بشأن الأغنية اليمنية، ودون أن نقصد التقليل من قيمة موروثها، إلا أنها لم تشهد التجديد الذي طال فن الغناء والموسيقى في العالم العربي، إذ بقيت أغنية مفاهيم ورسائل وأقوال ومضامين، حيث للكلمة فيها الأولوية على حساب النغمة، بينما يؤدي فيها اللحن وظيفة إيقاعية وخلفية رتيبة للقصيد الذي يحتل الصدارة، وذلك ربما يفسر لنا سر هيمنة متوالية التكرار والإعادة على الألحان، قديمها وجديدها.
ونجد أن الأغنية في صنعاء على وجه التحديد خالية من البعد الطربي ومن الانتقالات أو ما تسمى بالكوبليهات. (توجد ثلاثة إيقاعات فقط في أغاني صنعاء التقليدية: الدعسة والوسطى والسارع)، ولا موال فيها كما لا يسبقها "دان" مثل أغاني لحج وحضرموت.
أعتقد أن الأغنية التقليدية اليمنية في أماكن ومحافظات كثيرة لا تستهدف إمتاع جمهورها أو الوصول بهم إلى حالة من الشجن، ولا تنافس الغاية التي يطلبها المستمعون في المشرق والمغرب العربي من الطرب عامة، لأن ما تسعى إليه الأغاني كما في نمط صنعاء وكوكبان ويافع، هو إيصال تلك الرسالة التي تتضمنها كلمات القصيدة وتكتفي بذلك، دون أن يطمح المغني والملحن (إن وجدت هذه الوظيفة من حيث المبدأ) إلى ما يتجاوز الاندهاش بالحكمة أو الشكوى أو التحدي وغيرها من مضامين القصيد المُغنّى.
وهذا ما يجعلنا نحتفل بنماذج وفلتات نادرة تمردت في الغناء اليمني على هذا الأسلوب الذي يكتفي بالمراهنة على قوة معاني كلمات الأغنية فحسب.
وهكذا فإن الموسيقى في معظم ألوان الغناء في اليمن مجرد خلفية باهتة للكلمات التي لها الأولوية، ويأتي بعدها الإيقاع الذي ينظم حركة الرقص، فيما الأذن محرومة من الموسيقى كما نسمعها في غناء مصر والشام والعراق وغيرها، ولا يبقى للأذن في اليمن إلا التلذذ بالقصيد وبعض الشجن المتوارث بحكم العادة لا بقوة وطاقة جماليات النغمة لذاتها أو الجملة اللحنية، وهذا لا ينفي أن الأغنية في عدن ولحج تميل إلى الطرب، وبخاصة مع ظهور التأثير المصري واستيعابه من قبل الفنانين المعاصرين.
أضف إلى ما سبق أن معظم غناء أهل اليمن امتداد لموشحات وأناشيد دينية كانت وما تزال تؤدى حتى اليوم في المآتم والأعراس وغيرها من المناسبات، ويُسمى من يؤديها بالمنشد، أما الأغنية التي تستعيد كلمات الأناشيد في أغاني صنعاء القديمة فلم يزد عليها المغني سوى العود والطبلة، دون أن يتغير في اللحن الأصلي شيء.
وهناك استثناءات قليلة أبطالها شعراء نسجوا قصائد غنائية جديدة خرجت على الإيقاع القديم وألهمت بعض المطربين الذين أجادوا تلحين أغان خرجت على النمط التقليدي المتوارث.
ويمكن أن يكون للكلام بقية في الوقت المناسب!