لا ينظر العالم إلى الحرب الدائرة في اليمن إلا من زاوية كراهيته للنظام السعودي الذي يتهمونه بأنه يقمع شعبه ويشن حربا وحشية في اليمن ويتجاهلون ما تقوم به عصابة الحوثي الإرهابية من قمع وقتل وتدمير لكل مقومات الحياة واختطافها لمؤسسات الدولة واتخاذها للشعب اليمني كسخرة في خدمتها وخدمة مشروعها العنصري ، لذلك جاء تدخل السعودية في اليمن تغطية لكل المجازر التي تقوم بها عصابة الحوثي ، وانعكس سلوك النظام السعودي ، سواء المتعلق بحقوق الإنسان أو بقتل خاشقجي على اليمن واليمنيين وغطى على طبيعة الحرب هناك ، بالرغم من أن الإيرانيين في الجوار يعدمون معارضيهم ويغتالون نشطاء سياسيين داخل إيران وخارجها ويقمعون الحريات ويصدرون العنف إلى المنطقة ولا يتعرضون للمساءلة أو التهديد أو المحاكمة .
ما دفعني لكتابة هذا المقال، هي زيارة الرئيس الأمريكي جون بايدن إلى المملكة العربية السعودية والتي حاول الإعلام السعودي كعادته أن يقدم صورة مغلوطة عن هذه الزيارة ويصور المكاسب التي جنتها المملكة من هذه الزيارة ومن ضمنها أن المملكة فرضت شروطها على أمريكا ، بينما الحقيقة تقول إن بايدن تجنب أن تكون زيارته خاصة للمملكة أو رسمية ، لذلك اختار مدينة جدة ولم يختار العاصمة الرياض ، كما أنه اختار عقد قمة متعددة الأطراف ، وخرج من هذه الزيارة بمكاسب عدة ولم تكسب السعودية سوى مزيد من المظاهرات المنددة بها وبزيارة بايدن لها ، ومن هذه المكاسب جعل السعودية ترفع مستوى إنتاجها من الطاقة وتغطية النقص الذي سببته روسيا وكذلك جعل السعودية تفتح مجالها الجوي أمام الطيران الإسرائيلي .
خلال العقود الماضية ظلت الصفقات هي التي تحكم العلاقات الأمريكية السعودية ، لكن فترة بايدن أسقطت هذه الثنائية وجعلتها مصالح أمريكية بامتياز ، فقد صرح بأن الخطر الذي يتهدد واشنطن ، يكمن في موسكو وبكين وليس إيران ، ولم يكتف بذلك ، بل استخف بعقلية النظام السعودي حينما حاول إقناعهم بالابتعاد عن بكين ، كونها تشكل خطرا على السعودية لأنها تقدم مساعدات لإيران ، فالخطر من وجهة نظر بايدن ، يكمن في من يقدم المساعدات وليس في من يتلقى المساعدات .
وليس غريبا على بايدن موقفه هذا من إيران ، فهو من المدافعين عنها منذ فترة بعيدة ، فحين كان رئيسا للجنة العلاقات الدولية بمجلس الشيوخ وجه خطابا قال فيه : إن تحسين العلاقة مع إيران يصب في المصلحة الذاتية الصريحة للولايات المتحدة ويصب في مصلحة إيران أيضا ، ولا ننسى أن بايدن كان أحد فريق أوباما الذي اختزل كل مشاكل المنطقة كلها وأزماتها بالملف النووي الإيراني وأغفل بقية الزوايا الأخرى في سلوك النظام الإيراني ، كتصدير الثورة إلى المنطقة والصواريخ البالستية والطائرات المسيرة .
وليس هذا فحسب ، بل أقدم بايدن على تعيين روب مالي مبعوثا خاصا إلى إيران ، وروب هو مسؤول الملف النووي الإيراني وهو أيضا من أبرز الوجوه في فريق أوباما والذي تفاوض سريا على الاتفاق النووي ، وعمل روب في فترة أوباما عضوا في مجلس الأمن القومي مسؤولا عن إيران ومنطقة الخليج وهو مهندس الاتفاق النووي الإيراني ، ولا يمكننا أن نغفل الرسالة المشتركة التي حملت توقيع ست لجان في مجلس النواب و 20 ديمقراطيا والتي جاء فيها : إن دعمنا المستمر للنظام الملكي السعودي يتعارض مع المصالح الأمريكية كونه يقمع مواطنيه ويشن حربا وحشية في اليمن ويعزز الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط .
نخلص إلى القول : إن الولايات المتحدة الأمريكية جمعت معظم دول العالم ضد روسيا ومارست عليها أكثر من ثلاثة ألف عقوبة ولم تفعل ذلك مع إيران ، هذا يؤكد ما قاله المفكر العربي محمد حسنيين هيكل :
إن الخليج أضعف من أن يشوش على الاتفاق النووي الإيراني ، ربما لإدراكه ، بأن المشروع الإيراني هو جزء من المشروع الأمريكي الإسرائيلي ، يؤكد ذلك التطابق بينهم ما قاله المستشار الدبلوماسي لحاكم الإمارات ، أنور قرقاش : إن بلاده تعمل على إرسال سفير إلى طهران ، مع سعيها إلى إعادة بناء العلاقات معها وأن النهج التصادمي مع إيران ليس شيئا تدعمه أبو ظبي ، بالرغم من أن الإمارات كانت قد بررت تطبيعها مع إسرائيل على أنه لمواجهة المخاطر الإيرانية ، فكيف تجمع اليوم في علاقتها بين المتناقضين ، إسرائيل وإيران ، إلا دليلا على أنهما واحد ، وفي كل ما سبق ، فإن اليمن غابت عن حضور قمة جدة التي ناقشت استمرار الهدنة وأسقطت القرار الدولي 2216 , الذي شنت السعودية الحرب على اليمن بموجبه ، وهذا يؤكد أن المليشيات المدعومة من إيران مدعومة من أمريكا وإسرائيل أيضا ، ولو كان مجلس القيادة اليمني يمتلك ذرة من الاعتزاز الوطني لما قبل بتهميشه ، لكن أغلب من فيه مجرد رؤساء لشركات أمنية لحماية السعودية والإمارات .