائل. الجميع متأثر بطريقةٍ أو بأخرى. ذاك الذي يتحدث في جروب بالواتس كل يوم وذاك الذي لم يشارك بكلمة حتى اليوم.
والمشكلة الخطيرة تكمن في أن الكثير لا يزالوا يعيشون خارج دائرة هذه الحقيقة. متشبثين بطريقة غير واضحة أو محددة بزمن ما قبلها، لاعتقادهم أن السفينة لا تزال هي وحدها التي تجري في البحر. وأن الرياح هادئة وأن كل شيء على مايرام.
ادركوا هذه الحقيقة، استوعبوها، غيروا طرق وأساليب التعامل معها حتى يتسنى لكم فهمها جيداً، اجلسوا مع أولادكم وشبابكم واعرفوا في أي أوديةٍ يهيمون، فإنهم لم يتركوا وادٍ لم يَهِيموا به ولا شِعباً، ولا هضبةً ولاكهفاً ولا وتحتِ نخلة. لقد تشّربوا -ولا يزالوا-من ينابيعٍ شتى. وملئوا بطونهم بالآسنِ والزُلال. حدثوهم فقد وأصبحوا- بفعل الزمن لا بفعلهم- ذوى رأيٍ وقول.. فلا السفينة وحدها في البحر ولا الرياح هادئة.. وليس كل شيءٍ على مايرام.