في مشهد سريالي ، يتقاذف الخصوم السياسيون ، ونقصد بهم المؤتمر والإصلاح ، مسؤلية الحرب وانهيار الدولة ، المؤتمريون يحملون الإصلاحيين المسؤولية والإصلاحيون يلقونها على عاتق المؤتمريين ، لم يغلق الحزبين صفحة المواجهات بعد ولم يكتف الأتباع بالصراع على الأرض ، بل حملوا معاركهم الحزبية إلى مواقع التواصل التي باتت تفيض بخطاب الكراهية ، فمن خلف حسابات تويتر وفيسبوك يتجرأ البعض في التعبير عن أفكار يجدون حرجا في التعبير عنها صراحة خارج الفضاء الافتراضي .
جرت الحرب على رأس الحزبين وقضت على أكثر قياداتهما ، مارس طيران التحالف اصطيادهم في القاعة الكبرى وفي معسكر العبر ومداخل عدن ومشارف صنعاء ، وشكل غطاء للحشود العسكرية الحوثية التي كانت تقوم بمهمة ضرب المقاومة وفتح الحديدة أمام الحوثي في انسحاب مخزي تطابق مع انسحاب نهم والجوف .
وبالرغم من كل الدلائل على استهداف الحزبين ، إلا أن خطاب الكراهية مازال يتصاعد ويتضخم بين الطرفين ، يرجع علماء النفس السبب النفسي لاستمرار هذا الخطاب إلى التنافس على إبراز المظلومية التي يحاول كل طرف إلقاء اللوم على الطرف الآخر والظهور بأنه يعيش آلامها وحدادها وحده ، فالمؤتمريون يلقون باللوم على الإصلاح في 2011، والإصلاحيون يلقون باللوم على المؤتمر في 2014.
يحدث ذلك كله على وقع الدعوات إلى التعايش والحوار والمفاخرة بالقبول بالآخر في الإعلام لكن في الواقع الطرفان ينازعان بعضهما البعض وغير قادرين على نسيان 2011 أو 2014 ، بالرغم من دوران المعركة ورحى الحرب على رأسيهما ، فكل طرف يواجه الآخر على أساس الولاء الحزبي وليس الوطني ، مما أنتج ذلك خطابا سياسيا فرض تماهيا بين الولاء للحزب وزعاماته بدلا من الهوية الوطنية .
ولست بحاجة إلى التأكيد بأن ردود الأفعال على ما جرى في شبوة ليست استثنائية ، بل تفصح عما وصل إليه خطاب الكراهية المتراكم منذ فترة طويلة والذي أصبح جزءا من مخيلة القواعد السياسية اليومية وأصبح خطاب الكراهية قابلا للتبسيط ، حيث أصبح كل طرف يعتقد بأنه يمارس حقه في رفع المظلومية عن نفسه وحزبه ، لهذا تم تصفية ما تبقى من الشرعية تحت ذريعة تصفية الإصلاح .
نحن أمام خطاب سياسي ملتبس ، فكل طرف يحاول قولبة الحقيقة لصالحه وتبقى المشكلة الرئيسية في القيادات من كلا الطرفين التي تسقط الطابع الإقصائي على معاركها السياسية لتبرير مصالحها ، والأمر لا يتعلق بالإصلاح ولا بالمؤتمر ، فالجميع تعرضوا للخداع والتدمير ، ومع ذلك فإن الوصول إلى عمل جماعي ليس مستحيلا ، لكنه يتطلب عملا هائلا ، كما أن الكراهية لا تتجدد بطريقة سحرية ، بل هي نتاج جهود هائلة في التعليم والتعبئة ، ولا يمكن تجاوز ذلك إلا متى ما بدأنا التفكير بما سنعمله مع بعض غدا وليس ما عملناه ببعضنا بالأمس .